العالمة الذرية عصمت أمين لـ”رؤية: لم أخش الاغتيال ومصر تتفوق على العرب نوويًّا

ياسمين سعد
الدكتورة عصمت أمين

قصة العالمة المصرية عصمت أمين الذي دفعها إعجابها بالعالمة سميرة موسى إلى أن تصبح واحدة من أبرز علماء الأمان النووي في العالم.


كان الأطفال يلعبون أمام منازلهم الصغيرة بإحدى قرى مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، في حين كانت هي تفكر في العالمة سميرة موسى وتمنت لو تصبح مثلها يوما ما.

ولم تأبه عصمت أمين التي ولدت عام 1940 لناظر مدرسة وأم حاصلة على بكالوريس اللغة الفرنسية، بالمصير الذي لحق بملهمتها التي اغتيلت في العام 1952، بل زادها ذلك إصرارًا وشجاعة على الاجتهاد لتصبح بعد سنوات واحدة من أهم النابغات في مجال الطاقة الذرية.

لم أفكر في تعرض سميرة موسى للاغتيال

حاورت “شبكة رؤية الإخبارية” عالمة الطاقة الذرية والأمان النووي، الدكتورة عصمت أمين، التي قالت “أعجبت كثيرًا بالعالمة المصرية سميرة موسى، وصممت أن أصبح مثلها، فنعم اغتيلت ولكن وقتها لم يكن اغتيال علماء الذرة منتشرًا، فلم أفكر أبدًا في أن هذا سيحدث لي، إذا أصبحت عالمة ذرة”.

وأوضحت عصمت أن دعم أسرتها قلّل من حدة الصعوبات التي كان يمكن أن تواجهها، وذلك رغم رغبة والدها في دراستها للطب، مقابل إصرارها على الالتحاق بكلية العلوم، وقت إنشاء قسم الفيزياء لدراسة الذرة فيه، فوقتها كانوا يمنحون الطلبة نقودًا لتشجيعهم على الدراسة فيه، وكانت عصمت ضمن أول دفعة تخرجت بالقسم عام 1961.

معارضة من الأهل وإصرار على النجاح

نجحت عصمت في إقناع أهلها بسفرها إلى الخارج بعد رفض، وذلك بعد حصولها على منحة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة عام بجامعة برمنجهام في إنجلترا، لتحصل بعدها على شهادة الماجيستير، ثم منحة من جامعة ليفربول لمدة سنة أخرى.

مفاعل نووي

وفي العام 1968، استطاعت عصمت أن تحجز لها مكانًا بهيئة الطاقة الذرية البريطانية، فعملت في بدايتها على مشروع تجربة الحصول على نيترونات بطيئة من المفاعلات النووية، وذلك قبل أن تتخصص في العمل بمجال الأمان النووي.

نجاة من تهديدات الاغتيال

بعد أن أنهت العالمة المصرية في الأمان النووي وزوجها دراستهما في ألمانيا، حصل الثنائي على عرض في العام 1975 للعمل في مجال الطاقة النووية في العراق، ليبدأو رحلة جديدة في خدمة الأغراض النووية السلمية في البلاد العربية، وعملا في هذا المشروع مع الدكتور يحيى المشد.

ولم تتوقع عصمت أن يحدث أي مشاكل في العراق بشأن عملها النووي السلمي، لتقول: “كانت تصلنا تهديدات بالاغتيال منذ بداية عملنا بالمفاعل النووي بالعراق، خصوصًا كعلماء مصريين، وكان 3 فقط أنا وزوجي الدكتور محمود إمام والدكتور يحيى المشد، وكانت هذه التهديدات بهدف منعنا من الاستمرار في العمل بالمفاعل”.

وأضافت: “لم تصلنا رسائل التهديد مباشرة بل كان يستلمها الأمن العراقي أولًا، فهم كانوا يسيطرون على جميع اتصالاتنا، وبعدها جرى اغتيال الدكتور المشد بالفعل، وهاجمت إسرائيل الموقع ودمرت المفاعل العراقي، وبالرغم كل ما حدث لم أخف من شيء، بل تمسكت باستكمال رسالتي، والعمل في مجالي، لأن حبي لبلدي مصر وللوطن العربي وتطوره كان أكبر من أي خوف”.

كوريا واليابان يتصدران المشهد النووي

تُقدر عالمة الطاقة الذرية تقدم الغرب على العرب في المجال النووي بمقدار 50 سنة، موضحة أنه قديمًا كانت الولايات المتحدة هي الأولى في مجال الطاقة النووية وتتبعها بريطانيا، ولكن مع مرور السنوات توقفت أمريكا عن تطوير نفسها، وبناء المفاعلات النووية، فتراجعت في الترتيب.

ويتصدر المشهد النووي حاليًّا، بحسب الدكتورة عصمت، بريطانيا وكوريا واليابان وذلك لبنائها العديد من المفاعلات النووية السلمية لسد احتياجها من الكهرباء، وتوقعت أن تعود الولايات المتحدة للصدارة خلال السنوات المقبلة، بعد عودتها مؤخرًا لبناء المفاعلات النووية من جديد.

ما هو الأمان النووي؟

تشرح العالمة المصرية معنى مصطلح الأمان النووي موضحة ان كل محطة نووية تحتاج إلى توافر معدلات الأمان بها، لضمان أن الإشعاعات التي تخرج من المحطة لن تسبب أي ضرر للبيئة الموجودة حولها، أو على أقل تقدير ستسبب ضرر بسيط لا يصل إلى حد الكارثة مثلما حدث في انفجار مفاعل تشيرنوبل فتقول: “قضيت حياتي كلها في العمل في توفير الأمان في المفاعلات النووية”.

وبالنسبة للعمل النووي في الدول العربية، كانت مصر من أوائل الدول التي عملت على تطوير نفسها في المجال النووي، حيث أنشأت الحكومة المصرية مركز أنشاص النووى البحثي عام 1958 فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

مشروع الضبعة

وقّعت مصر وروسيا في شهر نوفمبر عام 2017 الاتفاقية النهائية لإنشاء محطة طاقة نووية سلمية لإنتاج الكهرباء في منطقة الضبعة بقدرة 4800 ميجاواط، وتتولى تنفيذ المشروع شركة روساتوم الروسية، ويتم بناء 4 مفاعلات نووية سيتم تشغيل أولها قريبا.

محطة الضبعة النووية

كانت عصمت واحدة ضمن فريق مركز الأمان النووي الذي ووفقا لشرحها المبسط، المسئول عن إعطاء التراخيص لإنشاء المحطات والمفاعلات النووية، حيث بحثت عصمت مع الروس وعملت معهم يدا بيد في المشروع ووضعت له كل ما يلزم لتحقيق الأمان النووي في المفاعلات.

لماذا تشعر الناس بالخوف من المفاعلات النووية؟

يرتبط الحديث عن المحطات النووية برعب المواطنين، ما ترجعه عصمت إلى مخاوف تكرار ما حدث لمفاعل تشيرنوبل، قائلة: “يجب على هيئة الرقابة النووية ومركز البحوث النووي توعية الناس بأهمية بناء المحطات النووية لاستخدامها في الأغراض السلمية، والتأكيد على أن هذه المحطات تتوفر لها جميع معاملات الأمان قبل حتى بناءها”.

وأضافت: “أمان المفاعلات النووية يزيد مع مرور الوقت وتقدم العلم، فيصبح الأمر أقل خطرًا، فنحن نعمل على وجود أمان ذاتي بالمفاعل النووي، لأنه عندما يحدث انشطار نووي تزيد حرارة المفاعل، وهنا تتدخل خاصية الأمان الذاتي الذي يقلل من التفاعلات النووية سريعًا أوتوماتيكيًّا حتى تهدأ الحرارة، ولا ينفجر المفاعل”.

مصر والإمارات الأوائل في مجال الطاقة النووية

أشارت عصمت إلى وجود عامل أمان مهم عمل عليه العلماء لسنوات طويلة وهو تقليل تدخل العامل البشري خلال عمل المفاعلات النووية، وذلك لأن معظم الحوادث الكبرى في المفاعلات النووية حدثت بسبب أخطاء بشرية، مشيرة إلى أن التحدي الآن أن يكون العمل في المفاعلات النووية الحديثة دون أي تدخل بشري لتقليل نسبة المخاطر.

وعن الدول العربية المتقدمة في المجال النووي، تقول عالمة الطاقة الذرية إن مصر متقدمة على نطاق الدول العربية، وهذا بالرغم من إن الإمارات خطت خطى واسعة في هذا المجال، وبدأت محطاتها النووية في التشغيل بالفعل، مشيرة إلى أن الفارق بين البلدين يكمن في استعانة الإمارات بالخبرات الكورية في إنشاء مفاعلاتها النووية، في حين استطاعت مصر بالمشاركة في بناء مفاعلاتها بأيادي علماء مصريين لديهم خبرة واسعة في مجال الطاقة النووية.

ربما يعجبك أيضا