«المجلس الأطلسي»: كيف عززت الدبلوماسية الدفاعية مكانة تركيا دوليًّا؟

بسام عباس

تركيا تثبت نفسها كقوة فريدة وتستخدم القوة الصلبة كعملة عالمية مشتركة، في حين عززت الدبلوماسية الدفاعية النفوذ الجيوسياسي للبلاد


قال الكاتب كين مورياسو إن تركيا حرصت على إظهار أنها دولة معتدلة تستحق الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولم تستخدم أدوات نفوذها بالكامل.

وأضاف، في تقرير نشرته مجلة الدفاع التابعة للمجلس الأطلسي أن تركيا دولة أوروبية وآسيوية وشرق أوسطية وبلقانية وقوقازية في آنٍ، وهي دولة ساحلية على البحر الأسود، مشددًا على أن جغرافيتها الاستراتيجية تمنحها مزايا فريدة لا تتمتع بها دولة أخرى.

القوة الصلبة

في تقريره، أوضح مورياسو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدأ الاستفادة من هذه المزايا، حتى لو كان بانتهاج سياسة “حافة الهاوية” الصريحة، مشيرًا إلى تهديده بمنع دخول السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مستشهدًا بقوانين البلدين المتساهلة تجاه المنظمات، التي تصنفها أنقرة إرهابية.

وأضاف أن ثقة تركيا الجديدة تستند على القوة الصارمة، فبعد سنوات من محاولة تحديد هوية للبلاد، أصبح أردوغان يعتقد أنه يستطيع الحصول على كل شيء، فالقوة الصلبة هي عملة مشتركة تتجاوز الحدود الحضارية، ويرغب فيها الجميع، وكذلك فإن الدبلوماسية الدفاعية عززت النفوذ الجيوسياسي للبلاد.

يحقق ما يرغب فيه

ذكر مورياسو أن أردوغان، في عام 2022، حقق رغبته في بناء “البيت التركي”، الذي بلغت كلفته 300 مليون دولار أمريكي، وهو مبنى مكون من 35 طابقًا، يضم جميع المكاتب التابعة للحكومة التركية في نيويورك.

وأضاف أن البيت زاره 13 زعيمًا، بما في ذلك زعماء من اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة، وعددًا من السيدات الأوائل، و56 وزير خارجية في غضون 4 أيام، وفقًا لوسائل إعلام تركية، لافتًا إلى أن أردوغان فشل في جذب نظيره الأمريكي، جو بايدن، إلى المبنى.

الحرب تجذب أمريكا

أوضح الكاتب أن المقترحات بشأن إمكانية عقد قمة بين الولايات المتحدة وتركيا، استمرت حتى اللحظة الأخيرة، وقال إنه على العكس من رفض البيت الأبيض هذه المقترحات في عام 2021، أصبح الآن يرى تركيا من منظور مختلف، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

 وأضاف أنه في صباح أحد أيام أكتوبر 2021، اجتمع كبار مسؤولي الاستخبارات والجيش والدبلوماسيين في البيت الأبيض، لعقد اجتماع عاجل مع بايدن، بعد أن كشفت صور الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخبارية استعداد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شن هجوم على أوكرانيا.

تركيا تدخل على الخط

أفاد مورياسو بأن بايدن كان مصممًا على ردع بوتين أو مواجهته، وأن الولايات المتحدة يجب ألا تتصرف بمفردها، وأنه بحاجة إلى تشكيل جبهة موحدة مع الحلفاء والشركاء لمواجهة بوتين، إلا أن مصداقية الولايات المتحدة كانت على المحك بعد حرب العراق عام 2003، وهنا برزت تركيا في الصورة.

أضاف أن البيت الأبيض بدأ التواصل مع أنقرة باستمرار، وتحدث مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، عبر الهاتف مع نظيره، إبراهيم كالين، في 19 نوفمبر 2021، ولإقناع حلفائه وشركائه بنيّة بوتين، احتاج البيت الأبيض إلى مصدر آخر لتأكيد روايته، وهو تركيا، فهي قوة إقليمية ذات ثقل كبير، ولديها علاقات جيدة مع جميع الأطراف.

الطائرات المسيرة التركية

أشار الكاتب إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لاحظت كيف غيّرت الطائرات المسيرة، التي قدمتها تركيا، ساحة المعركة في ناجورنو كاراباخ، حين حققت أذربيجان انتصارًا حاسمًا في نوفمبر 2020، بفضل تلك الطائرات، التي اخترقت الدفاعات الجوية الأرمينية، وقضت على مئات الدبابات والمركبات.

طائرة بيرقدار التركية المسيرة scaled

طائرة بيرقدار التركية المسيرة

ولفت إلى أن الطائرات المسيرة، التي قدمتها تركيا لأوكرانيا، لعبت دورًا حاسمًا في الدفاع ضد التقدم الروسي، ويُعتقد أيضًا أن الطائرة “بيرقدار تي بي 2” ساعدت في إغراق طراد الصواريخ الروسي “موسكفا” في البحر الأسود، وأدرك البنتاجون أن سيطرة تركيا على مضيق البوسفور والدردنيل يشكل مصدر ضغط كبير ضد الروس.

مبيعات دفاعية أخرى

أوضح مورياسو أن شركة “بايكار” التركية المصنعة للطائرات المسيرة وصلت مبيعاتها إلى أكثر من 20 دولة، لافتًا إلى أن مبيعات تركيا الدفاعية لم تقتصر على الطائرات المسيرة فقط، فالشركة التركية لصناعات الفضاء باعت مروحيات هجومية للفلبين، في حين اشترت باكستان 4 طرادات من شركة “أصفات” مقابل مليار دولار.

%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%A9 %D8%A3%D8%AA%D8%A7%D9%83 %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9

مروحيات عسكرية تركية

ووفقًا للكاتب، وصف مطلعون سياسيون أتراك الصناعة الدفاعية بأنها أحد أهم الدوافع لتواصلها الدبلوماسي، وأنها أحد الأسباب التي تجعل دولًا أخرى تطرق أبواب 300 موقع دبلوماسي للبلاد في جميع أنحاء العالم، في حين يقول مسؤولون أتراك إنهم أرسلوا بالفعل ممثلين عن الصناعة الدفاعية للبلاد إلى أكثر من 9 سفارات.

79 210953 karachi turkish pakistani security defense issues 3

تدشين فرقاطة عسكرية تركية لصالح الجيش الباكستاني

ليست الدولة الوحيدة

أفاد الكاتب بأن تركيا لم تكن الدولة الوحيدة، التي تعترف بقوة التعاون الدفاعي، فالصين أدركت أيضًا أنها بحاجة إلى تعميق العلاقات الدفاعية مع الدول الصديقة، لتستطيع منافسة الولايات المتحدة، وبحسب منطق الصين، فالعلاقات الأمنية التركية المتنامية مع دول العالم ستكون لبنات بناء لأنقرة، لتعزيز قوتها الوطنية.

ونقل مورياسو عن عميد معهد العلاقات الدولية الحديثة بجامعة تشينجهوا، يان زويتونج، قوله إن الشيء الوحيد الذي لا يمكن للصين أن تتنافس فيه مع الولايات المتحدة، هو شبكة علاقاتها بأنحاء العالم، فلديها أكثر من 70 حليفًا، في حين أن الصين لديها صداقات مع باكستان وكوريا الشمالية، ولا يمكننا أن نسميهما حليفين استراتيجيين كاملين.

ربما يعجبك أيضا