الحرب بين إسرائيل وحزب الله.. هل أصبحت حتمية؟

هل باتت الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله مسألة وقت؟

محمد النحاس
هجوم للجيش الإسرائيلي على جنوب لبنان

النسخة الحالية من حزب الله تختلف كليةً عما كان عليه الحزب مطلع الألفية؛ فقد أصبحت الترسانة الصاروخية للحزب بمدى أبعد، وأدق توجيهًا علاوةً على ذلك، زادت -بنحوٍ لافت- القدرات الاستخبارية لحزب الله


على مدار الأشهر الثمانية الماضية، شهدت حدود لبنان مع إسرائيل ضربات مُتبادلة، وابل من صواريخ حزب الله أو المسيّرات يضرب إسرائيل، لترد الأخيرة بعمليات اغتيال لعناصر ومسؤولين في الميلشيا اللبنانية، حسب تحليل لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” التابعة لمعهد كوينسي بالولايات المتحدة.

الأسابيع الأخيرة شهدت مستوى غير مسبوق من كثافة النيران، كمًا ونوعًا، وصعّد الجانبان من نبرة الخطاب العدائي، حتى بدا أنه لا سبيل للعودة للوراء، وأن اندلاع الحرب الشاملة لم يعد سوى مسألة وقت، فهل الحرب حتميّة حقًا؟ وما علاقتها بعدوان الاحتلال على غزة؟ وكيف يمكن أن تؤثر جبهة الشمال الإسرائيلي على جبهة الجنوب؟.

سيناريوهات مُحتملة

هناك سيناريوهان للحرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، حال اندلاعها، الأول هو بدايةً التصعيد غير المقصود، والذي قد يأتي جرّاء محاولة كل طرف ردع الآخر، عن طريق الهجمات الاستباقية، وقد يتطور في نهاية المطاف إلى حرب شاملة، غير أنّ هذا السيناريو ليس مرجحًا، أما السيناريو الآخر، وهو الأكثر احتمالًا، أن يقرر أحد طرفي الصراع بدء هجوم واسع النطاق يكبد الطرف الآخر خسائر كبيرة، فمن يبدأ بالهجوم؟.

في 8 أكتوبر الماضي انخرط حزب الله في شن ضربات استهدفت شمال دولة الاحتلال، في ردٍ على العدوان على قطاع غزة، ولمؤازرة حركة حماس، كما أوضحت بيانات الحزب، وكذلك طبيعة الضربات، أنّ الأمر لا يعدو كونه “جبهة إسناد” تهدف لإضعاف آلة الحرب الإسرائيلية المسلطة منذ أكثر من 8 أشهر على قطاع غزة، وقد شددت المقاومة على أهمية هذه الجبهة.

إجمالًا، يمكن القول إن الميليشيا اللبنانية لا ترى فائدة كبيرة من الانخراط في صراع شامل مع إسرائيل، خاصةً وأنه تكبد، ولبنان، خسائر ضخمة في القدرات والأفراد والبنية التحتية في حرب 2006 مع جيش الاحتلال، والتي كانت تجربة مؤلمة للجانبين.

حسابات إسرائيل

أما إسرائيل فإن لديها حسابات مختلفة؛ وتعد مدفوعة إلى حد كبير بالمشهد الداخلي، إذ نجد أن هجمات حزب الله دفعت نحو 60 ألف إسرائيلي للنزوح بعيدًا عن منازلهم ومستوطناتهم، إلى أجل غير مسمى، وتعد تلك النقاط إحدى أبرز دوافع شن الحرب.

israel 1 1

ورغم ذلك، لا يضمن التصعيد عودة الفارين إلى مناطقهم، بل في واقع الأمر قد يعقد من ذلك، لكن قيادة الاحتلال هنا لا تسوقها التقديرات الواقعية بناءًا على رؤية استراتيجية طويلة الأمد، بقدر ما تحركها النزعة الانتقاميّة، وهو أمر كشفه العدوان الوحشي على غزة.

ولا تقف تعقيدات الموقف الداخلي الإسرائيلي على الجانب الشعبي، فعلى الصعيد السياسي، بقاء نتنياهو على سدة الحكم في دولة الاحتلال، لا يضمنه سوى عاملين متداخلين، الأول: استجداء رضا اليمين المُتطرف متمثلًا في بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يدعوان لاستخدام القوة العسكرية ضد حزب الله، والثاني: الحفاظ على حالة الحرب.

Ben Gvir al aqsa 678x455 1

اليميني المتطرف إيتمار بن جفير يقتحم باحات الأقصى

نزعة متطرفة

علاوةً على ذلك، فإن تعزز النزعة المتطرفة، غذّت التيار الذي يؤمن بما يسمى “إسرائيل الكبرى” هذه الفكرة التي ظلت لسنوات بعيدًا عن التيار الرئيس في دولة الاحتلال، تجد الآن صدى واسع لدى أطياف من اليمين المتطرف؛ ويَعتبر هذا التيار جنوب لبنان جزءًا من هذا المشروع.

8e5fc270 2069 11ef ba2c 2df2bdcab833

سموتيرش – بن جفير

وباتت تدعو بعض أوساط اليمين الصهيوني المتطرف صراحةً لاحتلال تلك المناطق واستيطانها، كما قد يكون عاملاً إضافيًّا يؤدي إلى شنّ القوات الإسرائيلية عدوان على الجنوب اللبناني.

ماذا ستحقق إسرائيل؟

يبدو إذن أنّ الحرب تلوح في الأفق، وأن السؤال لم يعد ما إذا كانت إسرائيل ستشنها أم لا، بل عن موعد تلك العملية المرتقبة.

لكن ما الذي يمكن أن تحققه إسرائيل من تلك المغامرة غير محسوبة العواقب؟

تكشف التجربة التاريخية للصراع بين حزب الله وإسرائيل، أن تحقيق الأمن المنشود بشن عملية عسكرية ليس سوى وهم؛ ورغم تكبد حزب الله خسائر كبيرة في حرب 2006، إلا أنها أظهر قدرته على إيلام دولة الاحتلال، وأن بإمكانه الصمود والرد.

قدرات الحزب

كما أن النسخة الحالية من حزب الله تختلف كليةً عما كان عليه الحزب مطلع الألفية؛ فقد أصبحت الترسانة الصاروخية للحزب بمدى أبعد، وأدق توجيهًا، وحسب بعض التقديرات يصل مخزون الصواريخ الموجهة إلى 150 ألف صاروخ، بما في ذلك صواريخ بعيدة المدى.

Hezbollahs fighters

فرقة الرضوان – قوات النخبة لدى حزب الله

علاوةً على ذلك، زادت، بنحوٍ لافت، القدرات الاستخبارية لحزب الله، وقد نشر مؤخرًا مقطع فيديو جرى التقاطه عبر طائرة “الهدهد” المسيّرة (والتي لا تحوي بصمة صوتية أو حرارية)، وتمكنت من تصوير مواقع استراتيجية، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي، وأماكن عسكرية حساسة، وأهداف اقتصادية، وعادت المسيّرة بسلام ولم تطلها الدفاعات الإسرائيلية.

المُفارقة أن شنّ إسرائيل عملية موسعة ضد حزب الله، قد يؤدي لازدياد شعبية الحزب في لبنان، وتعزيز سرديته المُرتكزة بشكل رئيس على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

الموقف الأمريكي

إدارة بايدن، التي تستعد لانتخابات صعبة في نوفمبر القادم، تسعى لمنع نشوب حرب جديدة، وفي حين تحاول الدبلوماسية الأمريكية فصل التصعيد على الحدود اللبنانية عن الأزمة في غزة، إلا أن تفاقم تبعات العدوان على غزة؛ تصعب من تلك المهمة، ويصر حزب الله من جانبه على ربط أي وقف للتصعيد بتوقف الحرب على غزة.

تبدو السياسة الأمريكية، في هذا الصدد مُتناقضة إلى حد كبير، في حين تزعم واشنطن أنها لا تدعم توسيع الصراع وانخراط في حرب شاملة في لبنان، فإن إصرارها على عدم إسرائيل (حتى حال إقدامها على مغامرة لبنان) يقوّض مصداقية هذه الإدعائات، كما يشجع تل أبيب على المضي قدمًا تجاه الحرب.

ربما يعجبك أيضا