السر في «عدم الانحياز».. لماذا وافقت النيجر على وساطة الجزائر؟

محمد النحاس
النيجر يقبل مبادرة الجزائر

وجدت الجزائر نفسها أمام معضلة إقليمية لها انعكاسات أمنية، وسياسية.. فكيف تعاطت بواقعية مع الموقف؟


أعلنت النيجر، اليوم الاثنين 2 أكتوبر 2023، موافقتها على وساطة الجزائر من أجل حل الأزمة القائمة منذ الانقلاب العسكري.

وفي 26 يوليو الماضي، استيقظ العالم على وقع أنباء إطاحة مجموعة عسكرية في النيجر، بالرئيس محمد بازوم، وتسارعت الأحداث مع تلويح منظمة إيكواس بالتدخل ضد القادة الجدد، ما هدد بإشعال المنطقة، لكن قوة إقليمية أخرى أبدت موقفًا مغايرًا، وهي الجزائر.. فما أبعاد هذا الموقف؟

موافقة على الوساطة الجزائرية

في ظل الموقف الداخلي المتأزم، والإقليمي المعقد، وجدت الجزائر نفسها أمام تحدٍ إقليمي جديد.. فكيف تعاملت معه؟ ولماذا قبل العسكريون في النيجر وساطة الجزائر دون  غيرها؟

قالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها عبر منصة إكس، المعروفة سابقًا باسم تويتر، إنها تلقت مراسلة من خارجية النيجر، مفادها قبول الوساطة الجزائرية من أجل صياغة حل سياسي للأزمة القائمة في البلاد، من خلال مبادرة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

وكانت مجموعة عسكرية قد أطاحت بالرئيس محمد بازوم واحتجزته وذلك في شهر يوليو الماضي، ومنذ ذلك الحين نددت الدول الغربية بهذه الإجراءات، وهددت دول إقليمية بالتدخل من خلال منظمة إيكواس لإعادة الرئيس الشرعي للحكم.

في بيانها، أوضحت خارجية الجزائر أن قبول النيجر يعزز إمكانية التوصل إلى حل سياسي للأزمة، كما يفتح المجال أمام توفير الشروط اللازمة لتسهيل إنهاء الأزمة بالطرق السلمية بما يحفظ مصلحة النيجر والمنطقة برمتها.

خطة من أجل عودة النظام الدستوري

ووفق ما أوضح البيان فقد كلّف تبون وزير الخارجية أحمد عطاف بـ “التوجه إلى نيامي في أقرب وقت ممكن بهدف الشروع في مناقشات تحضيرية مع كافة الأطراف المعنية حول سبل تفعيل المبادرة الجزائرية”.

وفي 29 أغسطس، أعلنت الجزائر عن خطة ترمي إلى التوصل إلى حل الأزمة في النيجر، وتتمثل في إعطاء السُّلة العسكرية الحاكمة مهلة 6 أشهر بقيادة “شخصية مدنية” من أجل العودة إلى”النظام الدستوري والديمقراطي” مع رفض أي تدخل عسكري ضد النيجر.

ما سبب قبول الوساطة الجزائرية؟

حسب خبير الشؤون الدولية، سمير رمزي، يمكن القول إن التدخل الجزائري يفتح بابًا أمام حلحلة الأزمة بالنيجر وأما عن سبب قبول الوساطة الجزائرية يلفت رمزي إلى أن موافقة القادة العسكريين جاءت لكونها تمثل مخرج سياسي للأزمة، ومن ثم استخدام ذلك للتخفيف من وطأة الضغوط الخارجية على القادة الجدد.

وأردف رمزي في حديثه إلى شبكة رؤية الإخبارية أن الجزم بنجاح المبادرة في تسوية الأزمة مرهون بقدرتها على صياغة تفاصيل إجرائية توافقية.

وتبنت الجزائر موقفًا متزنًا من أزمة النيجر، وفي هذا الصدد يشير رمزي إلى أن قبول وساطة الجزائر دون غيرها جاءت بفعل رفضها لتدخل دول منظمة إيكواس، وفي ذات التوقيت اعترفت بشرعية الرئيس محمد بازوم، المطاح به من العسكريين.

سياسية عدم الانحياز

كانت الحكومة الجزائرية قد أدانت الانقلاب في النيجر، إذ نُقل عن مصادر حكومية قولها إنه يتعين “وضع حد فوري للهجوم غير المقبول على النظام الدستوري إذ لا يزال محمد بازوم الرئيس الشرعي للنيجر”.

من جانبها، ترى خبيرة العلوم السياسية بالمعهد الألماني للدراسات ومقره هامبورج، هاجر علي، أن الجزائر أمام “معضلة”، وهو ما انعكس على موقفها تجاه تهديد إيكواس بشن تدخل عسكري محتمل في النيجر بعد الانقلاب.

وأردفت في لقاء سابقٍ لها مع شبكة “دي دبليو” الألمانية، أن الرئيس الجزائري تبون يمضي قدمًا في السياسة الخارجية التقليدية للبلاد التي ترتكز على “عدم الانحياز التقليدي”، لافتةً إلى أن ذلك “سوف يمكّنه من البقاء على مسافة واحدة من كل من روسيا والولايات المتحدة”.

سياق إقليمي معقد

إقليميًّا، أثارت الأزمة في النيجر مخاوف المراقبين، فمنطقة الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا لا ينقصها مزيد من الاضطرابات، مع وجود مصالح أمنية وسياسية للقوى الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، فضلًا عن التواجد الروسي في عدد من الدول الإفريقية عبر غطاء مجموعة فاجنر.

فضلاً عن ذلك، تنشط بالمنطقة مجموعة من الجماعات الإرهابية والانفصالية، ويهدد اندلاع صراع جديد بتعميق وتعقيد هذه الاضطرابات، وفي المقابل تخشى ديمقراطيات غرب القارة الناشئة أن يتواصل سيناريو الانقلابات في دولة تلو الأخرى، خاصةً مع تضافر مناخ إقليمي مواتٍ وسياقات دولية مناسبة، ومع عدم وجود رد فعل حاسم من الجوار قد يطمأن العسكريون الطامحون للسيطرة على السلطة.

أبعاد دولية

في تحليلٍ لخبيرة الشؤون العربية، ورئيسة تحرير دورية بدائل الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، صافيناز محمد أحمد، تلفت إلى أبعاد أخرى دفعت الجزائر لتبني هذه الموقف، إذ ليس الأمر مقتصرًا على الأبعاد الإقليمية فحسب.

على الصعيد الدولي، ترى الخبيرة صافيناز محمد في تحليلها المنشور بـ”الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” أن الموقف الجزائري يرمي إلى الحفاظ على مسافة واحدة بكل من أوروبا والولايات المتحدة وروسيا، موضحةً: “أوروبا ترفض الانقلاب وتلوح بالتدخل العسكرى، والولايات المتحدة تتبنى موقفًا غامضًا من أحداث النيجر، أما روسيا المنشغلة بحربها فى أوكرانيا فتبدو منحازة للانقلاب العسكرى بقوة”.

وحسب الخبيرة بالشأن العربي، تظهر هنا المعضلة أمام الجزائر التى تربطها بموسكو اتفاقات عسكرية، في ذات التوقيت البلد العربي الواقع شمال الإفريقي تربطه علاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفي هذا الصدد ترى هاجر على أن حرب أوكرانيا “غيرت الدور الجزائري، وباتت مَصدرًا هامًا للطاقة للدول الغربية، وتعد دول الاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة وكندا شركاء التبادل التجاري الرئيسين للجزائر”.

ربما يعجبك أيضا