الإمارات وسنغافورة.. نموذجان ملهمان وشراكة شاملة

محمد النحاس
الإمارات وسنغافورة

زار ولي عهد أبوظبي، الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، مقر برنامج أبحاث الذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تعزيز وتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في سنغافورة.

هذه الزيارة، تعكس رؤية مشتركة للبلدين، حيث تجمعهم عوامل مشتركة لافتة، مثل الدور المحوري في الشحن الدولي، والتنمية الاقتصادية السريعة في زمن قياسي، وسياسات التنوع الاقتصادي، والاهتمام بالتعليم والتكنولوجيا.

تبادل تجاري 

تعتبر كلًا من الإمارات وسنغافورة نموذجين مُلهمين للدول الصغيرة التي استطاعت تحقيق قفزات تنموية واقتصادية في فترات زمنية محدودة نسبيًّا، وحافظت دولة الإمارات على مكانتها كأكبر شريك تجاري لسنغافورة في الشرق الأوسط، إذ بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري غير النفطي 5.8 مليار دولار أمريكي في 2023، وفقًا لوكالة أنباء الإمارات (وام). 

ويجمع البلدان العديد من أوجه التشابه، حيث يقف الموقع الجغرافي لكل منهما كأحد أهم العوامل الداعمة، إذ تعد الإمارات بوابة تجارية تربط آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وفي جنوب شرق آسيا، تبرز سنغافورة كمركز محوري للتجارة الدولية، حيث يمر حوالي 20% من حركة التجارة العالمية عبر مضيق ملقا الذي يقع على مقربة من سواحلها، ما يجعلها لاعبًا أساسيًا في حركة الشحن البحري العالمية، هذا التميّز الجغرافي ليس إلا حجر الزاوية، إذ تمكنت الإمارات وسنغافورة من تحقيق تنمية اقتصادية مذهلة. 

الناتج المحلي

منذ تأسيس الإمارات كدولة اتحادية عام 1971، نمت اقتصاديًا بوتيرة متسارعة، حيث ارتفع ناتجها المحلي من 37 مليار دولار 1975 إلى ما يزيد عن 421 مليار دولار في 2023. 

ومن جهتها، حققت سنغافورة منذ استقلالها في 1965 نهضة استثنائية، إذ ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي من 500 دولار سنغافوري في الستينيات إلى نحو 70 ألف دولار سنغافوري في 2023، ما جعلها ضمن الدول الأعلى دخلًا على مستوى العالم.

التجارة الدولية

التجارة الدولية تمثل ركيزة اقتصادية هامة لكلا الدولتين؛ فالإمارات، التي بلغ حجم تجارتها غير النفطية 2.2953 مليار دولار في عام 2023، وفقًا للبيانات الحكومية.

العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وسنغافورة

العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وسنغافورة

أما سنغافورة، فهي تعد واحدة من أكثر الدول المنفتحة تجاريًّا، حيث بلغ حجم تجارتها الخارجية حوالي 1.2 تريليون دولار سنغافوري في 2022، بفضل استثمارها في البنية التحتية للموانئ وجذب الاستثمارات.

تنوع اقتصادي 

استراتيجية تنويع الاقتصاد كانت ضرورية للدولتين، وقد وضعت الإمارات “رؤية 2030” للابتعاد عن الاعتماد على النفط، لتصبح القطاعات غير النفطية مسؤولة عن أكثر من 70% من ناتجها المحلي.

وفي المقابل، اتبعت سنغافورة منذ السبعينيات استراتيجية التنويع الصناعي، بالتركيز على الإلكترونيات، والخدمات المالية، والبحوث الطبية، حيث يشكل قطاع الخدمات اليوم حوالي 70% من اقتصادها.

ولا يمكن تجاهل التحول الحضري الكبير في الإمارات، خصوصًا في دبي وأبوظبي، حيث يمثل برج خليفة الذي يرتفع 828 مترًا أحد أبرز الإنجازات المعمارية، إلى جانب مدينة مصدر المستدامة، أما سنغافورة، فقد حولت نفسها من مدينة ذات بنية تحتية متدهورة إلى واحدة من أكثر مدن العالم تطورًا، بمطار شانغي الذي يوصف بأنه الأفضل عالميًا، وحدائقها التي تجمع بين الطبيعة والتكنولوجيا في نموذج فريد من نوعه.

الاهتمام ‌بالتعليم والتكنولوجيا 

التعليم والتكنولوجيا لعبا أيضًا دورًا أساسيًا في مسيرتي الدولتين، إذ استثمرت الإمارات في تطوير التعليم العالي من خلال جامعات مرموقة مثل جامعة خليفة، وأطلقت “مسبار الأمل” في 2020 كأول مهمة عربية تصل إلى المريخ.

4eec30f5 f8d8 472a b4ec 0280c4de9b6c.jpeg

وأسست الإمارات جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي مؤسسة أكاديمية على مستوى الدراسات العليا مقرها في مدينة مصدر في إمارة أبوظبي، تأسست عام 2019 كجزء من استراتيجية الإمارات العربية المتحدة للذكاء الاصطناعي 2031.

سنغافورة بدورها، تحظى بنظام تعليمي متميز، حيث تحتل جامعة سنغافورة الوطنية وجامعة نانيانغ التكنولوجية مراكز متقدمة عالميًا، في وقت تبنت فيه الدولة تقنيات متطورة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.

بين الأصالة والحداثة

من جهة أخرى، حرصت الإمارات وسنغافورة على التوازن بين الأصالة والحداثة، حيث تحتفظ الإمارات بتراثها وتقاليدها من خلال فعاليات مثل مهرجان قصر الحصن،  ومعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية.

بالإضافة إلى مهرجان ليوا للرطب، والمهرجان الوطني للحرف والصناعات التقليدية في العين، ومهرجان سباق دلما التاريخي للمحامل الشراعية، وملتقى السمالية بنسختيه الشتوية والصيفية، ومهرجان الظفرة والعديد من الفعاليات الأخرى.

 وتمزج سنغافورة هي الأخرى بين الحداثة والتقاليد في أحيائها التراثية مثل الحي الصيني و”هولندا فيليدج”، التي تمتزج فيها الثقافة التقليدية مع مظاهر الحياة العصرية.

سياسات فعّالة

هذه النجاحات لم تكن ممكنة دون السياسات الحكومية الفعالة، حيث تصدرت الإمارات قائمة الدول العربية في سهولة ممارسة الأعمال في 2020، متبنية سياسات مرنة لجذب الاستثمارات.

سنغافورة من جانبها، معروفة بأنها من أقل الدول فسادًا في العالم، بفضل سياسات داعمة للشركات الناشئة وتقديم بيئة أعمال تنافسية تستقطب الشركات العالمية، بفضل الضرائب المنخفضة والإجراءات السريعة.

وبهذه العوامل المتنوعة، استطاعت الإمارات وسنغافورة تجاوز تحديات الحجم والموارد، لتكونا نموذجين ملهمين للدول التي تبني نفسها بثبات، وتترك بصمة عميقة في خارطة الاقتصاد والتنمية المستدامة عالميًا.

ربما يعجبك أيضا