العراقية إنعام كجه جي.. الكتابة تداوي الفوضى الروحية

شيرين صبحي

"لكن البلاد تبقى عزيزة على قلوب أبنائها مهما تدهورت أحوالها. ليت البلاد تبقى نشيدًا وأحلامًا فحسب. ليت بغداد ظلت نشيدًا وليت شمل الأحباب يلتصق بمادة أقوى من المصادفات والأقدار والنوايا الطيبة، فلا يفترقون.


سجلت الروائية العراقية إنعام كجه جي، في رواياتها معاناة الأزمة العراقية منذ حصار العراق في عام 1990، فضلا عن الاحتلال الأمريكي للبلاد في 2003.

لولا الحروب والاحتلال الأمريكي للعراق والفوضى، لما أصبحت إنعام التي ظلت طوال 40 عامًا مكتفيةً بعملها كصحفية “روائية”، إلا أن الهزة التي أصابت بلدها جعلتها تشعر أن من حقها الصراخ، وأن تعبر بصرختها الخاصة عما يحدث.

صور متتابعة للوطن

807782 جابريل جارسيا ماركيز

الكاتب جابريل جارسيا ماركيز

إنعام كجه جي، روائية وإعلامية عراقية، تقيم في فرنسا منذ عام 1979، وفي بداية وجودها بفرنسا، سنحت لها فرصة الالتقاء بالروائي جابريل جارسيا ماركيز، وطلبت منه مقابلة، فأخرج من جيبه قائمة فيها 37 صحفيًا طلبوا منه مقابلات، عندها أدركت أن إجراء الحوار غير ممكن، لكن في اليوم التالي اتصل بها ودعاها إلى الفطور، قائلًا: “ربما تتساءلين عن سر اختيارك وتجاوز الأسماء السابقة، والإجابة لأنك من العراق”.

إنعام سألت ماركيز عن كيفية وصوله إلى العالمية رغم أنه من بلد بعيد، ليرد: “ربما تكتبين بأسلوب محلي عن قرية في منطقة نائية في بلادك، وهذا يوصلك إلى العالمية، فالعالم يريد أن يعرف التجارب البعيدة والمختلفة”، ظلت الكلمات راسخةً في ذهنها، وبعد غزو العراق وجدت في الرواية “مرهمًا لمداواة الفوضى الروحية التي ألمّت بي، وأردت أن أرسم صورًا متتابعة لوطن عرفته معافى، وأراه على سرير العجز والتفتت”.

العراق لم يغادرها

15a33a6c afc6 44a4 8532 8ca9276f6cb5

الكاتبة العراقية إنعام كجه جي

الحروب أجبرت الناس على مغادرة العراق، لكن كجه تقول إن من يهاجر يشعر دائمًا بنوع من تأنيب الضمير، وكأنه سلخ عن المكان الذي يطيب له العيش فيه، “فالعراق لم يغادرني، بل بقي معي”، وكتبت كجه بعد أن تجاوز عمرها 50 عامًا، عندما تأتي بعض المشاهد في الرواية كنت أفكر هل اتذكرها أم لا؟ وعندما سألت زوجي هل من المناسب التطرق لشيء معين أم لا؟، فرد قائلًا: “بعد هذا العمر قررت أن تكتبي رواية، فإما أن تقولي ما تريدين أو ليس من داع للكتابة”.

ليس لدي كجه طقوس خاصة بالكتابة، تقول في حوار  سابق لصحيفة البيان: “أنا منشغلة بالكتابة والأعمال المنزلية، في آن معًا، كأي ربة منزل أو أم، وبذلك ليس لدي أي طقس، والطقس الوحيد الذي أتمناه هو أن يتوفر لي الوقت من العمل في الصحافة، كي أنجز أعمالي الروائية، فأنام وأصحو مع روايتي.. وعندما أحصر نفسي بشهرين أو ثلاثة للكتابة عادةً أنجز الكتاب”.

مخاوف الشخصية العراقية

227785 روايات إنعام كجه جى

أعمال إنعام كجه جي

تسرد أعمال إنعام كجه جي، المعاناة العراقية وصياغة تاريخ العراق لحقبة تمتد لقرن من الزمان، وتستعيد حركات النهوض الوطني من أجل التحرر من هيمنة الاستعمار وسيطرة الإمبريالية.

“-بغداد فيها أوبرا؟

-فيها كل شيء

-ماذا فيها أكثر من باريس؟

-دجلة ومليون نخلة وأمي”.

تبرز رواية النبيذة حالات الخوف التى أحاطت بالشخصية العراقية عبر عدة عصور وعلى امتداد أجيال مختلفة، وتدور الرواية حول تاج الملوك عبد المجيد، المولودة في إيران، وتعيش في العراق، تتلمس أولى خطواتها نحو عالم الصحافة، حتى تطلق إحدى المجلات بدعم من القصر الملكي، الأمر الذي فتح لها الباب على عوالم جديدة.

الصحافة جمعت إنعام بشخصيات سياسية نافذة، وأتاحت لها فرصة معايشة لحظات مفصلية في تاريخ العراق، بالإضافة إلى كل ذلك تعيش قصة حب فريدة مع الفلسطيني منصور البادي، الذي عانى مرارة الهجرة القسرية إثر هزيمة 1948 وشد رحاله نحو بغداد بحثًا عن أفق جديد.

التعايش بين الأديان

download 22

رواية سواقي القلوب

في روايتها “سواقي القلوب”، تقدم شخصية العراقي المعذَب بالحنين إلى وطنه في منفاه الباريسي، والذي يعود إلى بلاده في زيارة عبر سيارة من الحدود الأردنية فترة الحصار بعد حرب الخليج وغزو صدام حسين للكويت،وحين يتفحصه ضابط الحدود يكون حاقدًا عليه كونه أفلت من سنوات المعاناة والتعاسة التى عاشها العراق تحت الحصار.

وتتحدث في روايتها “طشارى”، عن التعايش بين الأديان والطوائف والمذاهب في العراق، البطلة طبيبة مسيحية من الموصل، تعمل في مدينة الديوانية لمدة 20  سنة دون أن تشعر بأنها خارج بيتها وأهلها، وترفض أن تهاجر مع الأطباء الذين تعرضوا للاغتيال بعد الغزو أو المسيحيين الذين واجهوا تهديدات، لكنها في سن 80 تخرج إلى فرنسا بعد هجرة أبنائها وعدم قدرتها على البقاء وحيدة في بلد صار طاردًا للنساء والأقليات.

ذكريات وأشجان المكان

تروي “الحفيدة الأمريكية”، التي رشحت لجائزة البوكر للرواية العربية، قصة فتاة عراقية الأصل أمريكية الجنسية، تلتحق مترجمة بالجيش الأميركي يوم احتلاله للعراق.

وسبق لوالد الفتاة أن فر هاربًا من القمع، وعندما تعود إلى بلدها للعمل كمترجمة مع الجيش المحتل، يوقظ فيها المكان ذكريات وأشجان، ظنت أنها نسيتها، ما يدفعها لمواجهة ذاتها وإعادة ترتيب أولوياتها من جديد.

ربما يعجبك أيضا