العنف يتصاعد في مالي.. ما علاقة «فاجنر» الروسية؟

آية سيد
مجموعة فاجنر في مالي

يلفت محللون إلى تنامي العنف العشوائي ضد المدنيين في مالي وازدياد قوة المتطرفين المرتبطين بتنظيمي القاعدة وداعش.


أشار تقرير لوكالة “أسوشيتد برس“، أمس السبت 14 يناير 2023، إلى مخاوف مفاقمة الوجود الروسي بدولة مالي لعدم الاستقرار بالمنطقة المضطربة أصلًا.

وكان مئات المرتزقة من مجموعة “فاجنر” الروسية وصلوا إلى الدولة الواقعة غربي إفريقيا منذ عام، لمساعدة المجلس العسكري الحاكم في القضاء على تمرد المتطرفين الإسلامويين، إلا أن وتيرة العنف ضد المدنيين تصاعدت منذ ذلك الحين.

مجموعة فاجنر

تأسست مجموعة فاجنر في مايو 2014 على يد المليونير الروسي، يفجيني بريجوزين، الذي تجمعه علاقات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ولعبت المجموعة دورًا في ضم شبه جزيرة القرم، وفي تعزيز قوة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد.

وفي 2017، اتجهت المجموعة إلى إفريقيا، وزاد نشاطها في السنوات الأخيرة في دول مثل السودان وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى. وكذلك يشارك مقاتلو فاجنر في الحرب الروسية الأوكرانية.

التواجد الروسي في مالي

يشير تقرير “أسوشيتد برس” إلى أن الجيش المالي استولى على السلطة في انقلابين عسكريين بداية من 2020. ومنذ ذلك الحين، كانت علاقات المجلس العسكري، بقيادة الكولونيل أسيمي جويتا، مع المجتمع الدولي متوترة.

وفي 2013، أرسلت فرنسا قوات إلى مالي لمساعدة مستعمرتها السابقة في طرد المسلحين الإسلامويين من المناطق الشمالية، لكنها سحبتهم في أغسطس الماضي في ظل توتر العلاقات، وتنامي المشاعر المناهضة لفرنسا بين المواطنين.

ويقول الغرب إن باماكو تتجه إلى موسكو من أجل توفير الأمن، على الرغم من أن المجلس العسكري المالي يقول إنه استدعى فقط مدربين عسكريين.

نفي حكومي

في نقاش بمجلس الأمن، يوم الثلاثاء الماضي 11 يناير، رفضت مساعدة السفير الروسي، آنا إيفستيجنيفا، محاولات “تشويه” المساعدات الروسية لدولة مالي التي تمتلك روسيا اتفاقية ثنائية معها لمساعدة الحكومة الانتقالية. لكنها لم تأتِ على ذكر مجموعة فاجنر، وفق ما تشير إليه “أسوشيتد برس”.

ومن جهته، أصر رئيس الاتصالات بالمجلس العسكري المالي، ألاسان مايجا، على أن مجموعة فاجنر لا تعمل في مالي. وعند سؤاله عن الهجمات على المدنيين، قال: “ينفذ الجيش مهام الحماية والأمن في إطار احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”.

مهمة صعبة

يلفت دبلوماسيون ومحللون وجماعات حقوقية إلى تنامي العنف العشوائي ضد المدنيين، وازدياد قوة المتطرفين المرتبطين بتنظيمي القاعدة وداعش منذ وصول مرتزقة فاجنر إلى مالي، وفق “أسوشيتد برس”.

ووفق تقرير لمركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأمريكية، نشرت مجموعة فاجنر ما يصل إلى 1000 مقاتل في مالي، وتحصل على 11 مليون دولار تقريبًا في الشهر مقابل تقديم الأمن والتدريب. ولكن قوات فاجنر تصارع لتحقيق مكاسب كبيرة، في ظل ارتفاع العنف الجهادي.

وحسب التقرير، نفذت جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة أكثر من 90 هجومًا ضد المدنيين والجيش، خلال موسم الأمطار (بين يونيو وسبتمبر) الذي ينحسر فيه القتال، مقارنة بـ6 هجمات في نفس الفترة من العام السابق. ونفذت جماعة مرتبطة بتنظيم داعش هجومًا على ثكنة في أغسطس الماضي، أسفر عن مقتل 42 جنديًّا ماليًّا على الأقل.

قتل المدنيين

حسب مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه، التابع لمنظمة غير حكومية معنية بجمع بيانات الصراعات وتحليلها، لقي أكثر من ألفي مدني مقتلهم في مالي منذ ديسمبر 2021، مقارنة بـ500 في العام السابق. وتشير البيانات إلى أن ثلث وفيات العام الماضي كان نتيجة هجمات شاركت فيها مجموعة فاجنر.

وفي هذا الشأن، قال الزميل بالمركز الأطلنطي ومدير البرامج العالمية بمجموعة “14 نورث استراتيجيز” الاستشارية، مايكل شوركين، لـ”أسوشيتد برس”: “إنهم يقتلون المدنيين، ووجودهم في حد ذاته يمنح القوات المالية ضوءًا أخضر ليستبيحوهم كيفما سمحت أهواؤهم”.

انتهاكات حقوق الإنسان

قالت منظمة هيومان رايتس ووتش إن جيش مالي وقوات أجنبية تبدو روسية، اعتقلت وقتلت نحو 300 رجل في بلدة مورا، في شهر مارس الماضي، حسب ما نقلت “أسوشيتد برس”، وبدا بعضهم من المتطرفين الإسلامويين، لكن معظمهم كان مدنيًّا. وأفادت وزارة دفاع مالي بحادثة مماثلة في ذلك الوقت، لكنها قالت إنها “قتلت 203 إرهابيين واعتقلت 51 آخرين”.

وفي هذا الصدد، قالت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، عن مرتزقة فاجنر: “توجد تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي يعملون بها. ونحن قلقون من أنهم ليسوا مهتمين بسلامة وأمن شعب مالي، وإنما بإثراء أنفسهم وسلب خيرات البلاد”، لافتة إلى أنهم يفاقمون وضع الإرهاب هناك.

وتحذر الجماعات الحقوقية من أن هذه الانتهاكات تساعد المتطرفين في الاستفادة من المظالم الشعبية، واستخدامها كأداة للتجنيد.

تعزيز الأنظمة الاستبدادية

في تعليق لوكالة “أسوشيتد برس”، قال الزميل بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، المركز البحثي البريطاني المتخصص في الدفاع والأمن، صامويل راماني، إن روسيا ليست جديرة بالثقة في مجال مكافحة الإرهاب في إفريقيا أو بوجه عام. وأوضح: “ما رأيناه تكرارًا هو أن روسيا وقوات فاجنر، أفضل في تعزيز قبضة الأنظمة الاستبدادية في السلطة من مكافحة المتمردين والجماعات الإرهابية”.

ويتهم الماليون الجيش والجنود البيض الذين يعملون معه بالاعتقالات التعسفية للمدنيين، ومعظمهم من عرق الفولاني الذي تستهدفه قوات الأمن بنحو متزايد، للاشتباه في دعمه للمسلحين الإسلامويين.

قوات حفظ السلام

ظل الآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي لما يقارب العقد، لحماية المدنيين من العنف، ولكن حكومة باماكو قيدت قدرتهم على العمل، وأعلنت دول مثل بنين وألمانيا والسويد وساحل العاج وبريطانيا سحب قواتها، وفق ما نقلت “أسوشيتد برس” عن مجموعة الأزمات الدولية.

وفي هذا السياق، لفتت نولاند إلى أن مجموعة فاجنر شجعت المجلس العسكري في باماكو، على منع وصول قوات حفظ السلام إلى المناطق التي يملكون فيها صلاحية التحقيق في الانتهاكات. وقالت إن الأمن “يزداد صعوبة في ظل تولي مقاتلي فاجنر وغيرهم دورًا أكبر في البلاد، وضغطهم على قوات حفظ السلام”.

عودة الاستقرار

يخشى الكثير من السكان المحليين أن شيئًا لن يتغير حتى تتشكل حكومة جديدة، عقب الانتخابات المقررة في فبراير 2024. وفي هذا الإطار، قال سيدو دياوارا، وهو زعيم إحدى جماعات المعارضة: “يعود الأمر إلى الماليين في اختيار الخطوات التي ينبغي اتباعها لعودة السلام إلى مالي”.

وأضاف الزعيم المعارض أن ممارسة المجتمع الدولي للقوة والضغط على الجيش، من شأنها أن “تفاقم الوضع الأمني والإنساني”، وفق التقرير.

ربما يعجبك أيضا