الصحافة الفرنسية| باريس تحيي الذكرى الأولى لمقتل المعلم صمويل باتي.. وقانون الانفصالية على وشك التنفيذ

ترجمات رؤية

ترجمة – فريق رؤية

بمناسبة إحياء ذكرى المعلم صمويل باتي.. ما الذي سيحدث للطلاب المسؤولين عن الأحداث؟

بعد أن تم تسجيل ثمانية وتسعين حادثة خلال تكريم المعلم صمويل باتي في المدارس يوم الجمعة، منها حوادث وصفها وزير التربية الوطنية، السيد جان ميشيل بلانكير، بأنها “متباينة للغاية”، بداية من الإهانات ورفض المشاركة وحالات التهديدات الفردية والجماعية، ستخضع جميعها لأقسى العقوبات.

وفي السياق، ذكرت جريدة “لوفيجارو” أن من الواضح أن العقوبات المنتظرة ستختلف اختلافًا كبيرًا تبعًا لخطورة الموقف، ويوضح جان ريمي جيرار رئيس الاتحاد الوطني للمدارس الثانوية والكليات والمدارس أن “إدارة هذه العقوبات ستتم في البداية بواسطة مدير المؤسسة، وهو المسؤول عن إدارة الانضباط”، يمكنهم نظريًّا الذهاب إلى أبعد من الطرد، حتى لو كان جان ميشيل بلانكير متشككًا العام الماضي في هذا الحل.

وفي الوثائق التعليمية المرسلة إلى المعلمين لتسهيل المناقشة مع الطلاب، تتوقع الوزارة هذه الأخطاء وتشير إلى الإجراء الذي يجب اتباعه وهو أن: “يتم إبلاغ رئيس المؤسسة، ويتم توعية الآباء، ولفت انتباههم إلى خطورة كلمات أو مواقف أطفالهم، كما سيتم الإبلاغ عن الحالة إلى السلطات الأكاديمية “.

الملاحقات الجنائية والتدريب على المواطنة

في حالة الوقائع الأكثر جدية، تتدخل العدالة بالتوازي مع العقوبات التي يتخذها المدير. في الواقع، يشرح جان ريمي جير قائلًا: “فإذا كانت الوقائع خطيرة بشكل كبير، مثل التهديدات أو العنف، يتم تقديم شكوى. وفي هذه الحالة، سيكون الأمر متروكًا للمحاكم لتتولى أمره.

وتتراجع هذه الحوادث، بحسب أرقام وزارة التربية الوطنية التي تقارنها بأرقام التكريم السابقة. يقول جان ميشيل بلانكير: تم الاحتفال بهذه الذكرى في هدوء وسكينة وكرامة. هناك نحو 60 ألف مدرسة في فرنسا. وبالمقارنة بما بعد هجوم جريدة شارلي والباتاكلان، أو عندما وقفنا دقيقة صمت في العام الماضي، فقد انخفضت الأعداد بشكل حاد.

ويضيف جان ريمي جيرارد: “هناك اثنا عشر مليون طالب. يجب أن نتعامل مع جميع الحوادث بحيث لا ندع أحدًا يفلت من العقاب، لكننا نجد أن من المطمئن أن الغالبية العظمى من الطلاب يفهمون ويتصرفون بطريقة كريمة من أجل إحياء ذكرى المعلم باتي”.

 في العام الماضي تم الإبلاغ، عن حوالي 400 حادث بعد تكريم المعلم صمويل باتي، بما في ذلك 150 حالة تتعلق بعضها بالإرهاب، واستجوبت الشرطة في نهاية المطاف 14 قاصرًا وألقت القبض على أربعة منهم، وقد أثارت هذه العملية موجة من السخط، لكن بعض الأطفال، البالغين من العمر 10 سنوات، برروا اغتيال المعلم وتلقى المدير بعد أيام قليلة رسالة مجهولة المصدر كتب فيها “ستموت”. من جانبه برر المدعي العام ما حدث قائلًا: “بالنظر إلى عُمْر الطلاب، كان علينا التحقيق في البيئة الأسرية. إننا لم نتمكن من استدعائهم فحسب، بل اضطررنا أيضًا إلى تفتيش المنزل ولم نكن نعرف مع من نتعامل”.

لقد حُكم على العديد من الأطفال والمراهقين في نهاية المطاف بالخضوع لدورات التربية على المواطنة، تحت إشراف جهاز الحماية القضائية للشباب، وهو جهاز أُنشئ في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لمرتكبي العنف ضد قوات النظام والخدمات العامة، وهذه الدورات تجمع الشباب لعدة أيام لتوعيتهم بقيم الجمهورية.

بعد عام على اغتيال المعلم صمويل باتي.. لا يزال المبدأ هو تجنب لفت الانتباه!

وفي السياق ذاته، انتقدت جريدة “ماريان” طريقة إدارة الوزارة المختصة للأحداث بعد اغتيل مدرس التاريخ صمويل باتي منتصف شهر أكتوبر من العام الماضي على يد متطرف إسلاموي اتهمه بعرض رسوم كاريكاتورية للنبي محمد. وبعد مرور عام على مقتله لا زال التعليم الوطني لا يحمي المعلمين، وفقًا لبرونو موديكا، المتحدث باسم جمعية “Les Clionautes”، التي تمثل 20٪ من معلمي التاريخ والجغرافيا، والتي أجرت الصحيفة معه حوارًا صحفيًّا..

ويبقى التساؤل: هل لا يزال معلمو التاريخ يجرؤون على عرض رسوم كاريكاتورية للنبي محمد في الصف؟ يقول برونو موديكا: “البعض يفعل، والبعض الآخر لا”. فبعد مرور عام على وفاة صمويل باتي، “بات المعلمون يفرّقون بين ما قبل باتي وما بعده”. وبعد أن تقاعد المتحدث باسم “Clionautes” منذ مارس الماضي، بعد ثلاثين عامًا من العمل في إحدى المدارس الثانوية، ينتقد موديكا عيوب التعليم الوطني. ويأسف لما يحدث قائلًا: “لا يزال المبدأ هو عدم لفت الانتباه”… وإلى أبرز ما جاء في الحوار:

جريدة ماريان: قُتل صمويل باتي قبل عام. وقتها استنكرتم تقاعس وزارة التعليم الوطني لفشلها في حمايته. بماذا تشعر الآن؟

برونو موديكا: أفكر في رجل سُمح له بالعودة إلى المنزل بمفرده بينما يعلم الجميع أنه يتعرض للتهديد. أفكر في رجل ظل صريحًا حتى النهاية ودفع ثمن أفكاره التقدمية عن مهنة التدريس. لقد تمكنت منه آلة شيطانية وسحقته بعد أن تركنا لها الفرصة للعمل وعجز وزارة التعليم الوطني عن إيقافها.. لم يكن السؤال هو ما إذا كان شيء من هذا القبيل سيحدث، ولكن متى سيحدث؟ بالنسبة لي الأمر أشبه بهجوم 11 سبتمبر.

هل تعلمت وزارة التربية الوطنية دروسًا من هذه المأساة؟

لا، لقد فشلت في دعم صمويل باتي وما زالت عاجزة عن حماية المعلمين. ولقد رأينا ذلك يحدث مرة أخرى مؤخرًا مع المعلمة التي تعرضت للهجوم في فصلها، وبعد هذا الهجوم، قامت الإدارة بأفضل ما يمكن أن تفعله وأنشأت بروتوكولات وهياكل لتحل محل تلك الموجودة بالفعل.

لقد تم تعزيز الأمن المادي للمدارس من خلال وضع كاميرات مراقبة في كل مكان، لكننا لم نعالج المشكلة بشكل مباشر. وعندما يقع حادث، لا سيما عندما يتعلق بالعلمانية، يلتزم قادة المدارس بعدم لفت الانتباه، وتظل السياسة الرسمية تسعى لتهدئة الأمور على حساب التسويات. بالنسبة لي، هذا شكل من أشكال الاستسلام.

استسلام لماذا؟

تقوم الطائفية، التي تمثل شكلًا من أشكال الأسلمة من القاعدة، باختبار قدرات نموذجنا على الاستمرار في تحقيق التعايش. واستجابةً لذلك، كان هناك ثمة فخ مضاد للعنصرية، يقوم على مشاعر الطيبة بينما نواجه على أرض الواقع نظامًا يهاجم قواعدنا. ولم يستطع أحد تقديم حل لهذه المشكلة على أرض الواقع.

وبشكل مستمر، يقوم المقربون من السلطة باستغلال هذه القضية. لكن إريك زمور ليس هذا الرجل الذي يدخل في مواجهة مع طالب في طريقه إلى التطرف، حتى أن أحدًا لم يره من قبل يفعل ذلك. وعلى أرض الواقع، فإننا نتخلى عن معلمي التاريخ والجغرافيا.

في هذا السياق، هل لا يزال المعلمون يعرضون لطلابهم رسومًا كاريكاتورية للنبي محمد؟

يختار البعض عرضها، بينما لا يفعل البعض الآخر ذلك، فالمناهج الرسمية لا تتطلب القيام بذلك، بل إن هذا الأمر يعود لاختيار المعلم. وقد يتمكن الخوف اليوم من بعض مدرسي التاريخ، حيث أظهر استطلاع للرأي نشرته مؤسسة “جون جوريس” أن مدرسًا واحدًا من كل اثنين يقول إنه أخضع نفسه بالفعل للرقابة الذاتية لتجنب التعرض لهجوم.

يجب أن نقول أيضًا إن هناك انقسامًا بين الأجيال حول العلمانية؛ فالمدرسون الشباب يمكن أن يكونوا أكثر ترددًا، كما ينتشر أيضًا بين الشباب، في بعض الأحيان، شكل من أشكال النسبية التي تعد حقيقة واقعة في التعليم الوطني.

اليوم، يمكن للطلاب وأولياء أمورهم أن يطلبوا من مدير المدرسة مقابلة المعلم الذي يضطر إلى التوضيح أو حتى الاعتذار. أنا شخصيًّا أرفض دائمًا هذا الأمر بسبب التأثير الرهيب الذي يخلقه؛ فالتلميذ يعود إلى المدرسة في اليوم التالي وهو يشعر بأنه جعل المعلم ينحني. ونحن ندفع الآن ثمن فكرة أن المدرسة لم تعد نظامًا لاكتساب المعرفة، يعتمد على العمل والجهد، بل لامتصاص الصدمات الاجتماعية.

بشكل ملموس، ما مظاهر تصاعد مؤشر الهجمات على العلمانية؟

كانت المرة الأولى التي شهدت فيها هجومًا على العلمانية في عام 1991 عندما كنت أعمل في توركوينج بشمال البلاد. وحينها أبلغت الأكاديمية عن سلوك غريب لطالب في صفي في المدرسة الثانوية. أصبح هذا الشاب فيما بعد من أوائل الجهاديين في فرنسا، وكان الشاب الذي يدعى “ليونيل دومون” قد قام بهذه “المغامرة” الإسلاموية بسبب إمام من الخليج العربي كان يخطب في مسجد الحي الذي يعيش فيه. وبالفعل منذ ذلك الوقت، تمسك بي أحد الزملاء الذ كان يعتبر منهجي عنصريًّا”.

لقد رأيت تغييرًا ثانيًا بعد هجمات شارلي إبدو، عندما وجدت نفسي أجادل مع أحد الطلاب الذي قال لي: “هل هذا أمر طبيعي، لقد أهانوا النبي!” وفي الآونة الأخيرة، رأيت طالبة ذكية بشكل خاص رفضت مواصلة دراستها في المدرسة الإعدادية لأنها فضّلت العيش وفق المنهج السلفي. هذه هي أنواع الأشياء التي نواجهها.

هل تمتلك وزارة التعليم الوطني الوسائل لوقف هذه الظاهرة؟

أخشى أنها لن تكون قادرة بعد الآن على التعامل مع مثل هذه المواقف، والأسباب متعددة؛ حيث تمخض حجمها وهيكلها الهرمي عن إدارة منفصلة عن الواقع، ويتم تصفية التعليقات الواردة من القاعدة بحيث يتلقى صانعو القرار الخطاب الذي يريدون سماعه، كما أننا سمحنا بتأسيس ثقافة عدم الثقة في أن تطور مهنة التدريس.

في رأيك، ما الذي ينبغي القيام به؟

يجب أن تدعم وزارة التعليم الوطني المعلمين وتمنحهم الأدوات للرد، حيث يتم التركيز الآن على التدريب العلماني، ولكن بغض النظر عن تأثير ترديد مواد قانون 1905 طوال اليوم، فلن تحل المشكلة. لذا توصي جمعيتنا، بشكل خاص بتطوير منهج دراسي لتاريخ الأديان من أجل تقديم الدعم الفكري للمعلمين.

في النهاية.. هل انتصر الإسلاميون في المعركة؟

لديّ شعور بأنهم كانوا على مشارف الفوز، وآمل أن يكونوا في طريقهم نحو الخسارة بالرغم من أنني لست متأكدًا؛ فالعلمانية هي عمل الجميع وتاريخه، ومعلمو الجغرافيا يتحملون مسؤولية خاصة، ونحن من يمتلك أدوات الفوز.

لمكافحة التطرف.. قانون الانفصالية يدخل حيز التنفيذ

أشارت جريدة “لاكروا” المتخصصة في الأديان إلى بدء دخول قانون الانفصالية حيز التنفيذ حيث أدخل القانون، الذي جرى تشريعه في أغسطس الماضي، عقوبات وأدوات جديدة للسيطرة على التطرف. فعلى أراضي فرنسا العلمانية، بدأت أجهزة الدولة الاستعداد لتنفيذ القانون، وفقًا لمارلين شيابا، وزيرة الدولة لشؤون المواطنة.

وفي 13 أغسطس من العام الماضي، صادق المجلس الدستوري على القانون المعروف باسم “قانون الانفصالية” من حيث الجوهر، حيث يؤكد القانون على احترام مبادئ الجمهورية، وجرى تقديم مشروع هذا القانون قبل أيام قليلة من اغتيال المعلم صمويل باتي في 16 أكتوبر 2020، حيث تم تشديد القانون من أجل تقوية الترسانة القمعية ومنظومة السيطرة على التطرف. وهكذا، فإن المادة العاشرة من هذا القانون تعاقب على عرقلة وظيفة المعلم، بينما تعاقب المادة 36 على نشر معلومات خاصة تسمح بتحديد هوية الأشخاص أو تحديد أماكنهم، بالإضافة إلى عقوبات مشددة عندما يتم استهداف شخص ذو صفة عامة، وهذا الإجراء يهدف إلى حماية أفراد الشرطة.

مراقبة ومعاقبة الجمعيات الدينية

كما يعزز القانون أيضًا أدوات الرقابة والعقوبات، لا سيما فيما يخص الجمعيات الدينية، على غرار المادة 74 المتعلقة بإغلاق دور العبادة والمقار التابعة لها. ويعدّ هذا النظام الجنائي الجديد جزءًا من منظومة تعزيز مكافحة التهديد الإسلاموي التي تسعى الحكومة إلى تطبيقها: ففي نهاية أغسطس الماضي، تم تصنيف 85 مكانًا للعبادة للاشتباه في أنها متطرفة، وجرى إغلاق أو تحييد ثلثها. كما أعلنت الحكومة حل خمس جمعيات أخرى وبدأت بعدة إجراءات أخرى ضد دار النشر الإسلامية “نوى” ورابطة دفاع إفريقيا السوداء، وهناك نحو عشر مؤسسات أخرى في الانتظار.

نحو إدارة للعلمانية

وفيما يتعلق بعملية المراقبة، تؤكد مارلين شيابا، وزيرة المواطنة، أن “منصة فاروس للإبلاغ تعمل الآن جميع أيام الأسبوع على مدار الساعة وتضم حوالي ستين موظفًا، وهذا التعزيز في الموارد أدى إلى زيادة التقارير بنسبة 184٪”. وتدير اللجنة الوزارية لمنع الانحراف والتطرف وحدة مراقبة على الإنترنت يبث من خلالها نحو عشرين موظفًا خطابًا مضادًا للرد على الدعاية الجهادية. وأضافت الوزيرة: “لقد أنشأنا صندوقًا بقيمة 2.5 مليون يورو لتعبئة المجتمع المدني من خلال الدعوات لإنجاز المشاريع”.

وفي مجال الدفاع عن العلمانية وتعزيزها، يجب أن يُترجم قانون الانفصالية تدريجيًّا إلى حقائق. أولًا، من خلال تعبئة أجهزة الدولة بأكملها. حيث ينص القانون على تدريب جميع الموظفين بحلول عام 2024، وتكوين شبكة تضم ثلاث وظائف عامة وهي: الدولة، والمجتمعات المحلية والمستشفيات بالإضافة إلى الاستحداث المنهجي لهيئة مراقبي العلمانية، على المستويين المحلي والوطني. وطمأنت الوزيرة، التي أنشأت الأسبوع قبل الماضي مكتبًا للعلمانية بجوار مكتب الأديان بوزارة الداخلية قائلة: “إنها إدارة حقيقية للعلمانية” تتمثل مهمتها في “التقييم وتنسيق خطط التدريب، وتنظيم شبكة المراقبين، وكذلك إعداد اللجان الوزارية التي تجتمع مرتين في السنة”.

إجراءات في انتظار القرارات

ومن أجل تحقيق التطبيق الكامل للقانون، يجب أن يلحق بقانون الانفصالية العديد من القرارات والنشرات التي يتعلق بعضها بموضوعات حساسة للغاية، لا سيما المرسوم الذي يحدد محتوى “عقد الالتزام الجمهوري” الذي ستوقّعه جميع الجمعيات التي تتلقى إعانات عامة، ومن المنتظر أن يتم تقديم هذا النص الذي يثير مخاوف جدية لدى الجمعيات في الأيام المقبلة.

وينطبق الشيء ذاته على مرسوم “مراقبين العلمانية” والذي بموجبه يمكن للحكام الطعن في القرارات التي يتخذها المسؤولون المنتخبون المحليون. وأخيرًا، هناك نصوص أخرى بالانتظار، تتعلق بتوسيع مبدأ الحياد ليشمل جميع الشركات التي تمارس خدمة عامة أو نظامًا جديدًا للاعتراف بوضع الجمعيات الدينية داخل المحافظة.

ربما يعجبك أيضا