الاقتصاد والسلطة.. كيف يستغل الدولار لتحقيق أهداف جيوسياسية؟

الولايات المتحدة تحمي هيمنة الدولار لبقاء هيمنتها الاقتصادية والسياسية

بسام عباس
هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي

مع هيمنة الأحداث الجيوسياسية على الساحة الدولية، يتجاهل صناع السياسات التهديد الحقيقي لنجاح الولايات المتحدة، والمتمثل في الدولار كعملة احتياطية عالمية. وباعتبارها مرساة النظام الاقتصادي العالمي، فإن سيطرة أمريكا على عملة الاحتياطي العالمية والأصول المقومة بالدولار لا مثيل لها.

ويشكل الدولار الأمريكي أساس التجارة والاستثمار الدوليين، ما يمنح الولايات المتحدة نفوذًا عالميًا هائلًا، ويعزز المصالح التجارية الأمريكية والمبادئ العالمية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

جذابة للاستثمار الأجنبي

قالت الباحثة في العلاقات الدولية، جانين ستاوس، في تحليل نشرته مجلة “أوراسيا ريفيو”، الأربعاء 4 سبتمبر 2024، إن القوة الاقتصادية الأمريكية والديناميكية التي تتمتع بها تسمح للولايات المتحدة بتوسيع نفوذها العالمي من خلال وسائل غير حركية، مع تحقيق فوائد إضافية في الوقت نفسه.

ورغم ديونها والاضطرابات السياسية التي تعاني منها، تظل الولايات المتحدة جذابة للاستثمار الأجنبي المباشر والهجرة، فضلًا عن كونها شريكًا تجاريًا، فهي تتمتع بسمعة طيبة في التعامل مع رأس المال الخاص، ما جعلها مركزًا ماليًا عالميًا، ما أثار استياء الكونجرس خاصة مع سعيه لمنع بعض الشركات الصينية من الإدراج في الأسواق الأمريكية.

يتحرك رأس المال، في النظام العالمي الحالي، عبر الحدود مع قيود قليلة، والخطوات المتخذة لإبطاء تدفق رأس المال تؤدي إلى حرمان الدول من الاستثمار وفرض تكاليف على النمو الاقتصادي والسياحة ونقل التكنولوجيا والفرص العالمية، وهو ما ينطبق على الولايات المتحدة ما لم يأخذ صناع السياسات الحكم الاقتصادي على محمل الجد.

 نزع الدولرة

ذكرت الباحثة أن خطاب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في 27 أبريل 2023، شكَّل إطارًا واسعًا للحكم الاقتصادي باعتباره الطريق لتجديد القيادة الاقتصادية الأمريكية، ولكنه تسبب في ظهور مخاوف من أن يؤدي الحكم الاقتصادي السيئ إلى سياسة غير حكيمة، والتي تؤدي إلى تقويض الدولار وإلى مزيد من تسريع نزع الدولرة.

وأشارت إلى أن المخاوف بشأن نزع الدولرة في الأمد القريب مبالغ فيها، لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي الالتفات إلى هذه المخاوف. هناك نقص كبير في الدولار في الأسواق الناشئة في إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، مما يدفعها إلى التجارة بعملات غير الدولار الأمريكي.

وأضافت أن وزارة الخزانة تولت زمام المبادرة، لكن الجهود كانت متناثرة عبر وزارة الخارجية والتجارة وممثلي التجارة الأمريكيين وغيرها من الوكالات، مشيرةً إلى أن حماية الدولار يجب أن تكون في صميم السياسة الخارجية الأمريكية لأنه يدعم الرخاء الأمريكي، ويشكل جانبًا أساسيًا من النظام القائم على القواعد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

مخاطر هيمنة العملات

قالت ستاوس إن المخاطر التي تهدد هيمنة العملات كثيرة، منها تحول ميزان القوى بين الدول، وإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي والأسواق، وتراجع الطلب من جانب الشركات والمؤسسات والمستثمرين على الدولار الأمريكي، وتزايد تقلبات أسعار الصرف، وإعادة كتابة قواعد النظام المالي العالمي، الخاضع لقيم الولايات المتحدة تحت قيادة الدولار.

وأضافت أن الدولار إذا فقد مكانته كاحتياطي، ستقع الولايات المتحدة تحت تداعيات وضغوط اقتصادية وسياسية سلبية خطيرة، كما أنها ستفقد القدرة على الاقتراض بسرعة وبتكلفة زهيدة، وسيلحق الضرر بقدرتها على تمويل السياسة الصناعية وبرامج الرعاية الاجتماعية والدفاع.

أولويات الأمن الاقتصادي

أوضحت الكاتبة أن الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي، والتعليقات الأخيرة حول الإدارة الاقتصادية تحدد بشكل صحيح نقاط الضعف في أولويات الأمن الاقتصادي القومي الأمريكي، ونقص الموارد والتصميم التنظيمي، ويسلط نائب مستشار الأمن القومي للاقتصاد الدولي، داليب سينج، الضوء على ضرورة أن ترتكز الإدارة الاقتصادية على عقيدة تعزز الرخاء العالمي مع حماية الأمن القومي الأمريكي.

وأفادت بأن اتخاذ تدابير اقتصادية قسرية قد يكون فعالًا، ولكن يجب طرحه على الطاولة مع وضع أهداف نهائية محددة جيدًا، وعواقب طويلة الأجل في الاعتبار، لافتةً إلى أنه لا يوجد حاليًا جهد حكومي كامل لمواجهة مخططات نزع الدولرة الصينية والروسية.

ربما يعجبك أيضا