الذكرى 80 للسندريلا سعاد حسني.. بين الكاريزما والدلال وإلهام الأجيال

نادية عبد الباري

سعاد حسني كانت من القليلات اللائي وقفن بجانب المخرج يوسف شاهين في ما يسمى بأزمة النقابات الفنية.


تحل اليوم الجمعة 27 يناير 2023 الذكرى 80 لميلاد سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، التي رحلت في ظروف غامضة عام 2001.

ولا تزال الفنانة الشاملة سعاد حسني عالقة بالوجدان، لأنوثتها الجامحة، وسماتها الغنية بمزيج البساطة والدلال والكاريزما، وكذلك لما تمثله من إلهام على أكثر من مستوى، بعدما خاضت صعوبات منذ طفولتها وحتى بعد وصولها إلى النجومية.

نجمة جاءت من العدم

سعاد حسني نجمة ولدت من العدم، ولم تكن تحلم أن تصير الأسطورة التي أصبحت عليها، فالفتاة التي ولدت عام 1943 لم تمر على مراحل تعليم دراسية، واقتصر تعليمها على بعض ما اكتسبته في البيت على يد أبيها، وهو ما حكاه مكتشفها عبدالرحمن الخميسي، في لقاء على إذاعة الأغاني يعود إلى ثمانينات القرن الماضي.

202108270845414541

السندريلا

ويحكي الخميسي أنه بسبب الاضطرابات التي عانتها أسرة سعاد، اصطحبها إلى الفنان إبراهيم سعفان، لتعليمها القراءة والكتابة حتى تستطيع التعامل مع الأعمال الفنية. وأحبت سعاد التعلم وغلبها الحماس حتى استطاعت في شهور الوصول إلى ما يعادل تعليم المرحلة الإعدادية.

الصدفة عنوان حياة سعاد حسني

بداية سعاد الفنية كانت من خلال فرق مسرحية تضم وجوهًا جديدة وبراعم لتقديمها إلى عالم الفن. الفتاة الدلوعة سهرت وتعبت ليالي طويلة في تحضيرات وبروفات مستمرة على أشهر الروايات العالمية، مثل “هاملت”، لكن بخيبة أمل كبيرة لم تثمر البروفات عن عرض واحد، لكنها كانت بوابة إلى مجد أوسع لأبطالها سينمائيًّا.

ويحكي المخرج المصري الكبير الراحل هنري بركات، أنه كان يتردد على المسارح كثيرًا بحثًا عن وجوه جديدة لبطولة فيلمه ”حسن ونعيمة”، فاهتدى إلى سعاد حسني التي اعتبرها “ماسة تحتاج إلى من يصقلها” وتطوع هو لذلك، فاختارها للوقوف أمام وجه جديد آخر هو محرم فؤاد. ولم ترهب سعاد وقوفها الأول أمام الكاميرا للحظة، كما حكت لوجدي الحكيم، وهو ما لحظه من كان حولها في أثناء التصوير.

سعاد حسني

 موهبة تحمل تناقضات

سمعت سعاد همهمات المحيطين وتعليقاتهم التي تنوعت بين ”البنت الجديدة كويسة، ثابتة، مش خايفة” وهو ما شجعها على إتمام التجربة التي أصبحت أيقونية في تاريخ السينما المصرية، لكن الوضع اختلف بعد سنوات عندما جاءها دور البطولة في فيلم “البنات والصيف” لكنها ارتبكت، فأعطى المخرج صلاح أبو سيف الدور للفنانة سميرة أحمد، وقد حكت سعاد حسني أنها بكت كثيرًا لذلك.

وسعاد حسني لم تكن وجهًا جميلًا فقط على الشاشة، فهي امرأة حمل في مكنوناتها أسرار الجمال والسحر، وحافظت على صورتها التي أرادت تخليدها لعقود، فعندما سألتها مذيعة عن الصفة التي تفضل أن يفصها الناس بها، قالت بصوت رقيق ونغمة خافتة: ”أنا أحب يقولوا عليا سِتّ كُمّل كدا.. عارفة السِتّ الكُمَّل؟”.

سندريلا اسمًا ومضمونًا

سعاد رغم قوتها وتأثيرها الكبير في الشارع العربي، كانت تعلم جيدًا أن الحفاظ على أنوثتها و هالتها البراقة أهم بكثير من الأدوار والشهرة وأغلفة المجلات، فكانت أينما تسير تحافظ على وضعها وهيبتها.

وكان بإمكان سعاد أن تمثل عشرات الأفلام التي تبرز دلالها، ففي النهاية هي “الصغيرة على الحب”، لكنها اختارت الدرب الأصعب وأن تكون لها قضية في أفلامها، كترسيخ دور المرأة في الحياة العامة أو تأصيل قضايا ومشكلات المجتمع، فمثلت سعاد في أفلام غروب وشروق، الكرنك، الاختيار، الجوع، هي وهو، شفيقة ومتولي، وجميعها لم تخل من قضية.

موهبة فطرية

لم تملك سعاد شهادات أكاديمية، ولكن أداءها تمتع بنضج كبير وإدراك لماهية وأهمية ما تقدمه، لذا اختارت أدوارها بعناية بالغة، وهو ما يمكن وصفة بالفطرة الفنية. وخارج الشاشة، كانت سعاد صاحبة موقف وتحمل مبدأ في علاقاتها حتى مع زملائها، فكانت من القليلات اللائي وقفن بجانب المخرج يوسف شاهين في ما يسمى بأزمة النقابات الفنية.

وكانت سعاد سابقة لعصرها، فعلمت جيدًا الجوانب السيئة للنجومية، واستطاعت دون مواربة التعبير عن فاتورة المهنة. وفي أحد الحوارات الصحفية، تحدثت عن إرهاقها المادي بسبب أدوات التجميل والملابس التي تلزم كل شخصية، ما يعيق قدرتها على ادخار المال أو إقامة مشروعات مثل أقرانها ممن وصلوا إلى نفس مستوى النجومية، وهو ما نبه أجيالًا بعدها إلى ضرورة العمل الموازي.

رصيد فني ملهم

سعاد حسني رغم عمرها الفني الذي لم يكن طويلًا، تركت إرثًا فنيًّا وفيرًا، فقد قدمت 83 فيلمًا، ما جعلها المنافس الأقرب لفاتن حمامة على لقب أحسن ممثلة فى تاريخ السينما المصرية. لكن بين كل هذا الرصيد، يعتبر فيلم ”خلي بالك من زوزو” واحد من أهم النقلات النوعية في مشوارها الفني، حتى إنها اعترفت بأن حب الجمهور لها صار جنونيًّا بعد هذا الفيلم.

ومشوار سعاد كان مرهقًا ومقلقًا، وخسرت بسببه الكثير، لكن لطالما كانت تشعر تجاهه بالرضا أيضًا، ففي أحد اللقاءات سألتها مذيعة: ” أيامك في السينما وفي الفن بكل متاعبها وضحكاتها ووردها وشوكها.. هل تحبينها؟” فأجابت سعاد بالإيجاب، فسألتها المذيعة إن كانت تحن إلى تلك الأيام عند مشاهدة أفلامها، فقالت السندريلا إنها “تنفصل عن العالم وتشعر بأنها بين السماء والأرض”.

ربما يعجبك أيضا