الإنفاق الدفاعي «غير الرشيد».. هل أقترب أفول «الإمبراطورية الأمريكية»؟

محمد النحاس

هذا الشهر، طلب مجلس الشيوخ زيادة بنسبة 3.4% في الإنفاق الدفاعي للسنة المالية 2025، مقارنة بنسبة 1% التي اتفق عليها رئيس مجلس النواب السابق كيفين مكارثي والرئيس بايدن في عام 2023.

ويشكو صنّاع السياسات من أن الزيادة بنسبة 1% فقط غير كافية لتلبية التزامات أمريكا العسكرية، وهو ما يشير إلى أن الوسائل العسكرية لا تتناسب مع الأهداف المرسومة.

وبحسب تحليل، نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، فإن ضخ المال في برامج الدفاع ليس هو الحل الأفضل، وينبغي على صُنّاع السياسات تحديد الأهداف الاستراتيجية بجلاء وتوضيح كيفية تحقيق هذه الأهداف من خلال الأسلحة والتكاليف المرتبطة بها.

مشكلة الإنفاق الدفاعي

في كتابه “صعود وسقوط القوى الكبرى” للكاتب بول كينيدي، يصل لنتيجة مفادها أن الدول التي تتجاوز في إنفاقها الدفاعي تميل قوتها الاقتصادية للتراجع، وكذلك مكانتها العالمية.. فهل يحدث ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

إجمالاً، تحتاج الدول إلى إيجاد توازن دقيق بين الإنفاق العسكري والتوفير المحلي، حيث أن  الفشل في تحقيق هذا التوازن يؤدي إلى زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية والدفاعية.

فكيف يمكن أن يجري ذلك؟

بحسب الطرح، الذي يورده التحليل المنشور بالمجلة الأمريكية في 27 يوليو 2024، فإن الإنفاق الدفاعي الرشيد، سيجعل الجيش الأمريكي أكثر فعالية. وذلك لأن بعض مشاريع الأسلحة لا يزال هدفها الاستراتيجي غير واضح، مثل القنبلة B-83  (قنبلة هيدروجينية غير موجهة متغيرة القوة التفجيرية) التي لا يبدو أن هناك سبباً مقنعاً للاحتفاظ بها.

برامج تسليح غير مجدية؟

هناك برامج أسلحة أخرى تضم عمليات شراء وممارسات صيانة غير فعالة، مثل برنامج F-35 الذي يعاني هو الآخر من تأخيرات في مواعيد التسليم وزيادة في التكاليف، والتي من المتوقع أن تتجاوز 2 تريليون دولار حتى عام 2088.

وفقًا لمكتب المساءلة الحكومية، فإن الاعتماد الكبير على المقاولين العسكريين (صناع الدفاع من الشركات الخاصة) وقلة التدريب ونقص قطع الغيار والمعدات يعوق جاهزية المقاتلة الأمريكية. تحتوي ترسانة أمريكا أيضًا على أنظمة ذات قدرات متداخلة، ما يجعلها زائدة وغير ضرورية.

على سبيل المثال، القاذفة الاستراتيجية B-1B، يمكنها حمل القنابل التقليدية فقط، بينما يمكن لقاذفتي B-2 وB-52 حمل الحمولة التقليدية والنووية. كما أن المقارنة تظهر أن كلا من القاذفات  B-1B وB-52 لديهما فرص ضئيلة لاختراق المجال الجوي للعدو. ومع ذلك، فإن تكلفة B-1B تصل إلى 317 مليون دولار لكل قاذفة، بينما تكلفة B-52 هي 115 مليون دولار. هذا يعني أن الولايات المتحدة تمتلك قاذفات مماثلة بسعر أقل، بعض القدرات لدى  B-83 وF-35 وB-1B بحاجة إما إلى تقليص أو إصلاحات جذريّة.

زيادة لافتة

يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بالمسؤولية تجاه الجمهور الأمريكي، ومن الضروري أن يكون هناك شفافية كاملة حول كيفية إنفاق الحكومة للأموال، خاصة في مجال الدفاع. وفقًا لمكتب الميزانية في الكونجرس، بلغ إجمالي الإنفاق التقديري لعام 2023 حوالي 1.7 تريليون دولار، منها 805 مليارات دولار على الدفاع، مما يمثل 47% من النفقات التقديرية. وهذا يشير إلى حجم الإنفاق الدفاعي الكبير.

وتنفق الولايات المتحدة حالًّا على الدفاع أكثر من أي وقت مضى في تاريخها الحديث. وفي عام 1988، نهاية الحرب الباردة وبعد زيادة بناء القوات العسكرية في إدارة ريجان، أنفقت الولايات المتحدة 720.59 مليار دولار على الدفاع بأسعار سنة 2025. وبالمقارنة، أنفقت الولايات المتحدة 923.69 مليار دولار على الدفاع في عام 2023، هذه الزيادة تثير القلق خاصة بالنسبة للأمريكيين العاديين الذين يمولون هذه المشاريع الدفاعية من ضرائبهم.

إنفاق غير رشيد

كما يرى المقال، فإن الإنفاق الدفاعي غير الرشيد لا يتجاهل المسؤولية تجاه الجمهور فقط، بل يقلل أيضًا من قوة أمريكا على الساحة العالمية.

كما أن إنفاق المزيد على الدفاع يمنع تخصيص الأموال لسداد ديون أمريكا البالغة 34.89 تريليون دولار وعجزها البالغ 1.7 تريليون دولار في عام 2023. ومن العواقب المحتملة للديون والعجز المفرط ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض الإنتاجية الاقتصادية، وزيادة خطر الأزمات المالية.

ما الحل؟

يرى المقال أن أفضل طريقة لتحقيق هذا التوازن هي تقليص الأهداف العسكرية الأمريكية في الخارج، ما سيقلل الحاجة إلى إنفاق المزيد على الدفاع.

وبالمجمل، يتطلب تحسين الإنفاق الدفاعي في الولايات المتحدة مزيداً من الحذر وتحديد الأهداف بوضوح ودقة، بالإضافة إلى نقاشات جدية بين صناع السياسات والجمهور حول كيفية إنفاق الأموال. وختامًا يخلص المقال إلى أن ذلك سيساهم ذلك في تعزيز الديمقراطية وتعزيز قوة الهيمنة الأمريكية على الساحة العالمية.

ربما يعجبك أيضا