العقيدة البحرية الروسية الجديدة.. بين الطموحات والواقع

آية سيد
عقيدة بحرية

تكشف العقيدة البحرية الجديدة معتقدات بوتين بأن القدرة البحرية محورية لبقاء روسيا قوة عظمى، لكن توجد فجوة كبيرة بين الطموحات والقدرات.


في يوم البحرية الروسية، الذي وافق 31 يوليو الماضي، أعلن الكرملين عن موافقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على عقيدة بحرية روسية جديدة.

وعلى الرغم من أن هذه العقيدة الجديدة تركز أكثر على الصعوبات البحرية التي تواجهها موسكو، فإن الباحث في شؤون القوات البحرية والأمن البحري، نيك تشايلدز، يرى أنها لا تزال تحتوي على العديد من عيوب العقيدة السابقة، مثل الفشل في معالجة كيف ستحقق روسيا طموحاتها البحرية.

العقيدة البحرية الجديدة                        

يقول تشايلدز، في مقال نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في 2 سبتمبر 2022، إن العقيدة الجديدة تغطي كل جوانب النهج الروسي تجاه المجال البحري، من الأمن إلى الاقتصاد والعلوم، إلا أنه مقارنة بعقيدة 2015، فإن العقيدة الجديدة أكثر صراحةً في ما يتعلق بما تعده موسكو تهديدات رئيسة لمصالحها البحرية.

وبحسب الباحث في شؤون القوات البحرية والأمن البحري، تتمثل التحديات الرئيسة في “الطموحات البحرية العالمية” للولايات المتحدة الأمريكية، وأنشطة حلف شمال الأطلسي، (الناتو)، بالقرب من روسيا وفي البحر، بالإضافة إلى زيادة الوجود البحري الأجنبي في القطب الشمالي وجهود إضعاف سيطرة روسيا على طريق بحر الشمال.

الأولويات الإقليمية

من ناحية الأولويات الإقليمية للأنشطة البحرية الروسية، يشير تشايلدز إلى أن العقيدة الجديدة تعيد ترتيب هذه الأولويات، ليتراجع الأطلنطي من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثالثة على القائمة. ويصبح القطب الشمالي هو الأولوية الأولى، مع الوعد بتعزيز قدرات الأسطول الشمالي وأسطول الباسيفيك ردًّا على التهديدات في المنطقة.

وبحسب تشايلدز، فإن هذا سيعزز التصور في كثير من العواصم بأن التوترات في القطب الشمالي ستتصاعد. ويأتي الباسيفيك في المرتبة الثانية في قائمة الأولويات، نظرًا للوجود الجغرافي لروسيا هناك ومصلحتها المتزايدة في المنطقة. ويلفت تشايلدز إلى أن العقيدة الجديدة تمنح تركيزًا متزايدًا للمحيط الهندي، وتوجد إشارة إلى الوجود البحري لموسكو في الخليج، وتعاون مع الهند، وإيران، والسعودية وغيرها.

تعزيز القدرات

يذكر تشايلدز أنه توجد تعزيزات لقدرات البحرية الروسية قيد التنفيذ، خاصة للأسطول الشمالي وأسطول الباسيفيك. وتتحدث العقيدة الجديدة عن زيادة قدرة بناء السفن وغيرها من التحسينات في البنية التحتية في الشرق الأقصى. ولكن، بحسب تشايلدز، سيكون من الصعب تحقيق ذلك.

ويجري هذا لأن النشاط البحري لموسكو في الباسيفيك في الفترة الأخيرة كشف عن بعض نقاط الضعف النسبية في القدرات البحرية الروسية، مثل مواصلة الاعتماد على بعض المنصات السوفيتية القديمة، ولعله كشف أيضًا عن حدود التعاون المحتمل مع الصين، والتي غابت عن العقيدة الجديدة.

الفجوة بين الطموحات والقدرات

يقول تشايلدز إن هذه العقيدة الجديدة تكشف معتقدات بوتين بأن القدرة البحرية محورية لبقاء روسيا قوة عظمى، ما يجعلها متفقة مع النصوص الحديثة الأخرى عن الاستراتيجية البحرية الروسية، ولكن الفجوة الكبيرة بين الطموحات والقدرات كانت مشكلة طويلة الأمد للكرملين، ومثلما تشير العقيدة نفسها، تمضي القوى الأخرى قدمًا في تطوير قدراتها، ما يعني أن روسيا قد تواجه خطر التأخر أكثر.

ووفق تشايلدز، تحدد العقيدة بعض نقاط الضعف البحرية لروسيا، مثل نقص البنية التحتية الداعمة بالخارج، وضعف الأسطول التجاري، وصناعة بناء السفن التي تحتاج إلى قدر كبير من التحديث، ولكن لا يبدو أنه يوجد تغيير كبير في أي من هذه الجبهات المتباينة.

الحرب الروسية الأوكرانية

قدمت الحرب الروسية الأوكرانية رسائل متناقضة حول القوة الحقيقية للقدرات البحرية الروسية وإمكانية دعمها لهذه العقيدة. ويذكر تشايلدز أن مصير الطراد موسكفا يعد تذكيرًا مناسبًا بأن مخزون الأسطول من سفن السطح الكبيرة يتكون أساسًا من منصات سوفيتية قديمة، لا ترتقي إلى مستوى متطلبات القتال البحري الحديث.

وعلى الجانب الآخر، استطاعت البحرية الروسية فرض درجة من حرمان الوصول البحري والحصار على أوكرانيا، وربما حتى ردعت التدخل البحري الأجنبي. ولكن هذا جاء ببعض التكلفة على البحرية الروسية، ولم يسر كما كان مخططًا له، وأنه كان موجهًا ضد خصم ضعيف بحريًّا أيضًا.

صواريخ كروز للهجوم البري

يقول تشايلدز: “يبدو أن توظيف البحرية الروسية لصواريخ كروز للهجوم البري LACMs حقق نجاحًا نسبيًّا، إلا أن تحقيقها للهدف المنشود بإضعاف المقاومة الأوكرانية أمر مختلف”. ونظرًا إلى حجم المخزون الموجود من صواريخ كروز للهجوم البري بصفتها قدرة بحرية جديدة ومهمة، قد يدفع هذا القادة الروس إلى التوقف للتفكير. وفي خطاب يوم البحرية، أعلن بوتين الوصول الوشيك لقدرة فرط صوتية للأسطول.

ويختتم تشايلدز بأن كل ما سبق لا ينبغي أن ينتقص من حقيقة أن موسكو لا تزال تملك بعض القدرات البحرية القوية، مثل الغواصات، إلا أن الأداء العام للجيش الروسي في أوكرانيا، بما فيه البحرية، قد يثير الشكوك حول كفاءة بعض عناصره، ما يعزز الاعتقاد بأن قدرة البحرية على دعم العقيدة الجديدة قد لا ترتقي إلى ما تصوره مؤلفوها.

 

 

ربما يعجبك أيضا