الغوطة الشرقية.. صفقة روسية لصالح الأسد تنتظر رضوخ دوما

أسماء حمدي

كتبت – دعاء عبدالنبي 

أوضاع إنسانية كارثية، وقصف عنيف متواصل دفع بسقوط الغوطة الشرقية في قبضة روسيا لصالح النظام السوري، بعد اتفاق إجلاء المدنيين والمُسلحين من مدن الغوطة الشرقية لمحافظة إدلب، لتخلو الغوطة من المُسلحين عدا دوما التي لا يزال “جيش الإسلام” صامدًا فيها أمام سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها روسيا للسيطرة على الغوطة لصالح النظام، وسط تسريبات عن تحول المعارك للجنوب السوري في “ما بعد الغوطة الشرقة”.

قصف دامي وهدنة مُخترقة

في حملة دامية شنها النظام السوري لاستعادة الغوطة الشرقية، آخر معاقل المعارضة السورية قرب دمشق، أطلقت قوات الأسد أكثر من 260 صاروخًا، فيما شن الطيران غارات كثيفة على عدد من بلدات الغوطة الشرقية، كما عزز الجيش السوري مواقعه المحيطة بالمنطقة، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

وتباعًا قام الطيران الروسي بإلقاء البراميل المتفجرة والقنابل الحارقة على الغوطة الشرقية، في مشهد وصفته الأمم المتحدة بـ “جحيم تحت الأرض”.

ومع استمرار القصف العنيف، أصدر مجلس الأمن الدولي بالاجماع قرارًا يطالب بوقف إنساني لإطلاق النار في سوريا لمدة 30 يومًا، لكن في اليوم التالي شنت قوات النظام هجومًا صاروخيًا ومدفعيًا في مناطق المعارضة، وسط شكوك حيال استخدام النظام لأسلحة كيميائية.

ومع التنديد الدولي، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”هدنة إنسانية يومية” اعتبارًا من 27 فبراير خاصة في الغوطة الشرقية، لكن في اليوم التالي، قصف طيران النظام ومدفعيته الغوطة مجددًا.

من جانبها، سعت الأمم المتحدة لإدخال مساعداتها للغوطة الشرقية، ولكنها لم تتمكن من تسلميها بشكل كامل بسبب القصف في دوما.

ومن هنا تمكنت تمكنت قوات النظام من عزل دوما عن بقية الغوطة الشرقية، وبالتالي تقسيم المنطقة إلى ثلاثة أجزاء: دوما ومحيطها شمالًا تحت سيطرة “جيش الإسلام”، حرستا غربًا حيث “حركة تحرير الشام”، وبقية المدن والبلدات جنوبًا ويسيطر عليها فصيل “فيلق الرحمن” مع تواجد محدود لعناصر “هيئة فتح الشام”.

وفي منتصف مارس، استعادت قوات النظام السيطرة بشكل شبه كامل على حمورية ومحيطها بعد فرار نحو 20 ألف مدني، ما دفع الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة الغوطة الشرقية لتهنئة جنوده على ما حققوه من انتصارات.

نزوح وعمليات إجلاء

وبعد خمسة أسابيع من بدء الهجوم العنيف على الغوطة الشرقية، توصلت روسيا تباعًا مع فصيلي “حركة أحرار الشام” في مدينة حرستا ثم “فيلق الرحمن” في جنوب الغوطة الشرقية، إلى اتفاقين تم بموجبهما إجلاء ألاف المقاتلين والمدنيين إلى منطقة إدلب.

وتضمن الاتفاق البدء بإخراج الجرحى والمرضى إلى خارج الغوطة عن طريق الهلال الأحمر، وعدم ملاحقتهم بعد تماثلهم للشفاء، وتخييرهم بين العودة إلى الغوطة أو الخروج إلى الشمال السوري.

وبموجب الاتفاق، يتعاقب خروج المسلحين وأسرهم من مدن الغوطة الشرقية باستثناء دوما، التي لم تسفر المفاوضات بين قوات الحكومة ومسلحي “جيش الإسلام” فيها عن أي اتفاق حتى الآن.

ومن جانبه، أعلن قائد فصيل جيش الإسلام ، عصام بويضاني، بقاء مُسلحيه في الغوطة الشرقية ورفضه الخروج منها، داعيًا فصائل الجنوب السوري للتحرك لنصرة الغوطة، لينفي ما تداوله الإعلام الروسي عن استعداد جيش الإسلام لتسليم أسلحته والخروج منها.

وبحسب المصادر الميدانية، فمن المتوقع أن تصل حافلات المهجرين إلى المخيمات الحدودية في محافظة إدلب قرب الحدود السورية التركية، وسط أوضاع إنسانية صعبة يعاني منها المدنيين بسبب قلة المياه والغذاء.

ووفقا لآخر الإحصائيات التي نقلتها الصحف والمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تم نقل 7 ألاف شخص من حرستا الأسبوع الماضي ، وخروج 1092 مدنيًا من مدينة دوما، ونزوح الألاف  من السوريين جراء القصف العنيف، ليصل العدد الإجمالي للأشخاص الذين خرجوا من الغوطة الشرقية بمساعدة مركز المصالحة الروسية منذ بداية الهدنة 113715 شخصًا.

سياسة الأرض المحروقة

بدا واضحًا أن سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها نظام الأسد، وتكثيف القوات الروسية قصفها لبلدات الغوطة الشرقية، كانت من الأسباب التي أدت لإبرام اتفاقات مع روسيا لضمان سلامة المدنيين وإنهاء معاناة السكان.

فكانت البداية بهجوم واسع النطاق وتضييق الخناق، ومن ثم إعطاء الضوء الأخضر للمسلحين ليغادروا بحرية لمناطق أخرى في سوريا، مع ترك أسلحتهم الثقيلة بهدف تعجيل السيطرة على الغوطة الشرقية.

ومع الاتفاق الروسي الأخير، بدأت عمليات خروج المدنيين والمُسلحين وعوائلهم من مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية ، بينما لا تزال مدينة دوما آخر معقل للمعارضة السورية صامدة أمام محاولات روسيا لعقد صفقة مع “جيش الإسلام” تقتضي بموجبها ترك أسلحتهم وخروجهم من الغوطة.

ومع اقتراب السيطرة الغوطة الشرقية تتجه الأنظار إلى الجنوب السوري، حيث يتجه النظام لشن معاركه في درعا جنوبي البلاد بدعم روسي، رغم شمول مناطق الجنوب باتفاق خفض التصعيد ، ومن أجل ذلك ظهرت عناصر تابعة لتنظيم داعش  في درعا وسط تلويح لمسؤولي النظام باحتمال إلغاء اتفاق خفض التصعيد لشن حملات روسية وسورية في الجنوب السوري الذي يُعد مطمعًا أكبر لإيران التي تسعى لاستخدامها كورقة ضغط ضد إسرائيل.

   

ربما يعجبك أيضا