الحرب أم الرفاهية؟.. أوروبا أمام خيار مؤلم

أوروبا «تحت ضغط» بين الرفاهية والتسليح

شروق صبري
الرفاهية في أوروبا

على الرغم من الوعود بزيادة الإنفاق العسكري، فإن دولًا مثل ألمانيا تثبت أنها مترددة في التضحية ببرامج الرعاية الاجتماعية السخية لدفع ثمن ذلك.


تجد أوروبا نفسها اليوم في مفترق طرق بين الحفاظ على برامج الرفاهية التي تعودت عليها منذ عقود، وبين زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة التهديدات المُتزايدة.

بينما يحاول القادة الأوروبيون تحقيق توازن بين هذه الأولويات، تظهر التحديات الاقتصادية والسياسية كعقبات رئيسة أمام تحقيق هذا الهدف.

الانتقال من السلام للصراع

تواجه أوروبا اليوم معضلة مؤلمة تتعلق بتوازن الإنفاق بين الدفاع والرفاهية الاجتماعية، حيث يبدو أن الدول الأوروبية، مثل ألمانيا، تجد صعوبة في التضحية ببرامج الرفاهية السخية من أجل زيادة الإنفاق العسكري.

عقب انتهاء الحرب الباردة، عمدت الحكومات الأوروبية إلى تقليص ميزانياتها العسكرية ووجهت الأموال التي كانت تُصرف على الدفاع إلى البرامج الاجتماعية. كان هذا الخيار شائعًا بين الناخبين في فترة كان فيها التهديدات الخارجية قليلة، واستفادت أوروبا من حماية أمنية أمريكية.

اليوم، ومع تجدد التوترات في أعقاب الحرب في أوكرانيا ومحاولة الولايات المتحدة تحويل تركيزها نحو الصين، تجد الدول الأوروبية صعوبة في التنازل عن تلك المنافع السلمية التي تمتع بها المواطنون على مدى عقود، حسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية اليوم الأحد 15 سبتمبر 2024.

الإنفاق العسكري

رغم الوعود بزيادة الإنفاق العسكري، تعاني الدول الأوروبية من صعوبة في تلبية احتياجات الجيوش، في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تعاني القواعد العسكرية من التآكل أو تم تحويلها لاستخدامات مدنية، مثل مراكز الرياضة ودور رعاية المسنين ومكاتب الصناديق التقاعدية.

الجيش، الذي كان يضم نصف مليون جندي في غرب ألمانيا و300 ألف في شرقها خلال فترة الحرب الباردة، يقتصر حاليًَا على 180 ألف جندي فقط، مع عدد قليل من الدبابات التشغيلية مقارنة بأكثر من 2000 دبابة كانت في الثمانينات.

ألمانيا وإعادة التسلح

أعرب وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، عن استيائه بعد الحصول على ميزانية أقل مما طلبه للسنة القادمة، مما يجعله غير قادر على تنفيذ بعض الخطط بالسرعة المطلوبة.

هذه المشكلات تعكس إحباطات الولايات المتحدة التي تأمل أن تتحمل أوروبا المزيد من أعباء الدفاع، والتي تمثل ثلثي الإنفاق العسكري بين حلفاء الناتو، وكل من المرشحين للرئاسة الأمريكية عبروا عن رغبتهم في أن تتحمل أوروبا مزيدًا من تكاليف الأمن.

تصريحات ترامب وتكاليف الدفاع

حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات القادمة، من المحتمل أن تزداد المطالب الأوروبية في هذا الصدد، وكان ترامب قد صرح في فبراير الماضي بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن الحلفاء الذين لا يلتزمون بالهدف الأدنى للناتو المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيوش.

وأضاف أن روسيا يمكن أن “تفعل ما تشاء” بالدول التي تفشل في تحقيق هذا الهدف، وفي الأيام الأخيرة، طالب بأن يصل الإنفاق إلى 3%، وهو مستوى يعادل الإنفاق العسكري الأمريكي.

الإنفاق الدفاعي في أوروبا

تعتبر دول قليلة مثل بولندا ودول البلطيق قريبة من إنفاق 3% من الناتج المحلي الإجمالي على جيوشها.

المملكة المتحدة، تحت حكومة المحافظين السابقة، تعهدت بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، لكن رئيس الوزراء الجديد، كير ستارمر، رفض تحديد موعد ذلك، أما إيطاليا وإسبانيا، فإن الإنفاق العسكري فيهما أقل من 1.5%.

عقبات أمام إعادة التسلح

وفقًا لتقرير نشرته معهد كيل للاقتصاد العالمي، يتطلب الأمر من ألمانيا 100 سنة لاستعادة مخزونات مدافعها إلى مستويات عام 2004، خلال مفاوضات ميزانية ألمانيا لـ2025، اقترح وزير المالية كريستيان ليندنر تجميد الإنفاق الاجتماعي لتوفير المال للدفاع.

لكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض من قبل الأطراف الأخرى في الائتلاف الحاكم، وتم زيادة الميزانية الدفاعية بمقدار 1.2 مليار يورو فقط، وهي زيادة كافية لتغطية زيادة الرواتب العسكرية الأخيرة.

تحديات اقتصادية

يمثل الإنفاق الاجتماعي في ألمانيا تحديًا إضافيًا، على سبيل المثال، خصصت الحكومة الألمانية زيادات في الإعانات للأطفال، بما في ذلك زيادة قدرها 108 يورو سنويًا على مدى عامين في “Kindergeld”، وهو دفعة سنوية قدرها 3 آلاف يورو لكل طفل.

هذه الفوائد وحدها تكلف أكثر من 50 مليار يورو سنويًا، وهو ما يعادل ميزانية وزارة الدفاع في برلين.

الخلافات السياسية

تتزايد الخلافات السياسية بشأن كيفية إدارة الميزانية بين الدفاع والرفاهية، بعض الأحزاب السياسية الصاعدة، مثل AfD، تراهن على عدم وجود رغبة كبيرة بين الجمهور لزيادة الإنفاق العسكري.

على سبيل المثال، فاز AfD في انتخابات ولاية ثورينغن الشرقية، ووصل إلى المرحلة النهائية في انتخابات ولاية ساكسونيا، وذلك جزئيًا من خلال تعهده بمزايا جديدة، مثل وجبات مدرسية مجانية، مع التزامها بخفض الإنفاق العسكري.

ربما يعجبك أيضا