الاستخبارات الأمريكية فشلت في التنبؤ باستيلاء «طالبان» على الحكم في أفغانستان

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

كان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان نهاية شهر أغسطس، بمثابة اختبار لمجتمع الاستخبارات الأمريكية، حيث وضع الانسحاب الأمريكي الاستخبارات الأمريكية على المحك وكشف الكثير من عدم صحة التقديرات والتنبؤ بالتهديدات المحتملة، وهذا يعني أنه يتطلب من الاستخبارات الأمريكية عمل مراجعة لعملها في مناطق النزاع.

كشفت تقارير عن مقتل مسؤول كبير في حركة طالبان في الهجمات التي استهدفت مستشفى سردار محمد داود خان العسكري في كابل يوم الثاني من نوفمبر 2021 في عملية إرهابية معقدة، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها. فقد أفاد مسؤولون أن القيادي العسكري في حركة طالبان، حمد الله مخلص، كان من بين مقاتلين في الحركة قضوا في هجوم داعش على المستشفى في كابل. وأوضحت الوكالة أن مخلص، العضو في شبكة حقاني والقوات الخاصة في حركة طالبان “بدري 313″، هو أعلى مسؤول في طالبان يقتل منذ تولت الحركة السلطة في أفغانستان في منتصف أغسطس 2021.

كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن أكبر الوكالات الاستخباراتية الأمريكية فشلت في التنبؤ باستيلاء حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان بسرعة قبل إتمام انسحاب قوات الناتو من البلاد. وأكدت الصحيفة الأمريكية في تقرير نشرته يوم 25 أكتوبر 2021 أنها اطلعت على حزم واسعة من الوثائق السرية أعطت فيها أكبر أربع أجهزة استخباراتية أمريكية تقييمات متضاربة بشأن مدى صمود الحكومة الأفغانية المنهارة. وأوضحت الصحيفة أن الحديث يدور عن نحو 20 تقييما مختلفا صدرت عن وكالة المخابرات المركزية (CIA) ووكالة استخبارات الدفاع (DIA) التابعة للبنتاغون ومجلس الاستخبارات الوطني (NIC) الذي يقدم تقاريره إلى مكتب مدير الاستخبارات اليومية ومكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية (INR).

لم تتنبأ التقارير المكثفة التي أصدرتها وكالات الاستخبارات الأمريكية في الفترة التي سبقت الانسحاب الفوضوي للبلاد من أفغانستان بالسرعة التي ستستولي بها طالبان على العاصمة كابول . ويشكك كثيرون في قدرات وكالة الاستخبارات المركزية داخل أفغانستان مع غياب قوات أمريكية على الأرض، وهو ما يتطلب التأقلم مع بيئة عملياتية مختلفة تماما وأكثر فوضوية، مع قلة الموارد المتاحة في الوقت ذاته. وقد لخص دوغ لندن المدير السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في “سي آي إيه” تلك التحديات في تغريدة له، جاء فيها: “الانسحاب الأمريكي وانهيار حكومة كابل يحرمنا من فرصة الإمساك بإرهابيين وجمع المعلومات والاطلاع على خطط العمليات الإرهابية منهم، وربما في بعض الحالات يكون أهم ما يملكه الإرهابي هو ما نعثر عليه من وثائق وأوراق معه ونطلع عليها”.

فشل مجتمع الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان

حصلت صحيفة ”  وول ستريت “على ملخصات لما يقرب من عشرين تقريرًا استخباراتيًا أصدرتها أربع وكالات رئيسية : وكالة المخابرات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع ومكتب مدير المخابرات الوطنية ومكتب المخابرات بوزارة الخارجية. وفي تقرير عن النتائج التي توصلوا إليها، قالت الصحيفة إن كثيرين توقعوا أن تسيطر طالبان على كابول ، لكنها لم تتوقع أن يحدث ذلك في منتصف أغسطس 2021 ، عندما كانت القوات الأمريكية لا تزال على الأرض.عانت الوكالات الأمريكية من فشل استخباراتي واسع النطاق فيما يتعلق بالاستيلاء السريع على العاصمة الأفغانية من قبل طالبان ، حيث ظلت القوات الأمريكية على الأرض في منتصف أغسطس

توقعت وكالة المخابرات المركزية “استيلاء طالبان الكامل” في غضون عامين، بعد أقل من شهر من تقريروكالة الاستخبارات الأمريكية  في مايو 2021.  وأشار تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية بتاريخ 4 يونيو2021 إلى أن طالبان ستواصل استراتيجيتها لعزل المناطق الريفية عن كابول خلال العام المقبل 2022  قبل أن تتوقع بعد شهر أن تحتجز الحكومة الأفغانية كابول .  وتقدم الملخصات نظرة جديدة حول ما كان مجتمع المخابرات الأمريكية كان صائبا بتقديم تقديراته إلى لبايدن وسلفه، الرئيس دونالد ترامب، أثناء سعيهما لإنهاء حرب البلاد التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان. 

خطأ إعلان الانسحاب الأمريكي

قال بعض المسؤولين الأمريكيين في جلسات خاصة إنه كان من الخطأ أن يعلن الرئيسان بايدن وترامب انسحاب الجيش من أفغانستان ، معتقدين أنه شجع حركة طالبان على شن هجومها. وكتب مايكل موريل القائم بأعمال مدير وكالة المخابرات المركزية على تويتر يوم الأحد “ما يحدث في أفغانستان ليس نتيجة فشل استخباراتي”. “إنه نتيجة العديد من الإخفاقات السياسية من قبل إدارات متعددة. من بين جميع اللاعبين على مر السنين ، رأى مجتمع الاستخبارات الوضع في أفغانستان بأكبر قدر من الدقة.”

أحصت وكالة المخابرات المركزية 14 مجموعة أو منظمة إرهابية، ابرزها تنظيم القاعدة تعمل في أفغانستان. ذكر فريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة  خلال شهر يونيو 2021 ،أن الكثير من قيادة القاعدة يقطنون في أفغانستان وهم متحالفون مع طالبان.  وتقول الوكالة حتى إذا أوفت قيادة طالبان بتعهدها بعدم الارتباط بالجماعات الإرهابية، فمن غير المرجح أن تتمكن من تنفيذ هذا القرار. لم يتوقف العديد من طالبان عن الشراكة مع القاعدة ولديهم روابط عائلية بأعضائها. ستدير طالبان حكومة لامركزية – فهي ليست قادرة على شيء آخر – وسيرحب السكان في أجزاء كثيرة من البلاد بهذه الجماعات الإرهابية. 

طالبان والقاعدة علاقات وثيقة

تتمتع حركة طالبان المؤثرة، ولا سيما عائلة حقاني ، بعلاقة موثقة جيدًا مع القاعدة. ويشمل ذلك سجلات تعاون القاعدة وحقاني بشأن الهجمات على قوات الناتو في أفغانستان التي عثر عليها في ملفات بن لادن. كان حقانيون بارزين خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة ويشغلون الآن مناصب قيادية عليا في حكومة طالبان. نتيجة لذلك، سيزداد وجود القاعدة في أجزاء كثيرة من أفغانستان تحت حكم طالبان حتى لو سعى بعض كبار قادة طالبان إلى تجنب هذه النتيجة.

الخلاصة

 إن مجتمع الاستخبارات الأمريكية وهيئة الأركان المشتركة قامت بتحويل منصات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بعيدًا عن القيادة المركزية الأمريكية – بما في ذلك أفغانستان – بأعداد كبيرة على مدار العامين الماضيين لدعم المنافسة مع الصين وروسيا. لقد حان الوقت لإعادة معالجة التخصيص العالمي لهذه الأصول استجابة للتهديد الجديد. قد يتطلب ذلك إعادة بعض منصات التجميع بعيدة المدى إلى القيادة المركزية. بينما تبني إدارة بايدن إستراتيجيتها الجديدة للدفاع الوطني، يجب عليها النظر في التغييرات في الوضع في أفغانستان.

ومن المتوقع أن تكون أفغانستان بيئة للجماعات المتطرفة والإرهاب، بسبب الملاذات الآمنة ونقص بجمع المعلومات الاستخباراتية  في محاربة الجماعات المتطرفة، والتي ممكن أن تتخذ من أفغانستان نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات دوليًا وإقليميا.

ربما يعجبك أيضا