الجزائر وفرنسا.. أزمة جديدة سببها «جروح الذاكرة»

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

أسباب صحية مرتبطة بـ«كورونا»، أم علاقات غير صحية بين مستعمر سابق لا يريد أن يعترف، ومستعمر سابق لا يريد أن ينسى، سؤال بات مشروعا بعد الفشل المتكرر لجهود طي صفحة الماضي الأليم بين فرنسا والجزائر !

يبدو أن تبادل العبارات الودية ليس كافيا، لإعادة العلاقات بين الجزائر وفرنسا لدفئها، وتجاوز الحساسية التاريخية بين البلدين، بعدما قال الرئيس عبدالمجيد تبون، أنه يثق في نزاهة نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمعالجة جروح الذاكرة، ليرد ماكرون، إنه مستعد لمساعدة تبون في إطار مرحلة انتقالية محييا شجاعته. لكن وبالأيام الأخيرة، تبدلت المواقف والعبارات بين البلدين على خلفية إلغاء زيارة رئيس وزراء فرنسا، جون كاستكس، فجأة إلى الجزائر .

كاستكس

زيارة مفخخة

الجانب الفرنسي تحدث عن «ظرف صحي» وراء إلغاء الزيارة المفاجئة، بينما قالت وسائل إعلام جزائرية إن سبب التأجيل هو رفض الجزائر تقليص حجم الوفد الوزاري الذي كان يفترض أن يجري الزيارة الرسمية وهو ما اعتبرته «استفزازا» فرنسيا.

رئيسة مجموعة الصداقة بين البلدين بمجلس النواب الفرنسي، فضيلة خطابي، الفرنسية من أصل جزائري، دعت لتجاوز الأزمة، والتركيز على الجوانب الإيجابية في علاقات البلدين، مؤّمنة على «مبررات» الجانب الفرنسي لإلغاء الزيارة.

توجهات ماكرون المتعلقة بملف النزاع في الصحراء، والضغط الذي يمارسه اللوبي اليميني في فرنسا، وقرب الانتخابات البرلمانية الجزائرية في الصيف المقبل ومخاوف السلطة من الزج بها في مستنقع الخلافات مع المستعمر السابق، قد تكون كلها أسباب وراء إلغاء الزيارة.

فهناك تاريخ مؤلم بين البلدين، يتواصل منذ عقود، تخللها تقارب أحيانا، واختراقات، ثم تدهور وفجوات جديدة، ورغم وضع أبرز مؤرخي حقبة الاستعمار مؤخرا بطلب من ماكرون تضمن توصيات لمعالجة جراح الاستعمار الفرنسي والجرائم المرتكبة بحق الشعب الجزائري، إلا أنه باريس تأبى أن تقدم اعتذارا عن تلك الجرائم، مكتفية بخطوات رمزية تصالحية من بينها مشاركة ماكرون في إحياء ذكرى ضحايا أكتوبر 1961.

لن تفضي لـ«معجزة»

قبل أيام، صرح الرئيس تبون، بشكل غير متوقع وربما مفاجئ للجميع، بأن زيارة كاستكس «الملغاة» لن تفضي إلى معجزة، وبحسب تبون فهي مجرد «زيارة تقنية ودورية». ربما يكشف هذا التصريح لرأس السلطة في الجزائر، عن عدم حماسة الأخيرة لهذه الزيارة مع إخفاق الجانبين في تحقيق تقدم ملحوظ في معالجة ملف الذاكرة السيئة لحقبة الاستعمار الفرنسي.

تبون شدد على عزم بلاده استرجاع أرشيفها من فرنسا بـ«كل حزم»، معتبرا في السياق نفسه أن استرجاعه «قضية متشعبة مع فرنسا وهي من اختصاص تقني للباحثين والعمليين والمؤرخين فقط».

وفي كلمة له أمام الوفد العسكري الفرنسي، طالب قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، باريس بتسليم بلاده الخرائط الطبوغرافية لموقعي التجارب النووية بمنطقتي «رقان» و«إن إكر» أقصى جنوبي الجزائر وإعادة تأهيل الموقعين، وتمكين الجزائر من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة المشعة أو الكيمياوية غير المكتشفة حتى اليوم.

خيبة أمل فرنسية

في المقابل، يبدو أن قرار التأجيل أصاب باريس بخيبة أمل، خاصة وأن وسائل إعلام فرنسية، استبقت الزيارة – قبل إلغائها – وتحدثت عن الزيارة بأنها تشكل خطوة جديدة في التقارب الثنائي بين الرئيسين ماكرون وتبون.

الزيارة كان من المقرر خلالها عقد اللجنة الحكومية رفيعة المستوى بين رئيس الوزراء الفرنسي ونظيره الجزائري عبد العزيز جراد، والتي لم تنعقد منذ 3 سنوات وتأجلت عدة مرات لأسباب سياسية وأخرى متعلقة بالحراك الشعبي الجزائري وجائحة كورونا.

لكن على ما يبدو فقد تكون جملة القرارات الأخيرة لماكرون في ملف الذاكرة، أزعجت كثيراً الجناح اليميني المتطرف في فرنسا والمناوئ للجزائر، وهو ما شكّل ضغطا على الرئيس الفرنسي . ففي فرنسا لوبي حاقد على الجزائر بنجاحاتها يرفض الاعتراف بالجرائم الاستعمارية. يحاول هذا اللوبي تعطيل كل استجابة فرنسية للمطالب الجزائرية، ويؤجج في كل مناسبة النقاش والحملات الإعلامية حول الأوضاع في الجزائر، ويستغل الأخطاء التاريخية ويراهن على استمرار الخلافات بين البلدين.

ربما يعجبك أيضا