الاحتباس الحراري يسبب انتشار ميثيل الزئبق في الأراضي الصقيعية بكندا

بسام عباس

حذر العلماء من انتشار ميثيل الزئبق السام في أكبر أراضي التربة الصقيعية في قارة أمريكا الشمالية، ما يهدد الحياة في المنطقة.


تعد منطقة هدسون باي لولاند في شمال أونتاريو بكندا موطنًا لأكبر امتداد مستمر من التربة الصقيعية في أمريكا الشمالية.

وأوضح طالب دراسات عليا بجامعة كارلتون في أوتاوا بكندا، آدم كيركوود، أن تأثير الاحتباس الحراري في منطقة الأراضي الخثية شديد الخطورة، فمع ذوبان الجليد ينطلق غاز ميثيل الزئبق السام لجميع الكائنات.

قنبلة كربونية

أوضحت مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية أنه يوجد في تلك التربة الصقيعية 30 مليار طن من الكربون، ومع الاحتباس الحراري، يذوب الجليد، ما يهدد بإطلاق “قنبلة كربونية” من غاز الميثان، لافتة إلى أن الزئبق يمثل خطرًا كامنًا في التربة الصقيعية، وهو الأكثر خطورة على الناس والحياة البرية، الذين يعيشون في المنطقة.

وأضافت أن حرائق الغابات والبراكين تتسبب في انطلاق الزئبق، ومنذ الثورة الصناعية، تحمل تيارات الهواء الدافئ الزئبق في شكله المعدني الثقيل غير العضوي إلى القطب الشمالي، حيث يستقر في التربة والغطاء النباتي، قبل أن يجري حبسه بأمان في التربة الصقيعية شديدة التجمد.

وذكرت، في تقرير نشرته أمس السبت 18 مارس 2023، أن الزئبق، في شكله غير العضوي، يكون أقل تهديدًا للبشر، ولكن مع ذوبان التربة الصقيعية، يجد الزئبق طريقه إلى التربة والبرك والأنهار والبحيرات في المنطقة، حيث تعمل الميكروبات على تحويل الزئبق غير العضوي إلى ميثيل الزئبق السام للأعصاب.

خطر على السكان الأصليين

أفادت المجلة الأمريكية أن هذا التهديد الكامن يمثل خطرًا على حياة الشعوب الأصلية في شمال أونتاريو الذين عاشوا لآلاف السنين، على أراضي الخث، وهي أراض رطبة مليئة بالأشجار المتفحمة بسبب ركام من الغطاء النباتي، الناجم عن التشبع بالمياه وما يلحقه من نقص في الأكسجين.

وعلى مدى السنوات الـ6 الماضية، كان الباحثون يأتون إلى هذه البيئة النائية كل صيف، حيث يتنقلون بطائرات الهليكوبتر لأخذ عينات سميكة من هذه الأراضي وإعادتها إلى المختبر لتحليلها.

البيئة تتحول إلى مستنقع

أوضحت المجلة أن التربة الصقيعية تشبه الأرض الصلبة، وتجد في التربة الصقيعية جميع أنواع النباتات، مثل التوت والنباتات التي تتغذى عليها الحيوانات، ولكن بمجرد ذوبان الجليد تتحول البيئة إلى مستنقع. ومع اختفاء التربة الصقيعية تختفي الحيوانات التي تتجه إلى القطب الشمالي.

ويعد تسرب ميثيل الزئبق من التربة الصقيعية أحدث قضية تتعلق بجودة المياه واجهتها المجتمعات في المنطقة، فالتلوث الصناعي بالزئبق منذ الستينات لا يزال يؤثر في 90% من مجتمع قبائل الهنود الحمر الأصلية التي تستوطن قرب حدود مانيتوبا.

وأفادت المجلة أن العلماء، قبل 10 سنوات، اكتشفوا أن بعض الميكروبات ذات جينات معينة، يمكنها تحويل الزئبق غير العضوي إلى ميثيل الزئبق السام، ولكن الجهود المبذولة لربط تلك الميكروبات بإمكانية إنتاج ميثيل الزئبق في البيئة باءت بالفشل.

ارتباط الزئبق بذوبان الجليد

أفادت المجلة الأمريكية أن كيركوود يسعى في بحثه، من خلال الحفر وأخذ عينات أساسية من التربة الصقيعية، إلى قياس كمية الزئبق غير العضوي وتسلسل الحمض النووي لكل شيء في التربة، آملًا في معرفة مدى ارتباط إنتاج ميثيل الزئبق بذوبان الجليد الدائم.

ويمكن معرفة أين يكون التهديد أكبر من خلال النظر في مواضع تداخل الميكروبات مع الزئبق غير العضوي. ومن جانبه، أشار كيركوود إلى أنه لا يزال يوجد الكثير من الأمور المجهولة في الجهود المبذولة لقياس خطر الزئبق.

ومن غير الممكن حتى الآن، التنبؤ بدقة بمستويات ميثيل الزئبق في مجاري المياه العذبة أو المحيط بناءً على مصادر اليابسة، وعلى الرغم من الجهود البحثية العالمية، لم يدرك العلماء العملية بكاملها.

الأراضي الخثية

تنتشر حول العالم مناطق تُعرف باسم “الأراضي الخثية”، وهي تحوي نباتات ميتة لم تتعفن بالكامل، كما تؤوي أيضًا أنظمة بيئية مُعقدة في مستنقعاتها وأطيانها وأهوارها.

وبحسب المنظمات البيئية والدولية، تنتشر تلك الأراضي في أكثر من 180 بلدًا، وتغطي مساحة 3% من اليابسة، إلا أنها تُخزن داخلها نحو 30% من كربون التربة حول العالم، أي ما يُقدر بـ30 جيجا طن من الكربون.

ويحذّر العلماء من أنّ أراضي الخث في الوقت الحالي، سليمة إلى حد كبير، وتجري إدارتها على نحو مستدام من السكان المحليين، إلا أنها معرضة لخطر داهم.

ربما يعجبك أيضا