الإجهاض في أمريكا.. قضية حقوقية أم صراع سياسي؟

لماذا أصبحت قضية الإجهاض أزمة في الانتخابات الأمريكية؟

أحمد عبد الحفيظ

تُعد قضية الإجهاض واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في السياسة الأمريكية، وقد تحولت في السنوات الأخيرة إلى أزمة تؤثر بشكل مباشر على نتائج الانتخابات.
وتطورت هذه القضية لتصبح رمزًا للصراع الثقافي بين المحافظين والليبراليين في الولايات المتحدة، ما جعلها محورًا رئيسًا في الحملات الانتخابية على مستوى الرئاسة والكونجرس والمحاكم العليا.

السياق التاريخي

بدأت قضية الإجهاض تأخذ مكانة مركزية في السياسة الأمريكية بعد قرار المحكمة العليا في قضية رو ضد ويد عام 1973، الذي أعطى النساء الحق القانوني في الإجهاض.
القرار كان نقطة تحول تاريخية، حيث أطلقت منظمات حقوق المرأة حملة واسعة للدفاع عن هذا الحق، في الوقت الذي بدأ فيه المحافظون، وخاصة الجماعات الدينية، بشن حملات مضادة تهدف إلى إلغاء القرار، ومع مرور الوقت، أصبح الإجهاض اختبارًا لقيم الناخبين والسياسيين، وارتبط بشكل وثيق بالأيديولوجيات الدينية والسياسية.

تصاعد الأزمة

على مدى العقود الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة انقسامًا متزايدًا حول مسألة الإجهاض، أصبح من الصعب تجاهل هذا الموضوع في الانتخابات، خاصة بعد تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه عام 2016.
وعد ترامب بتعيين قضاة في المحكمة العليا يميلون إلى إلغاء قرار رو ضد ويد، وهو ما حدث فعلاً عندما تم تعيين قضاة محافظين خلال فترة رئاسته، مثل بريت كافانو وأيمي كوني باريت، وأدى ذلك إلى إحياء الجدل حول إمكانية تقويض حقوق الإجهاض أو إلغائها تماماً.

هذا التحول أدى إلى اندلاع سلسلة من التشريعات على مستوى الولايات، حيث سعت بعض الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون إلى فرض قيود صارمة على الإجهاض، بينما اتجهت الولايات التي يسيطر عليها الديمقراطيون إلى تعزيز هذه الحقوق، ما أدى إلى خلق توتر حاد بين الطرفين، وأصبحت قضايا حقوق الإجهاض محددًا رئيسًا في انتخابات الكونجرس والمحافظين.

تأثير قرار المحكمة العليا 2022

وصلت الأزمة إلى ذروتها في يونيو 2022 عندما ألغت المحكمة العليا القرار التاريخي في قضية رو ضد ويد في حكم قضائي جديد يُعرف بـدوبس ضد جاكسون لصحة المرأة، هذا القرار أعطى الولايات الفردية حرية تحديد سياساتها بشأن الإجهاض، ما دفع العديد من الولايات المحافظة إلى حظر الإجهاض أو فرض قيود صارمة عليه. في المقابل، قامت ولايات ليبرالية مثل كاليفورنيا ونيويورك بتشريع قوانين لحماية حقوق الإجهاض.

هذا الحكم أشعل غضبًا واسعًا بين المدافعين عن حقوق المرأة، ورفع من مستوى أهمية قضية الإجهاض في الانتخابات النصفية عام 2022، وأظهرت استطلاعات الرأي أن الإجهاض أصبح موضوعًا رئيسيًا يؤثر على اختيار الناخبين، حيث شهدت الانتخابات المحلية صراعًا حادًا بين المرشحين المؤيدين والمناهضين للإجهاض.

الأبعاد الانتخابية

أصبحت قضية الإجهاض عاملاً حاسماً في تحديد مسار الانتخابات، حيث يستخدمها السياسيون كوسيلة لحشد الدعم وجذب الناخبين.
بالنسبة للجمهوريين، تمثل هذه القضية فرصة للتقرب من قاعدتهم المحافظة والدينية، بينما يسعى الديمقراطيون إلى استغلال المخاوف المتزايدة حول تراجع حقوق المرأة لحشد الناخبين الشباب والليبراليين، بالإضافة إلى ذلك، فإن المنظمات المؤيدة للإجهاض والمنظمات المناهضة له تنفق ملايين الدولارات على الحملات الانتخابية لدعم مرشحيها المفضلين، مما يجعل من قضية الإجهاض ساحة معركة رئيسية في السياسة الأمريكية.

المستقبل المجهول

لا تزال قضية الإجهاض تتصدر المشهد السياسي، ومن المتوقع أن تستمر في ذلك خلال الانتخابات المقبلة، ومع استمرار الجدل حول حقوق المرأة ودور الدين في السياسة، يبقى من غير الواضح كيف سيتطور هذا الصراع. ومع ذلك، من المؤكد أن قضية الإجهاض ستظل موضوعاً رئيسياً يؤثر على الناخبين ويشكل السياسات في الولايات المتحدة لسنوات قادمة.

ربما يعجبك أيضا