الشيخ الطبلاوي.. محطات في حياة «آخر سلاطين دولة التلاوة المصرية»

محمود طلعت

بفضل صوته الملائكي العذب وحنجرته الذهبية، احتل الشيخ الطبلاوي بلا منازع لقب آخر ملوك القراءة والتجويد القرآني في مصر.


صوت قوي ذو نبرة حادة قاطعة لها شخصيتها المستقلة، جعلت صاحبها مسك ختام الجيل الأول لمقرئي القرآن المصريين المعروفين في  مصر والعالم العربي والإسلامي.

سجّل القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي ما يقرب من ألفين و300 تلاوة، إضافة إلى مصحف مرتل، ظل يطالب بإذاعته مرارًا وتكرارًا على إذاعة القرآن الكريم، وسجله كاملًا لدولة الكويت وكذلك للمملكة العربية السعودية، بخلاف عشرات الابتهالات والأدعية الدينية.

المولد والنشأة

وُلد الشيخ محمد محمود الطبلاوي، في 14 نوفمبر عام 1934م في قرية ميت عقبة مركز إمبابة، بمحافظة الجيزة، وتعود أصوله إلى محافظتي الشرقية والمنوفية أيضًا. وكانت قرية ميت عقبة، كغيرها من قرى مصر في هذا الزمان، تمتاز بكثرة الكتاتيب التي تحفِّظ القرآن الكريم.

وبدأ الطبلاوي مشواره مع كتاب الله، القرآن الكريم، في سن مبكرة جدًّا، فقد انطلق في الخامسة من عمره عندما ذهب به والده إلى أحد الكتاتيب التي عرف فيها بالطفل الموهوب، نظرًا إلى موهبته في تجويد كتاب الله وحفظه. وانتهى من حفظ القرآن كاملًا في التاسعة من عمره.

من قارئ صغير للقرآن.. إلى بلوغ المجد

عن بداياته يقول الشيخ الطبلاوي في لقاء إذاعي: “بدأت قارئًا صغيرًا غير معروف، فقرأت الخميس والأربعين والرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة، كل ذلك في بداية حياتي القرآنية قبل بلوغي الخامسة عشرة من عمري”. وكذلك الحال مع بدايات كل المشاهير، فالإنسان لا يولد نجمًا.

ويضيف الطبلاوي: “كنت راضيًا بما يقسمه الله لي من أجر، والذي لم يزد على 3 جنيهات في السهرة، ولما حصلت على 5 جنيهات تخيّلت أنني بلغت المجد ووصلت إلى القمة”. ذلك أن الأجور في هذا الزمان كانت على نحوٍ من هذا، فضلًا عن الشهرة التي كانت تعادل الثراء المادي أحيانًا أو يزيد.

شهرته في الجيزة والقاهرة والقليوبية

بدأ صيت الشيخ الطبلاوي يزيد، فقرأ القرآن وانفرد بسهرات كثيرة، وهو في الثانية عشرة من عمره، ودُعي إلى إحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين، واحتل بينهم مكانة مرموقة، فاشتهر في محافظات الجيزة والقاهرة والقليوبية.

وأصبح الطبلاوي هو القارئ المفضل لكثير من العائلات الكبرى، نظرًا لقوة أدائه وقدراته العالية وروحه الشابة التي كانت تساعده على القراءة المتواصلة لمدة زمنية تزيد على الساعتين، دون كلل ولا يظهر عليه الإرهاق. وفضلًا عن هذا كان له نبرة صوتية ميزته عن كثير من أقرانه.

الالتحاق بالإذاعة في المحاولة العاشرة

عام 1970 التحق الطبلاوي بالإذاعة، ليكون قارئًا معتمدًا، يستمع إليه المسلمون في شتى بقاع الأرض، ولم يكن ذلك بالأمر السهل بالنسبة إليه، فقد تقدم تسع مرات لاختبارات الإذاعة ولم يأذن الله له، وفي المرة العاشرة اعتمد قارئًا بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء، الذين أشادوا بموهبته في النغم والانتقال من مقام إلى آخر بحرفية عالية.

ولم تقف شهرة الشيخ الطبلاوي على مصر فقط، بل سافر إلى أكثر من 80 دولة عربية وإسلامية وأجنبية. بدعوات خاصة تارة ومبعوثًا من وزارة الأوقاف والأزهر الشريف تارات أخرى ممثلًا مصر في العديد من المؤتمرات، ومحكمًا لكثير من المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم.

المناصب التي شغلها.. واحتفاء قادة العالم به

شغل الطبلاوي العديد من المناصب منها عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومستشار بوزارة الأوقاف، ونال تكريم حكومات وملوك ورؤساء في العالم. وكان، رحمه الله، يعتز كثيرًا بقراءته القرآن في جوف الكعبة لدى مشاركته في غسيلها وقراءة القرآن في الحرم النبوي والمسجد الأقصى، وعدَّ ذلك من أهم المحطات في حياته.

وفي 5 مايو 2020 أعلنت نقابة قراء ومحفظي القرآن الكريم في مصر، وفاة الشيخ محمد محمود الطبلاوي، أحد أقطاب ترتيل وتلاوة القرآن الكريم عن عمر ناهز 86 عامًا، ودفن جثمانه الطاهر بمقابر الأسرة. وذلك بعد عمر قضاه في خدمة كتاب الله ترتيلًا وتجويدًا، داخل مصر وخارجها.

ربما يعجبك أيضا