كتب – إبراهيم جابر:
عانت الصناعة المصرية على مدار السنوات الماضية، من التدهور والإهمال بفعل الاضطرابات “السياسية والأمنية والاقتصادية”، حتى أضحت عبارة “صنع في مصر” في طي النسيان، ليشهد عام 2019 بداية تحركات من قبل القيادة السياسية والتنفيذية لإحداث ثورة للاستفادة من الثروة المتروكة، وإعادة الصناعة المصرية إلى مكانتها داخليا وخارجيا، وخفض ميزان العجز التجاري، وزيادة الصادرات، وتقليل الواردات، فضلا عن توفير آلاف فرص العمل.
“أزمات 9 سنوات”
قطاع الصناعة المصري، تعرض على مدار 9 سنوات لأزمات عديدة، بدأت في أعقاب أحداث ثورة 25 يناير عام 2011، فالوضع السياسي في مصر حينها، وفترة حكم جماعة الإخوان المسلمين، أثر في القطاع الذي كان يشهد تقدما ملموسا في مجمل إنتاجه وصادراته، دون وجود آلية لحمايته، ومنع التدهور.
القطاع المصري الهام، شهد توقف 5184 مصنعًا، بسبب غياب التمويل اللازم، وارتفاع فاتورة الواردات، وعدم توافر مكونات التشغيل الرئيسية، فضلا عن أزمات “الكهرباء والغاز الطبيعي والبنزين”، ما أدى إلى تزايد الاحتجاجات العمالية، وحدوث هجرة جماعية للعمالة الفنية للقطاع ولجؤها إلى مهن أخرى “غير فنية” لتوفير تكاليف المعيشة.
المشاهد السياسية في مصر، خلال تلك الفترة، وضعت الصناعة المصرية في مأزق، فأصبحت أمام معضلة كبيرة، متمثلة في زيادة التكلفة الإنتاجية نتيجة “تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار”، فضلا ارتفاع أسعار المنتجات، وانخفاض القيمة الشرائية للمواطنين بفعل الوضع الاقتصادي، ما دفع العديد من المستوردين إلى استيراد منتجات بديل من الخارج “أقل جودة”، وأقل في الأسعار، ليشهد القطاع ركودا وصل إلى “الموت”.
“تحركات جديدة”
القيادة السياسية المصرية، عملت منذ يونيو 2014، على البدء في تأهيل البنية التحتية لجذب الاستثمارات من جديد، وإنشاء مشروعات صناعية كبرى في محاولة لمواجهة تدهور الصناعة، وحل المشاكل والأزمات، فأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بداية 2019، إطلاق مبادرة “مصنعك جاهز بالترخيص”، لدعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يستهدف طرح 22 مجمعا صناعيا متخصصا في 14 محافظة حتى عام 2020.
واستمرت المحاولات المصرية، عبر دعم المشروعات الكبرى مثل مدينة الروبيكي للجلود والتي توقفت نتيجة غياب التمويل، ورفع معاناة مصانع البتروكيماويات والسيراميك والحديد، الأسمنت، إذ تم توفير الطاقة اللازمة، فضلا عن البدء في دراسة أزمات القطاع، والأسباب التي أدت إلى توقفه.
وخلال 2019، افتتح السيسي العديد من المشروعات الصناعية الكبرى، أبرزها: “أكبر مصنع للأعلاف في مصر، ومجمع الأسمدة الفوسفاتية والمركبة بالعين السخنة والذي يعد الأكبر على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، وأكبر مجمع للرخام والجرانيت في الشرق الأوسط، وتطوير شركة النصر للكيماويات الوسيطة، وفتح عدة مصانع في العديد من مجالات الكيماويات المتوسطة، ومدينة دمياط للأثاث، علاوة البدء في توطين صناعة السيارات في مصر.
“ثورة دعم”
وفي نوفمبر الماضي، قال الرئيس المصري: إن قطاع الصناعة يعد القطاع الوحيد الذي لم يحصل على فرصة مناسبة خلال الفترة الماضية، مشيرا إلى وجود العديد من الصناعات الواعدة شريطة توافر الإرادة اللازمة لذلك، مطالبًا شركات القطاع الخاص بإنتاج مكونات محطات تحلية المياه في مصر، بدلًا من استيرادها من الخارج.
ومع تصريحات السيسي، بدأت الحكومة تحركاتها لإعداد مبادرة لدعم قطاع الصناعة بالتعاون مع البنك المركزي، بهدف تنشيط القطاعات الاقتصادية المهمة في مصر، في إطار اهتمام الدولة بالتنسيق بين الحكومة والبنك المركزي، لدفع وضمان استمرار معدلات نمو الاقتصاد المصري.
وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إطلاق 3 مبادرات بالتعاون مع البنك المركزي المصري لصالح قطاعي الصناعة، والإسكان، بـ181 مليار جنيه، لتمويل الأنشطة الصناعية، للقطاعات الصناعات القائمة بالفعل التي تسعى للتوسع وزيادة حجم أعمالها، أو الراغبة في التواجد، بإتاحة تمويل بقيمة 100 مليار جنيه، بسعر فائدة 10% متناقصة سنويا، الأولوية بها للصناعات التي تأمل الدولة في تواجدها لسد فجوة الاستيراد، مثل مستلزمات الإنتاج، أو الصناعات التي ترتفع فاتورة استيرادها.
وتمثلت المبادرة الثانية، في إعفاء المصانع “المتعثرة والمتوقفة” من فوائد الديون المتراكمة عليها بإجمالي 31 مليار جنيه، بشرط أن تسدد 50% من قيمة أصل الدين، وبالتالي ستكون هذه الشركات والمصانع قادرة على العودة إلى التعامل مع الجهاز المصرفي مرة أخرى بناء على ملاءتها ودراستها وعلى جدوى مشروعاتها، بدون أي خلفيات تعوقها عن العمل.
وأعلنت الحكومة المصرية تخصيص 50 مليار جنيه لها بشكل مبدئي بسعر فائدة 10% وتصل نسبة التقسيط إلى 20 سنة، للقطاع العقاري.
“أرقام مبشرة”
وحظيت الصادرات المصرية خلال عام 2019، بارتفاع طفيف، فسجلت 15.3 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، بنسبة زيادة مقدرة بـ2% عن نفس الفترة من العام الماضي، مسجلة ارتفاع في أفريقيا بنسبة 27%، ولدول غرب أوروبا بنسبة 15.9%، ولدول شرق أوروبا بنسبة 8.3%.
وذكر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عجز الميزان التجاري تراجع 25.8% إلى 3.51 مليار دولار في أغسطس، مشيرا إلى أن الصادرات انخفضت 3% على أساس سنوي إلى 1,97 مليار دولار في أغسطس، في حين تراجعت قيمة الواردات 19% إلى 5,48 مليار دولار، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز”.
وتوقع وزير التجارة والصناعة المصري عمرو نصار، إن صادرات البلاد سترتفع 20% في العام الجاري، مقارنة مع العام الماضي حين بلغت 25.2 مليار دولار.
وبحسب جهاز الإحصاء، فقد تراجعت واردات المنتجات البترولية 33.3%، والمواد الأولية من الحديد والصلب 18.8%، والبلاستيك 17.3%، والقمح 2.9%.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=349906