ما سر صمود الروبل الروسي أمام العقوبات الغربية؟

رنا أسامة

من أقوى التكتيكات التي استخدمتها روسيا لدعم عُملتها، بحسب فورتشن، المطالبة بمدفوعات صادرات النفط والغاز بالروبل


استهدفت العقوبات الغربية على روسيا تقويض اقتصادها، و أضرّت بعُملتها بشدة لفترة من الوقت. وفقد الروبل قُرابة 20% من قيمته في الأسابيع الأولى من الحرب في أوكرانيا.

لكن الروبل تعافى منذ ذلك الحين إلى حدٍ كبير، ,عوّض الخسائر التي تكبّدها من جراء الحرب والعقوبات التي تلتها. الأمر الذي فاجأ خبراء توقّعوا انهيار العُملة الروسية باستمرار الحرب التي بدأها الرئيس فلاديمير بوتين، بحسب مجلة فورتشن الأمريكية.

لماذا لم تنهار العملة الروسية؟

الروبل الروسي

توقع معهد التمويل الدولي انكماش الاقتصاد الروسي بما يصل إلى 15% هذا العام، في وقت خفّضت فيه وكالات التصنيف العالمية الديون الروسية إلى درجة “عالية المخاطر”، وسط احتمالات بتعثّر وشيك أمام روسيا. هذه النظرة التشاؤمية قد تقود عادة في النهاية إلى تهاوي قيمة العملة الروسية، لكن الروبل أثبت أنه مرن.

وفي لقاء على قناة “إن بي سي” الأمريكية يوم 3 أبريل 2022، عزا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، السبب الرئيس وراء انتعاش الروبل مؤخرًا إلى “التلاعب” الروسي، لا سيّما بعد منع الحكومة الروسية مواطنيها من تحويل أي أموال للخارج، ضمن حزمة إجراءات طارئة لدعم اقتصادها المُنهك من العقوبات.

دفعة مُصطنعة

قال بلينكين إن منع الروس من تحويل أي أموال للخارج يمنح دفعة مُصطنعة، ليست مُستدامة، لقيمة العملة الروسية. الأمر الذي يُرجّح أن يطرأ تغييرًا على وضع العملة الروسية، مُشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تشديد العقوبات لسد الثغرات التي سمحت للروبل بالارتفاع، وفق فورتشن.

وأشارت فورتشن في هذا الصدد إلى أن البنك المركزي الروسي بذل كل ما في وسعه لدعم قيمة الروبل منذ بدء الحرب، من رفع قياسي لسعر الفائدة، إلى إجبار المصدرين على مبادلة 80% من عائداتهم من العملات الأجنبية بالروبل، لكن الأمر ليس “أكثر من مجرد تلاعب”، مُرجحة “استمرار الروبل في الانخفاض، ما لم يتوقف إطلاق النار في أوكرانيا”.

مدفوعات النفط والغاز.. كلمة السر

مدفوعات النفط بالروبل 1

من أقوى التكتيكات التي استخدمتها روسيا لدعم عُملتها، بحسب فورتشن، المطالبة بمدفوعات صادرات النفط والغاز بالروبل. وقال كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كاتبيتال إيكونوميكس، وهي شركة أبحاث في لندن، ويليام جاكسون، “طالما ظلت أسعار الطاقة مرتفعة، واحتفظت روسيا بمعظم عملائها من مُشتري النفط والغاز، من المرجح أن يستمر ارتفاع الروبل”.

وفي حين رفض عديد من القادة الأوروبيين هذا الطلب واستمروا في الدفع باليورو أو بالدولار، حرصت دول أخرى على اقتناص صادرات الطاقة الروسية بسعر مخفض، مثل الهند التي زادت وارداتها من النفط الروسي كثيرًا، وقالت وزيرة المالية الهندية، نيرمالا سيترامان، في حدث لشبكة “سي إن بي سي” الأمريكية يوم 8 أبريل: “أمن الطاقة يأتي أولًا. إذا كان الوقود متوفرًا بسعر مخفض، فِلم لا نشتريه؟ لقد بدأنا في الشراء وتلقينا عددًا لا بأس به من براميل النفط الروسي. وسنواصل ذلك”.

قطع وارادات الطاقة الروسية.. هل ممكن؟

بدوره، أوصى الأستاذ المساعد في الاقتصاد بجامعة ريدينج ببريطانيا، ألكسندر ميهايلوف، الساسة بضرورة الاستماع إلى خبراء الاقتصاد والكف فورًا عن استيراد السلع الروسية. وقال لـ فورتشن: “إذا فعلوا ذلك، سيفقد الروبل قيمته بسرعة، ما سيكون له آثار مدمرة على الاقتصاد الروسي”. لكن الحديث عن قطع واردات الطاقة الروسية أسهل من تنفيذه.

وكانت روسيا أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي عالميًا في عام 2021، وثاني أكبر مُصدّر للنفط الخام، بحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية. وتمدّ أوروبا بقُرابة 40% من الغاز الطبيعي. وفق فورتشن، لا يمكن إيقاف هذه التدفقات بين عشية وضحاها، ما يعني أن الروبل سيستمر في تلقي الدعم من مبيعات النفط والغاز. وتوقعت وكالة بلومبرج الأسبوع الماضي أن تجني روسيا هذا العام وحده نحو 321 مليار دولار من صادراتها من الطاقة.

“معيار ذهبي” روسي قصير الأجل

الدهب في روسيا

في 25 مارس الماضي، اتخذت موسكو خطوة مهمة لدعم عُملتها، بشراء ذهب من البنوك بسعر ثابت قدره 5 آلاف روبل أي ما يعادل 61 دولارًا للجرام الواحد. وقال ألكسندر ميهايلوف إن هذه الخطوة خلقت فعليًّا سعر صرف قائم على الذهب بسعر 81 روبل للدولار الواحد، ودعمت العملة الروسية لبعض الوقت.

ويعتقد أن الارتباط بين الروبل والذهب يهدف إلى نقل القوة والمصداقية من الذهب رمز الاستقرار إلى العُملة الروسية، لكن المشكلة، وفق ميهايلوف، أنه إذا استمرت روسيا في سياسة استبدال الروبل بالذهب، بسعر 5 آلاف روبل للجرام الواحد، قد ينتهي بها الأمر في وضع صعب. قد يندفع المستثمرون لسحب الذهب من البنك المركزي، ما يُحدث بلبلة شديدة في النظام المالي الروسي.

ضوابط روسية وانخفاض تداول الروبل

في مواجهة العقوبات الغربية، فرضت روسيا أيضًا قيودا على حركة الأموال إلى ما وصفته بالدول “غير الصديقة”، وحظرت على المستثمرين الأجانب بيع الأسهم الروسية. غير أن هذه الضوابط الصارمة على رأس المال شكّك خبراء في قدرة أسواق العملات على تسعير الروبل تسعيرًا فاعلًا، خصوصًا مع عدم وجود حجم تداول كبير في العملات الأجنبية.

قال الخبير في “تورنتو دومينيون بنك” بلندن، كريستيان ماجيو، لـ بلومبرج في 7 أبريل: “إنه أمر مُصطنع تمامًا. من ثم يجب منح القليل جدًا من المصداقية له”. وأضاف: “لا أحد تقريبًا بإمكانه تداول الروبل، أولئك الذين يتداولونه بالفعل يتداولونه عند مستويات مختلفة عما تذكره الشاشات”.

تداول الروبل scaled

عاودت العملة الروسية الارتفاع بثبات مؤخرًا، وصل في 8 أبريل إلى 71 روبل للدولار، وهو رقم قياسي منذ خريف 2021، و77 روبل لليورو في أعلى مستوى منذ يونيو 2020. لكن بلومبرج أشارت إلى أن ضوابط رأس المال الروسية أدت إلى انخفاض في أحجام تداول الروبل إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقد.

وقال آرون شوارتزباوم، من معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، إن “سعر الروبل مقابل الدولار لا يمكن الوثوق به مؤشرًا لكيفية تأثير العقوبات على روسيا”.

ربما يعجبك أيضا