ماذا وراء الأجسام المجهولة التي تحلق في أجواء الولايات المتحدة؟

محمد النحاس
للتعامل مع الأجسام المجهولة.. البيت الأبيض يشكل فريقًا من الخبراء

تثير حوادث الأجسام الغريبة التي تحلق في سماء الولايات المتحدة مخاوف داخل واشنطن، خاصةً أنها باتت تتكرر على نحوٍ لافت، فما الأبعاد والتداعيات المستقبلية؟ وكيف ستوثر في العلاقات الأمريكية الصينية؟


في مشهد ليس الأول من نوعه، تمكنت مقاتلة أمريكية من إسقاط “جسم مجهول”، كان يحلق على ارتفاع كبير في أجواء كندا.

وهذه الحادثة هي الثالثة في غضون أسبوع بأمريكا الشمالية، بعد يومين من إسقاط جسم غير معروف فوق ألاسكا أيضًا، وعقب واقعة المنطاد الصيني، الذي تريثت واشنطن كثيرًا قبل استهدافه أيضًا.

استهداف الجسم الطائر

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إسقاط جسم مجهول بعد استهدافه من طائرة أمريكية من طراز إف 22 (رابتور)، رافقتها طائرات كندية، وفقًا لمجلة نيوز ويك الأمريكية.

وستعمل السلطات الكندية على جمع وتحليل الحطام، ويأتي ذلك بعد يومين من إسقاط جسم آخر فوق الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أسبوع من إسقاط المنطاد الصيني، وفقًا لتقرير نشرته المجلة أمس الأول السبت 11 فبراير 2023.

194 071459 america airspace

اختراقات متكررة

بحسب وزيرة الدفاع الكندية، أنيتا أناند، فإن الجسم كان أسطواني الشكل، وأصغر حجمًا من المنطاد الصيني. وكان يحلق على ارتفاع 40 ألف قدم، وفقًا لـ”سي إن إن”.

وكانت قيادة الدفاع الجوي بأمريكا الشمالية، قد أعلنت، السبت 11 فبراير 2023، أنها تراقب جسمًا يحلق على ارتفاع عالٍ شمالي كندا، ويأتي ذلك بعد إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية “جسمًا مجهولًا قبالة سواحل ألاسكا”.

تراشق صيني أمريكي

جاء هذا بعد قرابة أسبوع من حادثة المنطاد الصيني، التي تبادلت على أثرها واشنطن وبكين الاتهامات، فانتقدت الصين “رد الفعل المبالغ فيه”، وفي حين شددت الولايات المتحدة الأمريكية على أن المنطاد يهدف إلى التجسس، أصرت بكين على نفي ذلك.

methode times prod web bin 96086d0e a353 11ed be83 0b182bac2124

وبالإضافة إلى ما سلف، فقد أدت هذه القضية إلى إلغاء زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للصين، وأثارت عاصفة من الجدل والانتقادات داخل الولايات المتحدة.

تنسيق بين كندا وواشنطن

بالعودة إلى الجسم الذي جرى إسقاطه في كندا، وبعد مكالمة هاتفية بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، نسق الجانبان معًا حتى جرى استهداف الجسم الطائر.

وسوف يشارك مكتب التحقيقات الفيدرالي السلطات الكندية في عملية التحقيق، وتعمل السلطات الكندية في الوقت الحالي، على انتشال الحطام.

BIDEN TRUDEAU CALL COCHRANE 220121

فارق جوهري

لم يعلن بعدُ عما إذا كان هذا الجسم، كان على غرار المنطاد الصيني “يهدف إلى التجسس”، أم لا، وكذلك هو الحال مع الجسم الذي تم إسقاطه قبالة ألاسكا قبل يومين، والذي كان بحجم سيارة صغيرة وفق السلطات الأمريكية.

ويوجد فرق جوهري بين المنطاد الصيني، والجسم الذي أسقطته واشنطن قبالة سواحل ألاسكا، وهو أن حجم الأخير كان صغيرًا، بما لا بموافقة غرضه لمهمة المنطاد الصيني، الذي كان يحوي أجهزة اتصال وتوجيه.

مخاوف أمريكية

أثارت هذه الاختراقات مخاوف داخل الولايات المتحدة، فقال حاكم ألاسكا مايك دنليفي، إن الولاية تقع على الخطوط الأمامية، وعلى مقربة من الأراضي الروسية، والأقرب إلى الصين وكوريا الشمالية، وفقًا لما نقلت مجلة نيوز ويك الأمريكية.

وقالت السيناتور الجمهورية، ليزا موركوفسكي، إنه إذا ما تعلق الأمر بالمجال الجوي لألاسكا، “يجب علينا التحرك فورًا.. وأن لا نتتساهل مع حادثة كهذه”.

إعادة إرساء القواعد

من جانبه، قال السيناتور دان سوليفان، إن بلاده بحاجة إلى “إعادة إرساء قواعد الردع في ما يتعلق بالرئيس الصيني شي جين بينج والحزب الشيوعي، الذي يعتقد أن بإمكانه اختراق الأجواء الأمريكية، وقتما يشاء ودون توابع”.

وشدد النائب الجمهوري، على ضرورة “الاستعداد لمثل هذه الحوادث والتصرف سريعًا لمواجهة التحديات المستقبلية”، مؤكدًا أن ألاسكا تعد منطقة استراتيجية لأمن الولايات المتحدة، وانتقد جمهوريون في وقت سابق، “بطء استجابة إدارة بايدن لحادثة المنطاد”، الذي أسقطته مقاتلة إف 22 (رابتور)، بعد أيام من اختراقه الأجواء الأمريكية.

أبعاد استراتيجية

لهذه الحوادث أبعاد جيواستراتيجية، فتقع ألاسكا أقصى الشمال الغربي لقارة أمريكا الشمالية، وهي ولاية منفصلة عن باقي الولايات المتحدة الأمريكية، ومتصلة بكندا.

ويذكر محلل الشؤون الدولية والاستراتيجية أنس القصاص، في مقال نشره بمركز ستراتيجيكس الصيف الماضي، أن “ألاسكا تعد إحدى البؤر القطبية التي شهدت انتشارًا واسعًا للجيش الأمريكي، بالمنطقة التي تجمعها بروسيا حدود مشتركة على طول 3200 كم في بحر بيرينج وبحر تشوكشي”.

الأزمة الجيوسياسية in 11 scaled

ويشير القصاص في التحليل إلى عودة الكتيبة الحادية عشرة المحمولة جوًّا إلى ألاسكا، وقوام هذه المجموعة 12 ألف مقاتل، ورفع سلاح الجو الأمريكي جاهزية المجموعة 477 قتال (إف 22 – رابتور)، علاوةً على نشر قوات مدرعة بالمنطقة، التي يفصلها فقط عدة كيلومترات عن الأراضي الروسية.

تداعيات محتملة على العلاقات الصينية الأمريكية

من جانبه، قال الباحث السياسي المعني بالشأن الأمريكي، أحمد البوهي، إنه حتى اللحظة لم تتعرف السلطات الأمريكية على طبيعة الجسمين اللذين سقطا قبالة ألاسكا، وبكندا، إلا أن ما يلفت النظر، وفق البوهي، هو الحجم الصغير لكليهما، ومع ذلك يرجّح أن يكونا “لأغراض تجسسية”. 

والعلاقات الأمريكية الصينية، شهدت محاولة للتقارب بعد قمة بالي بين الرئيس الصيني شي جين بينج، ونظيره الأمريكي جو بايدن، كما يلفت البوهي، ويردف قائلًا: “إن مثل هذه الاختراقات ستؤثر بطبيعة الحال في هذا التقارب، ومن الوارد كذلك أن تؤدي إلى فرض عقوبات كإجراء انتقامي ضد بعض الشركات الصينية.

 أبعاد أخرى

التأثر السلبي في العلاقات الأمريكية الصينية في صالح روسيا، التي تسعى لتعزيز علاقاتها مع الصين، في ظل العزلة الاقتصادية التي فرضها الغرب على موسكو، كما يرجح المحلل السياسي، الذي يشير كذلك إلى أن ألاسكا بالغة الأهمية على المستوى الجيواستراتيجي بالنسبة إلى الأمن القومي الأمريكي.

ويضيف البوهي أنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها 2024، فإنه من مصلحة الأطراف السياسية المختلفة داخل الولايات المتحدة أن تظهر موقفًا متشددًا في التعامل مع الصين، مشيرًا، في حديثه مع شبكة رؤية الإخبارية، إلى أن الجمهوريين والديمقراطيون على السواء، يسعون لاستغلال الموقف سياسيًّا.

ربما يعجبك أيضا