“الصيام في الديانات السماوية”.. طقوس مختلفة للارتقاء روحانيًا

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

الصيام عبادة ليست خاصة بالمسلمين فقط بل كانت موجودة في الأمم السابقة، وانتقلت من أمة إلى أخرى، وإن اختلفت في كيفيتها، يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} .

فقد صام القدماء المصريين من أجل التقرب إلى الآلهة، فكانوا يصومون من أجل نهر النيل كونه مصدر الخير والعطاء كما صاموا في أيام الحصاد،أما الصيام الذي كان مقررا لعامة الشعب فهو ثلاثة أيام من كل شهر، وهناك صيام أربعة أيام في بداية كل سنة، بالإضافة لنوع آخر من الصيام يقتضي عدم تناول طعام إلا الخضار والماء لمدة سبعين يومًا.

ونوع آخر من الصيام كان يقوم به من يريد الالتحاق بالمعبد  فعلى الخادم أن يمتنع عن شرب المياه لسبعة أيام، والكهنة يبدأ صيامهم من طلوع الشمس إلى الغروب وكان الصيام عبارة عن الامتناع عن الأكل والشرب والاختلاط بالنساء.

يقترن الصيام بمعانٍ تتجاوز الامتناع عن الأكل والشرب، فهو من الممارسات الروحية التي تثني الذهن عن التفكير بكل الأمور الدنيوية وتدفعه للارتقاء روحياً، ما يجعله عبادة تطبق في العديد من الديانات والمدارس الفكرية والروحية.

الصوم لدى قوم موسى

يختلف طقس الصوم في الديانة اليهودية، عن قرينتيها من الديانات السماوية، حيث يصوم اليهود ستة أيام فقط طوال العام، بغرض تجنب الأخطار والتخلص من كارثة أو محنة، واكتساب عطف الرب.

ويتبع اليهود في صيامهم طقوس التقشف، كالنوم على الأرض أو الامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع، والاستحمام، وتغيير الملابس، والتعطر، وزيوت الجسم، وغسل الأسنان، والعمل، وارتداء الأحذية، منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم التالي، ويتم إعفاء الأطفال والمرضى والنساء الحوامل والمرضعات من الصيام.

ويعتبر أهم أيام الصيام بالنسبة لليهود هو “يوم الغفران” أو “يومها كيبور” بالعبرية، وهو اليوم العاشر من شهر “تشرين” في التقويم اليهودي، ويوافق أكتوبر أو سبتمبر الميلادي، يصومون فيه 25 ساعة مع الكثير من الصلوات، ويرتدي فيه الرجال وشاحًا أبيض، والنساء ملابس بيضاء، ويليه في الأهمية صيام يوم 9 أغسطس، في ذكرى خراب الهيكل المقدس، وهو صيام وحداد على تدمير هيكل سليمان، ثم يوم 13 نوفمبر ويسمى “صيام جداليا”، لإحياء ذكرى مقتل حاكم أورشليم الذي ذبح بعد هدم الهيكل.

كما يصوم اليهود يوم السابع عشر من يوليو، الذي هدمت فيه جدران القدس، بالإضافة ليوم العاشر من تيفيت في التقويم اليهودي، الموافق لشهر ديسمبر أو يناير، وهو اليوم الذي بدأ فيه القائد بختنصر البابلي حصار أورشليم، وآخرهم يوم الثالث عشر من مارس، ويسمى “صيام استير”، وهو لإحياء “عيد الفور”، في ذكرى خلاص اليهود من مجزرة هامان، وزير الإمبراطور الأخميني أ وفقًا للتراث اليهودي.

الصيام عند المسيحيين

يختلف الصيام في المسيحية عن صوم المسلمين واليهود، بالرغم من أن الغاية واحدة وهي التطهر من الذنوب، إلا أن طريقة الصوم مختلفة، حيث يسمح للصائم بالطعام والشراب شرط الابتعاد عن المنتجات الحيوانية، أي طعام عدا ذلك مسموح به، أماالعلاقة الجنسية بين الزوجين فهي لا تفسد الصيام أيضًا، الصيام في المسيحية يختلف اختلافًا كبيرًا بين كل طائفة وأخرى .

الأرثوذكس

 تبدأ فترة الصيام من الفجر وحتى الغروب، وأيام الصيام عندهم هي: صوم الأربعين يوما “الصيام الموسوي”، وصيام الأسبوع العظيم، وصيام المهد، والصوم الكبير وهو يسبق عيد القيامة، وصوم عيد الميلاد، وصوم السيدة العذراء، وصوم يونان، وصوم الرسل الذي يسبق عيد الرسل.

الكاثوليك

تعد الطائفة الكاثوليكية من أكثر الطوائف المسيحية إقبالًا على الصيام، وتصوم عدة أيام على مدار السنة، كالصوم الكبير السابق لعيد الفصح، وصيام الجمعة والسبت، وصوم الأزمنة الأربعة، وصوم البارامون أيضًا الذي يسبق عيد الميلاد .

الإنجيلية

تعترف الكنيسة الإنجيلية بوجود الصيام في كافة الأديان السماوية وغير السماوية، ولكنها تعتبره نوعًا من أنواع التعبد السري الذي يهدف لإصلاح العلاقة مع لله، فالهدف منه ليس اتباعًا للإنجيل، بقدر ما هو عبادة بين العبد هدفها توثيق العلاقة بالله، وصيام الكنسية الإنجيلية يشبه صيام المسلمين ويكون بالانقطاع عن الطعام والشراب والشهوات.

الصيام في الإسلام

هو الركن الرابع من أركان الإسلام وهو صيام الشهر التاسع من التقويم الهجري “رمضان”، ويبدأ الصيام من شروق الشمس إلى غروبها، ومن المفترض أن يمتنع المسلم عن تناول الطعام والشراب والشهوات خلال ساعات النهار، مما يدل على تأكيد من الوعي الأخلاقي وتنقية لرغبات المرء الجسدية في سبيل الله، أضف إلى ذلك التجربة المباشرة لألم الجوع والعطش على مدى هذه الفترة  الطويلة من الزمن، وذلك ليتذكر المسلم مدى الألم والجوع الذي يعاني منه الفقراء.

اختصَّ الله سُبحانهُ وتعالى الصيامَ في هذا الشهر من بين الشهور؛ لما لهُ من فضائلَ عديدةً، وميزاتٍ كثيرةٍ ميّزته عن غيرهِ من شهور السنة؛ ففي شهر رمضان أُنزِلَ القرآنُ الكريم ليكون نِبراساً للبشرية وهدايةً لهم، وإخراجهم من الظّلمات إلى النور، فتتحقَّقُ سعادتهم وراحتهم في الدنيا والآخرة.

 ذُكِر عن النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – في فضائل شهر رمضان ما رواه عنه أبو هريرة – رضي الله عنه – حيث قال: (إذا جَاءَ شَهرُ رمضانَ فُتِحَت أبوابُ الجنّةِ وغُلِّقت أبوابُ النارِ وصُفِّدَت الشيَاطينُ)؛ ففي هذا الشهر تُفتح أبوابُ الجنّةِ لكثرة الأعمال الصالحة التي يَتّقربُ بها العبد إلى الله عزَّ وجل، والتي تكون سَبباً في دخوله الجنة، وفيه تُغلقُ أبوابُ النار، لبُعد العبد عن فعل المعاصي والآثام التي تُغضِبُ الله تعالى، وتكونُ سبباً في دخوله النار، وكأن الله عزَّ وجل بفعله هذا وإعلان النبي – صلّى الله عليه وسلّم – لهذا الحديث ما هو إلاّ تشجيعٌ للعباد لتكثير فعل الطاعات، وأعمال الخير، التي يضاعف أجرها في رمضان، وحافزاً للبعد عن المَعاصي والآثام وتجنّب فعلها والقيام بها في هذا الشهر؛ لأنّ الشياطين تُصفّد وتُوثق فلا تستطيع إغواء العبد بفعل المعاصي كما تفعل في باقي الشهور.

ربما يعجبك أيضا