الاستخبارات الروسية تشن حروب هجينة وتضليل معلومات ضد ألمانيا

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

ما زالت ألمانيا، موضع اهتمام أجهزة الاستخبارات الدولية، أبرزها، الاستخبارات الروسية، جميعها تستهدف ألمانيا: القرار السياسي، والاقتصاد، والبعض الآخر يستهدف المعارضة السياسية لتلك الدول، أشخاص وكيانات، من شأنها، أن تهدد أمن ألمانيا القومي.

هناك نشاط متزايد لأجهزة الاستخبارات الخارجية فوق الأراضي الألمانية، لعل أبرزها روسيا والصين، وقد كشف تقرير المكتب الاستخبارات الداخلية الألمانية، مكافحة التجسس، في تقرير  خلال عام 2019 أن روسيا والصين وإيران لاعبون رئيسيون في مجال التجسس ضد ألمانيا، يضاف لهم تركيا، مشيرًا إلى أن دولًا أخرى، جلّها من الدول الغربية، تلعب دورًا متزايدًا. وهنا يقصد بها الولايات المتحدة الأمريكية.

الاستخبارات الروسية

أعلن مكتب الادعاء العام الألماني يوم 5 مايو 2020 أن الاستخبارات العسكرية الروسية URG كانت هي المسؤولة عن الهجوم السيبراني على البرلمان الألماني خلال عام 2015، وأصدر الادعاء العام مذكرة توقيف دولية بحق هاكر روسي يقيم في روسيا، اسمه ديمتري بادين, ونجح القراصنة الروس بالاستيلاء على الرسائل الإلكترونية للنواب، ومن المرجح أنهم تسللوا إلى جهاز الكومبيوتر في مكتب المستشارة ميركل بمقر البرلمان.

وفي أعقاب تقرير المدعي العام الألماني جاء رد المستشارة الألمانية ميركل شديدًا تحذر فيه موسكو من مخاطر شنّ هجمات إلكترونية، قرصنة على ألمانيا، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نفى كل الاتهامات جملة وتفصيلاً واعتبرها “عارية من الصحة”، وهو إجراء روتيني متبع في مثل هذه الاتهامات، لا يبرئ موسكو من الاتهامات الألمانية. وحدد التقرير المواضيع التي ركزت عليها جهود المخابرات الروسية في ألمانيا لعام 2019، وهي تأزيم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ومستقبل الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا منه والسياسة الأوروبية في مجال الأمن والدفاع، إضافة إلى تحديد ردة فعل أوروبا على الحملة العسكرية الروسية في سوريا وموقف الاتحاد إزاء الأزمة الأوكرانية.

اتخذت الخارجية الألمانية يوم 4 ديسمبر 2019 قرارًا بطرد اثنين من الدبلوماسيين الروس من ألمانيا بزعم علاقتهما بمقتل مواطن جورجي على الأراضي الألمانية على خلفية مقتل مواطن جورجي في برلين في أغسطس 2019.

العميل مانويل هوفرلي

مانويل هوفرلي، أكد أنه منذ غونتر غيوم، لم يقترب جاسوس أجنبي من مستشار ألماني كما فعله الروس اليوم. ويُذكر أن غيوم كان يعمل جاسوسًا لصالح ألمانيا الديموقراطية (الشرقية) إبان الحرب الباردة، وسكرتيرًا خاصًّا لمستشار ألمانيا الغربية ويلي براندت في ذات الوقت وفقًا لتقرير DW بعنوان ميركل تُهدد بوتين، خفايا حرب التجسس الروسية على ألمانيا في 18 مايو 2020. قام بتزويد وزارة أمن الدولة “شتازي” في الدولة الشيوعية بوثائق بالغة السرية من مقر المستشارية. واختراق هذا الجاسوس أعلى دوائر صنع القرار في ألمانيا الغربية، ما دفع المستشار “براندت” إلى تقديم استقالته في مايو 1974 تحت وطأة الفضيحة والضغط الشعبي الكبير.

حرب هجينة

إن الهجمات الإلكترونية، وقرصنة المعلومات، يمكن وصفها بأنها جزء من حرب هجينة تشنها روسيا على ألمانيا وعلى دول الاتحاد الأوروبي، تقوم على فبركة الأخبار، والحصول على بيانات ومراسلات المسؤولين بهدف إحداث إرباك داخل الحكومة الألمانية وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي، وهناك اجماع لدى المعنيين في الأمن والاستخبارات، بأن روسيا بالفعل، تملك شبكات عملاء نشطين في ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ما بعد الحرب العالمية الثانية ولحد الآن.

التداخل الاجتماعي والعرقي بين روسيا وألمانيا Aussiedler

وما يسهل عمل الاستخبارات الروسية تحديدًا في ألمانيا، هو وجود أعداد كبيرة جدًّا من الألمان الذين اضطروا للعيش في روسيا بعد الحرب العالمية الثانية، منهم أسرى ومنهم من اختار العيش هناك، أيام تقسيم ألمانيا إلى الجزء الشرقي والغربي، وهؤلاء اختار كثير منهم العودة إلى ألمانيا من جديد خاصة في عقد التسعينيات وما بعد توحيد ألمانيا، يطلق عليهم هنا في ألمانيا صفة “Aussiedler” وتعني إعادة التوطين.

وهذه الشريحة تعتبر هجينة ألمانية – روسية، حتى أنهم لا يجيدون اللغة الألمانية، مما اضطر الحكومة الألمانية دمجهم في دورات خاصة في اللغة وتقديم فرص عمل والحصول على امتيازات كثيرة، كونهم من أصول ألمانيا، طبعًا بعد إثبات ذلك بالمستمسكات والوثائق.
ألمانيا نقطة استقطاب

إن وجود أنشطة استخبارات أجنبية في ألمانيا، يعتبر أمرًا طبيعيًّا ومتوقعًا، فلا توجد اليوم دولة في العالم، لا تملك جهاز استخبارات، يقوم بمهام التجسس وجمع المعلومات في الخارج أو مكافحة التجسس من الداخل، أنشطة الدول الأكثر نشاطًا على الأراضي الألمانية: روسيا الصين، تركيا، إيران، الولايات المتحدة، إسرائيل وغيرها من الدول تنظر إلى ألمانيا اليوم على أنها بالفعل “قاطرة الاتحاد الأوروبي” وقوة اقتصادية، وهذا ما يستقطب أجهزة الاستخبارات لمعرفة “أسرار” هذه الدولة “ألمانيا”.

الخلاصة
الهجمات الإلكترونية والحرب الهجينة، هي الأخطر اليوم في حرب الاستخبارات والمعلومات التي لن تعد حروبًا استخباراتية تقليدية أبدًا، الهجمات الإلكترونية وقرصنة المعلومات، سدت فراغ “زرع العملاء” في الأماكن الحساسة؛ مثل مكاتب كبار المسؤولين في الدولة، لكن التقديرات تقول: تبقى المصادر البشرية النوعية القريبة من صناع القرار ذات أهمية.

بات معروفًا، أن ألمانيا تتعايش بشكل طبيعي مع هذه الأنشطة، لكن الكشف عنها، وتحريكها، قضائيًّا، هو توجه آخر يبعث رسالة إلى الاستخبارات الروسية على سبيل المثال أو غيرها، بأن ألمانيا قادرة على الكشف عن الهجمات الإلكترونية، لكن الأهم في الموضوع، ليس الكشف عن الهجمات، بقدر، ما تملكه الدول ومنها ألمانيا، بإعداد الخطط من أجل حماية أمن معلوماتها خاصة إلى أهم مؤسساتها الحكومية.

ما تحتاجه الدول اليوم، هو تعزيز أمن معلوماتها، من خلال وحدات “دفاع” صد أي هجمات إلكترونية متوقعة، كون العالم اليوم لم يعد يعش حروبًا تقليدية، بقدر حروب السايبر.

ربما يعجبك أيضا