السودان في 2019.. سقط البشير وبقي الشعب

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

كان 2019 عامًا مختلفا بالنسبة للسودان، تأججت فيه احتجاجات شعبية ضد حكم البشير بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والمواد التموينية وسوء الأوضاع المعيشية، قتل فيها ما لا يقل عن 200 متظاهر، بالإضافة إلى اعتقال وتعذيب الكثير من العمال والطلاب.

وبعد ثلاثة عقود من الحكم العسكري، نجح الشعب الذي هتف “حرية سلامة عدالة.. الثورة خيار الشعب”، بالإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير، لينتهى به الأمر محتجزا داخل مؤسسة إصلاحية.

وما زال الحراك السوداني يتلمس طريقه في إصرار قوي على التغيير والتركيز على حكم مدني ديمقراطي يستند إلى الإرادة الشعبية.

بدء الحراك

في ديسمبر 2018، بدأ الحراك في السودان ردا على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار المعيشة، وسرعان ما تحوّلت المظاهرات إلى أعمال عنف وشغب شَهِدت حرقَ المتظاهرين لمكاتب حزب الرئيس عمر البشير مطالبين بإنهاء حكمه وهو الذي يتولى السلطة في البلاد منذ عام 1989 إبّان انقلاب عسكري قامَ به.

تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في ظلّ تعنت الحكومة في الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وعلّقت الدراسة في المدارس والجامعات، فيما أعلن البشير حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال، وغير الحكومة وعين قادة عسكريين حكاما للولايات، وأحدث تغييرات في المناصب العليا في الدولة.

رأت المعارضة السودانية، إن الخطوات التي قام بها البشير، ما هي سوى عسكرة للسياسة، ومحاولة لاحتواء الحراك الشعبي بل وتفتيته عبر الدعوة لحوار وطني.

تسقط بس

استمرت الاحتجاجات وأزداد زخمها بعد دخولها الشهر الرابع، ورفع المتظاهرون في السودان شعار “تسقط بس”، وقال المتظاهرون كيف لنظام أخفق على مدار ثلاثة عقود في إدارة اقتصاد البلاد أن يفلح في إدارة طوابير الخبز والوقود والنقود.

وأصبحت الاحتجاجات لا تريد اسقاط النظام فقط بل تطالب باسقط نظام كبار السن الذين شاخوا في مناصبهم، وما عادوا قادرين على حكم شعوب تنبض شبابا، وأطلق عليهم “الكيزان”، حيث مثّل حكمهم نموذجا للفساد والاستبداد تحت غطاء الدين.

 وكانت الاحتجاجات عفوية في بداية الأمر، ثم بقيادة ما يعرف بـ”تجمع المهنيين” الذي لم ينتبه إلى ظهوره قبل ذلك معظم السودانيين.

الحق تجمع المهنيين وهو مظلة تضم مجموعة نقابات موازية للنقابات الرسمية، بروزه إلى واجهة الأحداث بالكشف عما سماه “إعلان الحرية والتغيير” الذي مثل المنافس السياسي للاحتجاجات.

الكنداكات

تصدرت المرأة السودانية مشهد الحراك الشعبي في جميع أنحاء البلاد، وأطلق عليهم لقب “الكنداكات، وهو تعبيرٌ سوداني يُطلق على الملكات النوبيّات، واستخدم خلال الاحتجاجات للدلالة على النساء المشاركات في التظاهرات.

ولم يقتصر دور المرأة على المشاركة في الاحتجاجات فقط، بل تعدّاه لما هو أبعد من ذلك وصار حضورهنّ ضروريًا عند كل تظاهرة لما يقدمنهُ من دعم للثوار من خِلال إسعاف الجرحى ونقل المصابين، وأيضا المُشاركة في تحميس وتشجيع باقي المشاركينَ من خِلال الزغاريد والأهازيج.

وتعرض النساء المشاركات في مسيرات الاحتجاج للاعتقال والضرب والعنف اللفظي، وتعرضت النساء للاعتقال أكثر من مرة إبان الاحتجاجات.

عزل البشير

في 6 أبريل 2019، تظاهر مئات الآلاف تخليدًا لذكرى انتفاضة 6 أبريل التي أطاحت بحكم الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري متوجهينَ نحو مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية وقصر الضيافة مقر إقامة الرئيس عمر البشير.

قرّر المحُتجين بمُشاركة تجمع المهنيين السودانيين عقدَ اعتصام مُتواصل قُرب مقر قيادة الجيش حتّى تحقيق كافّة مطالبهم، وعقبَ ذلك مُحاولة قوات أمنيّة فض الاعتصام بالقوّة مُقابل رفضِ عددٍ من الجنود الذين اشتبكوا معها بالرصاص الحيّ مما تسبّب في مقتل عددا من المتظاهرين بالرصاص الحيّ.

في يوم 11 أبريل 2019؛ اجتمعَ عددٌ منَ القادة العسكريين، دون حضور الرئيس البشير ثم بعدها بساعات سيطرت القوات المسلحة على مقر الإذاعة والتلفزيون، وتلت بيانًا على لسان وزير الدفاع عوض بن عوف، أعلنَ فيهِ إقتلاع النظام والتحفظ على رأسه في مكان آمن واعتقاله.

وأعلن بن عوف تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى حكم البلاد لمدة عامين وفرضَ حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر فضلًا عن تعطيل دستور عام 2005 إلى جانبِ حلّ كل من مجلس الوزراء، وحكومات الولايات، والمجالس التشريعية وإجراء انتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية.

لكن قوى الحراك السوداني وقياداتٌ حزبية معارضة وصفت الأمر بأنه انقلاب داخل النظام، وتعهدت بمواصلة نضالاتها من أجل ديمقراطية حقيقية تطوي صفحة النظام والانقلابات العسكرية وللأبد.

بالرغمِ من ذلك؛ استمرت الاحتجاجات طيلة اليوم التالي وطالبَ فيها المحتجّون بتنحية المجلس العسكري الانتقالي ككل وسطَ إصرارهِم على تشكيل حكومة انتقاليّة مدنية، ثم أعلن بن عوف تنازله عن رئاسة المجلس الانتقالي وعيّنَ المفتش العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان خلفًا له.

بالرغمِ من عزل البشير واستقالة بن عوف وصعود البرهان إلا أنّ الاحتجاجات لم تتوقف وظلّ عددٌ كبيرٌ من السودانيين في مقرّ الاعتصام قربَ القيادة العامّة للجيش مُطالبينَ بتشكيلِ مجلس انتقالي مدني يقودُ البلاد في هذهِ الفترة كبديلٍ للمجلس العسكري.

في 3 يونيو شنّت القوات السودانية هجومًا عنيفًا على المدنيين في مقر الاعتصام واستخدمت فيهِ الرصاص الحيّ ما تسبّب في وقوع 13 قتيلًا ومئات الجرحى ثمّ ارتفعَ هذا العدد إلى 128 قتيلًا وأكثر من 116 جريحًا حسب آخر إحصائيات لجنة أطباء السودان المركزيّة، وأقدمَ المجلس العسكري على قطع الإنترنت على كامِل السودان.

في المُقابل، نفى متحدث باسم المجلس العسكري، أن يكون المجلس قد أقدمَ على فض الاعتصام “بالقوة” وقال “إن خطة أمنية استهدفت منطقة مجاورة باتت تشكل خطرا على أمن المواطنين وتحولت الى بؤرة للفساد والممارسات السلبية التي تتنافى وسلوك المجتمع السوداني”.

اتفاق السودان

في 5 يولويو 2019، توصلت الأطراف السودانية إلى اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بعد الوساطة الأفريقية – الإثيوبية.

في 17 يوليو، تم توقيع الوثيقة الأولى للاتفاق، وفي 4 أغسطس تم توقيع الوثيقة الدستورية، وأقيمت مراسم توقيع رسمية في 17 أغسطس بحضور رؤساء دول وحكومات وشخصيات من دول عدة، ووقع الاتفاق أحمد ربيع عن قوى الحرية والتغيير، ومحمد حمدان دقلو عن المجلس العسكري الانتقالي.

يقضي الاتفاق بتقاسم السلطة بين طرفي النزاع خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات على الأقل، وتشكيل مجلس سيادي يتكون من خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، إضافة لعضو مدني، ومجلس وزراء تشكله قوى الحرية والتغيير، ويقوم المجلسان بالمهام التشريعية لحين تشكيل المجلس التشريعي. 

وجرى الاتفاق على أن يرأس أحد العسكريين المجلس السيادي لمدة 18 شهرا، ثم يخلفه شخص مدني لإكمال المدة المتبقية من الفترة الانتقالية، وصدر مرسوم دستوري بتشكيل المجلس السياسي، ونص المرسوم على تولّي عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس، حيث أدّى القسم الدستوري في 21 أغسطس 2019.

عيَّن مجلس السيادة السوداني عبد الله حمدوك رئيسًا للوزراء، وفقًا لما يقتضيه مشروع الإعلان الدستوري، ليكون بذلك أوّل رئيسِ وزراء للسودان بعد سقوطِ نظام عمر البشير.

وفي 5 سبتمبر 2019، كشف رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك عن تشكيلة أول حكومة في السودان، ما شكل مرحلة رئيسية في العملية الانتقالية التي يفترض أن تؤدي إلى حكم مدني.

وضمت الحكومة الجديدة 18 وزيرا بينهم نساء أبرزهن وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله، ومن الوزراء أيضا وزير رئاسة مجلس الوزراء عمر بشير مانيس ووزير الدفاع جمال عمر محمد ووزير الداخلية الطريفي إدريس ووزير العدل نصر الدين عبد الباري.

محاكمة البشير

واختتم عام 2019 في السودان بمحاكمة الرئيس السوداني المخلوع، عمر حسن البشير، حيث قضت المحكمة التي كانت تنظر قضية الفساد التي يحاكم فيها بإيداعه في مؤسسة إصلاحية لمدة عامين، تراجع بعدها المدة، ومصادرة المبالغ التي تحفظت عليها السلطات.

وبحسب نصوص القانون السوداني فإن أقصى عقوبة في التهمتين اللتين يحاكم فيهما البشير تبلغ 13 عاما، لكن القاضي أصدر حكمه المخفف نظرا لتجاوز البشير سن الـ70.

واتهم البشير، بالحصول على أموال من مصادر أجنبية واستخدامها بطريقة غير قانونية، والثراء غير المشروع بحسب مكتب المدعي العام، بالإضافة إلى التحريض على قتل المتظاهرين والضلوع في قتلهم، فيما تطالب محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بترحيله لمحاكمته في تهم بالإبادة الجماعية، وجرائم حرب ضد الإنسانية.

ربما يعجبك أيضا