الغرب بصدد إرسال دبابات إلى أوكرانيا.. هل يتغير شكل الحرب ضد روسيا؟

محمد النحاس

كمًا ونوعًا يزداد الدعم الغربي المقدم لأوكرانيا، فما تأثيره في سير المعارك؟ وهل ستمنح ألمانيا والولايات المتحدة دبابات لكييف؟ وكيف سيرد الروس؟


وضعت ألمانيا شرطًا لإرسال دباباتها لدعم أوكرانيا ضد قوات روسيا، وسط مطالبات مستمرة من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

ويلاحظ المتابع للحرب في أوكرانيا، أن واشنطن وحلفاءها الغربيين باتوا يتجاوزون “الخطوط الحمراء” في النزاع مع روسيا، واحدًا تلو الآخر، وآخرها الحديث عن إرسال دبابات إلى كييف.. فما شرط ألمانيا؟ وتداعيات تلك الخطوة على مستقبل النزاع إذا ما حدثت؟

شرط ألماني

اشترطت ألمانيا إرسال الولايات المتحدة دبابات أبرامز إلى أوكرانيا، حتى تسمح بإرسال الدبابة الألمانية ليوبارد2، وهي دبابة ألمانية الصنع، أبدت عدة دول أوروبية استعدادها لإمداد أوكرانيا بها، غير أن الخطوة تستلزم موافقة ألمانية.

وتخشى ألمانيا أن تسليم الأوكرانيين هذه الدبابات، قد يدفع ببرلين مباشرة في الحرب، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال“، أول من أمس الأربعاء 18 يناير 2023. ويرفض 43% من الألمان إرسال دبابات ألمانية الصنع إلى ميدان القتال في أوكرانيا، وفقًا لمعهد يوجوف.

دراسة زيادة التسليح

يبدو إذًا أن برلين وضعت الكرة في ملعب الولايات المتحدة. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تدرس واشنطن في الوقت الحالي إرسال أسلحة هجومية إلى أوكرانيا تمكن كييف من العمل على استرداد شبه جزيرة القرم، التي سيطر عليها الروس عام 2014.

ورغم أن الولايات المتحدة شددت مرارًا على أن القرم جزء لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية، التزمت نهجًا متشددًا عند الحديث عن استعادة شبه الجزيرة، ولم تبدِ تحمسًا لإرسال أسلحة هجومية تساعد أوكرانيا على استعادة القرم، فما الذي تغير؟

لماذا تغير الموقف الأمريكي؟

حسب تقرير “نيويورك تايمز”، توصلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى أنه إذا ما استطاعت القوات الأوكرانية إيصال رسالة إلى الروس، مفادها أن سيطرة الكرملين على شبه الجزيرة قد تكون مهددة، فإن من شأن هذه الخطوة تحسين الموقف التفاوضي لكييف مستقبلًا.

وعلاوةً على ذلك، بدأت مخاوف شن الروس ضربة نووية على أوكرانيا تتراجع، ما حفز الدعم الغربي، رغم أن الخطر لا يزال قائمًا، وفقًا للتقرير.

استعداد أوروبي وحذر ألماني

لن تسمح برلين بإرسال دبابات ليوبارد ألمانية الصنع إلا بموافقتها. وكانت بولندا وفلندا، والدنمارك، أبدت استعدادًا لإرسال هذه الدبابات.

 ويعتبر هذا الطراز، وفق المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، من الأكثر تطورًا في العالم، ويمتلك حلف شمال الأطلنطي (ناتو) 2000 دبابة من هذا الطراز.

تجاوز القيود

رغم أن الأحاديث الأمريكية الرسمية ما زالت متحفظة إلى حد ما، في ما يتعلق بدعم أوكرانيا لاستعادة القرم، تبدي هذه النقاشات كيف تغير الموقف الأمريكي منذ بدء الحرب وحتى اللحظة، وكيف تجاوزت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو قيود التسليح واحدًا تلو الآخر.

ففي بداية الصراع، كانت الولايات المتحدة مترددة في الإعلان صراحةً عن تقديمها صواريخ، ستينجر، وجافلينز، وأخيرًا وبعد 11 شهرًا من القتال المتواصل، تمد الولايات المتحدة أوكرانيا بأسلحة متنوعة تصل إلى المركبات القتالية، وقد أقرت أخيرًا نهاية العام الماضي، إرسال منظومة باتريوت الدفاعية الصاروخية.

ماذا عن الدبابات الأمريكية؟

قال مسؤولون بالبنتاجون إن تشغيل دبابات أبرامز معقد، ولن تتمكن الولايات المتحدة من إرسالها بسبب صعوبات لوجيستية، وذلك رغم استعدادها لإرسال حزم مساعدات تقدر بـ2.5 مليار دولار فبراير المقبل، من بينها مركبات برادلي وصواريخ هيمارس، ومدرعات سترايكر.

وكانت كييف تضغط بشدة، حسب تقرير لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، من أجل إرسال صواريخ “أتاكمز” بعيدة المدى، التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر، ما يعني إمكانية استهداف العمق الروسي وليس فقط القرم.

لكن لم توافق الولايات المتحدة حتى اللحظة، ومن غير المتوقع أن تضم حزمة المساعدات القادمة الصواريخ بعيدة المدى أو مركبات أبرامز2، وليس واضحًا بعد إذا ما كانت مركبات برادلي ضمن الحزمة. وقد أعلنت عزمها تسليم هذه المركبات لأوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر، وهي مدرعات قتالية سريعة وعملية وذات كفاءة عالية في القتال الميداني.

بريطانيا وخطوة للأمام

كان الرئيس البولندي أندريه دودا، أبدى استعداد بلاده لإرسال دبابات ليوبارد، لكن تتطلب هذه الخطوة موافقة ألمانية. وحسب “سي إن إن” تبدو الولايات المتحدة التي كانت في طليعة الدول التي قدمت مساعدات لأوكرانيا، أكثر حذرًا من الأوروبيين.

ومن جهتها، قالت بريطانيا إنها سترسل 14 دبابة من طراز “تشالنجر2” إلى أوكرانيا. ورغم تقليل خبراء مقربين من الكرملين من أهمية الخطوة، وفاعلية هذا العدد، يرى محللون أن الخطوة تمثل “تجاوزًا للمحظور”، ويرى البعض أنها تأتي للضغط على ألمانيا والولايات المتحدة.

وكانت فرنسا أعلنت عزمها إرسال دبابات إلى أوكرانيا، في خطوة مماثلة للخطوة البريطانية.

مطالب أوكرانية

التقى هذا الأسبوع، مسؤولون عسكريون أوكرانيون رفيعو المستوى مع نظرائهم من الولايات المتحدة في بولندا، وأوضحوا “الحاجة العسكرية الملحة لأوكرانيا”. وحسب “بلومبرج”، تضغط دول غربية على ألمانيا لإرسال دبابات ليوبارد.

وينعقد اليوم الجمعة اجتماع لمجموعة كونتاكت الأوكرانية، التي تضم دولًا ومنظمات مساندة لكييف، في رامشتاين بألمانيا، لمناقشة المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ومنذ بدء الحرب، كانت كييف تطلب من دول الناتو إمدادها بـ1% من الدبابات التي يمتلكها الحلف، لكن دول الحلف لم تتعامل مع هذه المطالب بجديّة آنذاك.  

ولكن بالنظر إلى التطور في مستوى التسليح كمًّا ونوعًا، يبدو احتمال تقديم الدبابات إلى أوكرانيا مطروحًا، خاصةً مع تدفقات السلاح الغربي، ما مكن كييف من شن هجوم مضاد ناجح إلى حد كبير، سبتمبر الماضي.

كيف رد الروس؟

في المقابل، يشدد الروس على أن الأسلحة الغربية هي أهداف مشروعة، وأنهم يعتبرونها دليلًا على خوض روسيا حربًا ضد دول الناتو، وتأكيدًا على تورط الغرب في النزاع.

وعلق السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، بأن الولايات المتحدة تتورط في النزاع على نحو متزايد، مشددًا على حق موسكو في الرد على “النهج المتشدد الذي تتبناه واشنطن في التعامل مع قضية شبه جزيرة القرم”، وكذلك اتهم واشنطن بـ”تشجيع كييف على شن ضربات إرهابية ضد القرم”.

تكثيف المساعدات العسكرية

يرى خبير الشؤون الاستراتيجية، حازم الضمور، أن المعطيات الميدانية، لم ترجح كفة أي من الجانبين حتى اللحظة، لذلك يعمل الغرب على تكثيف المساعدات العسكرية، لتمكين الأوكرانيين من هزيمة الروس، لكن ما يزيد من تعقيد المشهد، أن الروس لن يتنازلوا عن المقطاعات التي ضمها الكرملين العام الماضي.

وردًّا على سؤال شبكة رؤية الإخبارية عن إمكانية استعادة القرم، يرى الضمور أنه من غير المحتمل سيطرة الأوكرانيين على شبه الجزيرة بفعل المساعدات الغربية، وأشار إلى أن الخطوة تتطلب “إمدادًا لوجسيتيًّا هائلًا”، للعمل على إدامة التقدم العسكري، وهو أمر عسير التنفيذ دون انخراط غربي مباشر في النزاع.

فرض واقع جديد

يتابع الضمور بأن “الأسلحة النوعية التي يطرح الغرب تقديمها، تدل على الرغبة في رؤية أوكرانيا تحقق انتصارات ميدانية، والإصرار على دعم كييف لإجبار الروس على الانسحاب أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات”.

وتدرك روسيا هذا التصاعد في معدل المساعدات العسكرية، وتراهن على الحفاظ على الوضع الراهن ومحاولة السيطرة على مزيد من الأراضي، واستنزاف القوات الأوكرانية، ومن ثم فرض جمود ميداني يعقبه وقف لإطلاق النار، لتتغير بذلك الحقائق الميدانية على الأرض، وفقًا للضمور.

ربما يعجبك أيضا