الإمارات ترسم بالكلمات ذكرى شاعر الرومانسية نزار قباني

أبو ظبي – تمر هذه الأيام الذكرى السادسة والتسعون لولادة الشاعر العربي الأكثر شهرة وتأثيرا نزار قباني، السوري الذي غير وجهة الشعر العربي وكسر الحواجز التي كانت بين الناس والشعر، فكانت قصائده وما زالت غذاء روحيا وفكريا وعاطفيا ضروريا لكل فرد عربي على اختلاف انتماءاته.

تنظم مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية ندوة عن الشاعر الراحل نزار قباني بعنوان “الرسم بالكلمات” وذلك في الساعة السابعة مساءً يومي الأربعاء والخميس 10 و11 مايو الجاري.

احتفاء بالشاعر العربي الكبير نزار قباني يشارك في الندوة التي تقترحها مؤسسة العويس الثقافية كل من الكاتب أحمد برقاوي بمداخلة تحمل عنوان “الأنا في شِعر نزار قباني” والناقد علي عبيد بورقة موسومة بـ”لا النوافير تتعب.. ولا ماء دمشق ينتهي” والباحث محمد شاهين بمداخلة عنونها بـ”نزار قباني .. لمن يغني الكناري” حسب صحيفة “العرب”.

كما تقترح الندوة مداخلات أخرى للنقاد سمر روحي الفيصل بورقتها “نثر القباني .. الوجه الآخر للإبداع” وعفاف البطاينة ببحث وسمته بـ”السعي وراء الحرية شعرياً” ونزار أبوناصر بمداخلة عن “ملامح من الهالة النزارية”، إضافة إلى علوي الهاشمي الذي يبحث في “نزار قباني .. المفارقة الصارخة (اعتراف نقدي)”. كذلك نجد مداخلة بعنوان “ديوان سيبقى الحب سيدي.. تمرد جمالي ورفض للموروث ” لشريف الجيار، وتشارك الناقدة بروين حبيب ببحثها “تقنيات التعبير في شعر نزار قباني”.

يذكر أن مؤسسة العويس الثقافية نظمت ندوة مماثلة عن الشاعر الراحل محمد الماغوط بعنوان “تغريد خارج السرب” في أبريل الماضي وتخللها توزيع كتاب “الفرح ليس مهنتي وقصائد أخرى”
يدير الجلسات النقدية كل من الكتاب والنقاد فاطمة الصايغ وحبيب غلوم وعادل خزام وفتحية النمر. وسيقع على هامش الاحتفالية توزيع نسخ من كتاب “نزار قباني .. قصائد مغناة” الذي يضم نخبة من الأغنيات التي أداها مطربون كبار لقصائد الشاعر الراحل، الذي نجح في الوصول إلى قلوب الناس بمختلف شرائحهم.

وكان الشاعر الراحل قد حاز جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي في الدورة الثالثة لعام (1992 ـ 1993)، ويعد بحق أكثر الشعراء العرب شعبية وانتشاراً وتأثيراً في وجدان القراء العرب في العصر الحديث، لما لمشروعه الشعري المتميز من أثر وانتشار كبيرين.

وهذا ما جعل من شعره حديقة عامة يدخلها الجميع حين اخترع لنفسه بإبداع فريد ومتماسك لغة خاصة تقترب من لغة الحوار اليومي واتجه بشعره إلى جميع طبقات الشعب، كاسراً جدار العزلة والخوف بين الناس والشعر، ما جعل شِعره يدخل إلى كل بيت عربي، وأمسياته التي يقيمها في المدن العربية من الظواهر الثقافية ليؤكد بذلك موقع الشِعر الخطير في حياة العرب وفي تشكيل وجدان الإنسان العربي، ويعزز مسؤولية كل شاعر تجاه جمهوره في آن واحد.

يذكر أن مؤسسة العويس الثقافية نظمت ندوة مماثلة عن الشاعر الراحل محمد الماغوط بعنوان “تغريد خارج السرب” في أبريل الماضي وتخللها توزيع كتاب “الفرح ليس مهنتي وقصائد أخرى”. وتأتي هذه الاحتفاليات بشعراء عرب كبار تأكيداً لقيمة الشعر في المجتمع وتهدف إلى إرسال رسالة إلى الأجيال الجديدة بعمق الكلمة والقصيدة والكتاب.

ولد نزار توفيق قباني، في 21 مارس سنة 1923، في حي مئذنة الشحم (أحد أحياء دمشق القديمة). ويتساءل نزار فيما بعد، فيقول “هل كان مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها، وترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة؟ أم كان مكتوباً علي أن أكون كشهر آذار، شهر التغير والتحولات؟”.

مدرسته الأولى كانت “الكلية العلمية الوطنية” في دمشق. دخل إليها في السابعة من عمره، وخرج في الثامنة عشرة يحمل شهادة البكالوريا الأولى “القسم الأدبي”، ومنها انتقل إلى مدرسة التجهيز حيث حصل على شهادة البكالوريا الثانية “قسم الفلسفة”.

يذكر نزار أن أول تجربة له مع الشعر كانت في صيف عام 1939 حين كان مبحراً في رحلة مدرسية من بيروت إلى إيطاليا عندما دمدم الكلمة الأولى من أول بيت شعر قاله في حياته، وهو يقول “وللمرة الأولى، وفي سن السادسة عشرة، وبعد رحلة طويلة في البحث عن نفسي.. نمتُ شاعراً..”

ويقول بعد رحلة طويلة في البحث عن نفسه إنه في الثانية عشرة بدأ الرسم، واستمر في هذه التجربة سنتين أو ثلاثاً مستعملاً قوارير اللون والصباغات والأقمشة، ورسم بالماء وبالفحم، وأيضا بالزيت.

أما في الرابعة عشرة فقد سكنه هاجس الموسيقى. ويوعز نزار إلى هاتين التجربتين دوراً أساسياً في تشكيل لغته الشعرية حيث سكن الرسم والموسيقى كلماته. ويقول نزار عن مجموعته الأولى ما يلي: “كانت القصيدة العربية تعاني انفصاماً حاداً في الشخصية وكنت أحس، وأنا أقرأ شعراء عصر النهضة، أنني أحضر حفلة تنكرية، وأن كل شاعر يستعير القناع الذي يعجبه.

هذا يستعير سيف أبي فراس. وذاك يستعير حصان عنترة. وفي وسط هذه الحفلة التنكرية، كنت أتساءل، وأنا شاب يافع، لماذا لا يكشف هؤلاء عن وجوههم الطبيعية، ويتكلمون بأصواتهم الطبيعية؟ ولماذا يستعيرون لغة الآخرين، وعصر الآخرين؟ في هذا الاحتفال الكرنفالي.. قررت بحماس الشاب أن أغيّر بروتوكول الحفلة، وأخرق نظامها”.

من هنا يمكننا أن نفهم تمرد الشاعر الذي قاده إلى قلب مفهوم الشعر أصلا وفتح آفاق جديدة في الشعرية العربية، بلغة مستجدة، حيث اقتربت قصائد نزار قباني من البيئة الحقيقية وهواجس الناس وحيواتهم بشتى تفاصيلها. فلمس شعره مناطق كان الشعر العربي بعيدا عنها، وأدخل أشياء ومفردات جديدة إلى الشعر العربي، الذي بقي يعاني من الجمود لقرون عديدة.

هواء جديد ضخه نزار في رئة الشعر العربي في مختلف مجموعاته الشعرية منذ “طفولة نهد” إلى “أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء” مرورا بالعديد من الكتب والدواوين الشعرية مثل “الأوراق السرية لعاشق قرمطي” و”أشعار خارجة على القانون” و”قصيدة بلقيس” و”قصائد مغضوب عليها”، وغيرها.

وقد ساعد عمل نزار قباني في السلك الدبلوماسي على التنقل بين بلدان أوروبية مختلفة مثل إسبانيا وفرنسا، وخاصة على إتقان لغات أخرى والانفتاح على شعريات عالمية، ساهمت في اكتسابه نفسا مغايرا يجمع بين عمق الموروث العربي الذي تشبّع به وبين انفتاحه على عوالم شعرية مختلفة.

فكان أول شاعر عربي يخصص الكثير من شعره للحب والمرأة، كما كان الأول الذي دخل عوالم الفرد العربي البسيطة مماهيا بين الشعر والخبز، حيث شعر نزار حاجة ضرورية مثله مثل الغذاء، هو غذاء روحي لكل فرد عربي أيا كانت ثقافته، فشعره سلس بسيط بلغة لا تكلّف فيها، لغة قريبة من اليومي لكنها تحمل عمقا كبيرا، وهي اللعبة الخطرة التي لم يتقنها غيره، أن يكتب شعرا بسيطا وعميقا في آن واحد.

ربما يعجبك أيضا