البرلمان الأوروبي لم يسقط بعد في يد اليمين المتطرف.. كيف ذلك؟

ما مقدار المكاسب التي حققها اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد؟

محمد النحاس
علم الاتحاد الأوروبي

النتائج في ألمانيا وفرنسا تنذر بالجمود السياسي الداخلي وتقوض التوأمة الفرنسية الألمانية المتعثرة بالفعل والتي تعتبر أساسية في تحديد جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، كما أبرزت نتيجة الانتخابات دور ميلوني في إيطاليا في إعادة تنشيط دور اليمين المتطرف في السياسة الأوروبية.


الانتخابات الأوروبية قد تبدو شديدة التعقيد، وفي حين شهدت صعودًا لافتًا في تيارات أقصى اليمين، إلا أنها لم تحقق أغلبية كاسحة، على الأقل في العديد من البدان.

وأدت انتخابات البرلمان الأوروبي إلى تحقيق كبيرة مكاسب للأحزاب المنتمية إلى الفصائل الشعبوية اليمينية المتطرفة، مثل كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، ويُشار إليه اختصارًا بـ ECR، والمجموعة الأكثر تطرفًا “الهوية والديمقراطية” ID، وفق مقال لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية، التابعة لمعهد كوينسي.

دول نجح فيها اليمين المتطرف

أسفرت الانتخابات عن صعود كبير لليمين المتطرف خاصةً في ألمانيا وفرنسا، الدولتان الأقوى في الاتحاد الأوروبي، وإجمالًا احتلت التيارات الشعبوية أو اليمينية المتطرفة، المركز الأول في 5 دول هي: فرنسا، إيطاليا، النمسا، هنغاريا، وسلوفاكيا،

وفي ألمانيا، بولندا، وهولندا، حصلت الأحزاب اليمينية المتطرف على المركز الثاني، حسب  مقال “ريسبسنسبول ستيت كرافت”، المنشور السبت 15 يونيو 2024.

فرنسا

في فرنسا، فاز حزب مارين لوبان، التجمع الوطني، ويُشار إليه اختصارًا بـRN، وهو عضو في كتلة “الهوية والديمقراطية” ID  بأكثر من 30% من الأصوات، أي ضعف الدعم الذي حصل عليه حزب ماكرون الليبرالي “النهضة” (Renaissance). 

نتيجة لذلك، دعا ماكرون إلى انتخابات برلمانية وطنية مبكرة في نهاية هذا الشهر، مما يفتح إمكانية “التعايش” مع رئيس وزراء من اليمين المتطرف لبقية فترة ولاية ماكرون النهائية.

ألمانيا

في ألمانيا، حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (Alternative für Deutschland، ويُشار إليه اختصارًا بـAfD) اليميني المتطرف على أقل بقليل من 16% من الأصوات، وحل في المركز الثاني خلف الديمقراطيين المسيحيين (Christian Democrats) بنسبة 30%، وأمام الديمقراطيين الاجتماعيين (Social Democrats) بنسبة 14%، والخضر (Greens) بنسبة 12%، والحزب الديمقراطي الحر (Free Democratic Party، ويُشار إليه اختصارًا بـ FDP) بنسبة 5%. 

وتشكل هذه الأحزاب الثلاثة الأخيرة الائتلاف الحاكم في ألمانيا، ويكشف أداؤها المشترك بنسبة 30% عن استياء شعبي عميق من الموجودين في السلطة.

ليس انتصارًا كاسحًا

وفق المقال، كانت مكاسب الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة أكثر تواضعًا مما تنبأت به استطلاعات الرأي التي أجريت في وقت سابق من هذا العام. وبشكل عام، لم يتغير التوازن النسبي في البرلمان بشكل جذري: يحتفظ الوسطيون (حزب الشعب الأوروبي، ويُشار إليه اختصارًا بـEPP، والديمقراطيين الاجتماعيين، ويُشار إليهم اختصارًا بـ(S&D، وRenew) بأغلبية منخفضة (403 من 720 مقعدًا).

أما الزيادة لكتل اليمين المتطرف فقد جاءت كآلاتي، حازت كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين على 4 مقاعد إضافية لتصل إلى 73 مقعدًا، وزاد “الهوية والديمقراطية” 9 مقاعد ليصل إلى 58 مقعدًا في البرلمان الجديد. 

أجندة اليمين المتطرف

النجاح النسبي الذي حققه اليمين المتطرف، جاء بسبب مجموعة من العوامل أبرزها، تدفقات الهجرة، وعدم الأمان الاقتصادي، والتأثير المزعوم لسياسات البيئة في أوروبا، والتشكيك في النخب الأوروبية، (وفي بعض الحالات) المعارضة لتمويل وتسليح أوكرانيا.

ووفق المقال، يمكن توقع أن تضغط القوة النسبية لليمين المتطرف في البرلمان الجديد على هذه القضايا.

يمين الوسط في الصدارة

يظل حزب الشعب الأوروبي اليميني الوسطي (European People’s Party)، أكبر كتلة في البرلمان بـ189 مقعدًا، أي أكثر من ربع الإجمالي.

وخسر الديمقراطيون الاجتماعيون اليساريون (Social Democrats، (وسط) ويُشار إليهم اختصارًا بـ S&D) 4 مقاعد فقط ليصلوا إلى 135 مقعدًا، مع خسارة أوروبا الجديدة (ليبرالي الوسطي) 23 مقعدًا ليظلوا في المركز الثالث بـ79 مقعدًا.

وشكلت هذه المجموعات الثلاث ائتلاف لدعم جدول رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين (من الاتحاد الديمقراطي المسيحي)، وسيكون للائتلاف أغلبية منخفضة، بحيث يمكن أن يكون إعادة انتخاب فون دير لاين لفترة ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية ليس أمرًا مؤكدًا.

خلافات داخل الأوساط

قد يعود الأداء القوي لحزب الشعب الأوروبي  (يمين الوسط) إلى تشديد موقفه بشأن الهجرة والانتقال الأخضر جزئيًا لإبطاء زخم اليمين المتطرف، وسيتعزز التعاون بين حزب الشعب الأوروبي والديمقراطيين الاجتماعيين. وإذا اندمجت كتل المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين والهوية والديمقراطية سيصبح اليمين المتطرف ثالث أكبر تجمع في البرلمان الأوروبي.

وكان العائق أمام هذا الاندماج هو طرد حزب البديل من أجل ألمانيا قبل الانتخابات من، كتلة الهوية والديمقراطية. وجاء ذلك على إثر تصريح مرشح البديل من أجل ألمانيا القيادي ماكسيميليان كراه، في مقابلة صحفية أن العضوية في قوات الأمن الخاصة النازية (SS) في الحقبة النازية لا تعني بالضرورة الإجرام الشخصي.

وردًا على ذلك، نجحت مارين لوبان في الدفع لطرد حزب البديل من أجل ألمانيا من صفوف الهوية والديمقراطية.

أما أوروسولا فون دير لاين، فهي تسعى للحصول على دعم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني  (إخوان إيطاليا – المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين) لإعادة انتخابها لفترة ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية.

مساعي ميلوني

لكن ميلوني (إحدى القادة الأوروبيين القلائل الذين يتمتعون بدعم شعبي قوي حاليًا) سعت لإقناع حزب الشعب الأوروبي (الوسطي) بالحكم مع المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين والهوية والديمقراطية  بدلًا من مع الديمقراطيين الاجتماعيين (والليبراليين.

وكخطوة نحو هذا الهدف، دعت إلى اندماج المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) والهوية والديمقراطية (ID)، الذي يشمل مارين لوبان، فيكتور أوربان، ورئيس الوزراء البولندي السابق ماتيوس مورافيتسكي دعموا هذا المسعى. 

وحال حدوث ذلك، يمكن أن تزيد القوة المشتركة للمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) والهوية والديمقراطية (ID) من تأثيرها الكبير بالفعل على المواقف التي يتخذها حزب الشعب الأوروبي (EPP).

التأثير على “توأمة” ألمانيا وفرنسا

رغم أن الأداء الإجمالي للهوية والديمقراطية (ID) والمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) لم يسفر عن “موجة” كبيرة تعيد تشكيل البرلمان الأوروبي، إلا أن النتائج في فرنسا وألمانيا كانت لافتة.

النتائج في ألمانيا وفرنسا تنذر بالجمود السياسي الداخلي وتقوض التوأمة الفرنسية الألمانية المتعثرة بالفعل، والتي تعتبر أساسية في تحديد جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، كما أبرزت نتيجة الانتخابات دور ميلوني في إيطاليا في إعادة تنشيط دور اليمين المتطرف بالسياسة الأوروبية.

ربما يعجبك أيضا