4 مراسلي حرب يروون لـ«رؤية» تجاربهم مع الموت في الميدان

ياسمين سعد
المراسل الحربي خلال تغطية أماكن النزاع

كان عبدالجابر يضع كفنه ووصيته داخل حقيبة سفره، وذلك في كل مرة يذهب لتغطية منطقة جديدة من مناطق النزاع حول العالم


أعاد استشهاد المراسلة الصحفية الفلسطينية، شيرين أبوعاقلة، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، للأذهان مخاطر المحيطة بعمل المراسل الحربي.

وعلى الرغم من أن الصحفية الراحلة كانت حريصة على اتخاذ احتياطات السلامة القميص الواقي والخوذة المميزان للصحفيين، لكن ذلك لم يشفع أمام الرصاصة الغادرة التي اخترقت رأسها، وتستعرض شبكة رؤية الإخبارية قصص 4 مراسلين حربيين في الميدان.

لمياء راضي.. دقائق فصلتها عن الموت

منذ تخرجها في العام 1980، سعت لمياء راضي للعمل في الصحافة، فالتحقت في العام 1982 بجريدة السياسة كمراسلة لدى الأمم المتحدة، ولكن ظل حلمها الأكبر هو العمل كمراسلة لوكالة الأخبار الفرنسية.

وتخصصت لمياء في تغطية شؤون الجماعات الإسلامية، وقررت أن تكمل رسالتها فسافرت السودان لتغطية الحرب بين الشمال والجنوب، وعملت أيضًا على تغطية منازعات إريتريا وإثيوبيا، ومناطق النزاع بلبنان وليبيا وسوريا وفلسطين، وزامنت حرب العراق الصعبة.

WhatsApp Image 2022 05 21 at 9.54.45 AM

بين الموت والحياة

شعرت لمياء بالموت يقف أمامها عندما كانت تعمل في إريتريا، بعد ذهابها مع بعثة الصحفيين والإعلاميين لتغطية حدث استرداد أرض إريترية من القوات الإثيوبية، ليبدأ قصف إثيوبي للمكان، وتجد لمياء نفسها معزولة تمامًا تقف بجانب حائط لا تستطيع اللحاق بزملائها الذين سارعوا إلى الفرار، فظنت أن لا نجاة اليوم من الموت.

وحاول الصحفيون العودة مرة أخرى من أجل إنقاذ لمياء، وبعد انتشالها بدقيقتين شاهدت لمياء قذيفة إثيوبية تدمر الحائط الذي كانت تقف بجانبه، فحفرت هذه اللحظة في قلبها، دقيقتان فقط فصلت بينها وبين موت محقق.

WhatsApp Image 2022 05 21 at 9.54.45 AM1

الموت في أعين طفل صغير

ذهبت لمياء راضي إلى مشرحة خان يونس لتغطي واقعة مقتل أسرة فلسطينية بأكملها كانت تركب عربة “كارو” في طريق زيارة عائلتهم، لكن الحصان الذي يجر العربة سار فوق أحد الألغام، ولم تنس لمياء مشهد وقوف الابن الصغير وهو يرى أشلاء عائلته قائلة: “الولد مكنش بيعيط ولا بينطق، قبل الحادث تشاجر مع والدته ونزل من العربية وجرى بعيدًا، فكان مصيره أن يراهم أمامه أشلاء، هذا الموقف سكت فيه الكلام، موقف صعب جدا”.

طارق عبدالجابر .. المراسل الحربي بالصدفة

“كان معكم طارق عبدالجابر من فلسطين المحتلة”.. لطالما ترددت هذه الجملة بصوته المميز داخل البيوت العربية التي تابعت أحداث القضية الفلسطينية، يلقب طارق عبدالجابر نفسه بـ”مراسل الصدفة”، فلم يكن ينتوي العمل كمراسل حربي، وكان يسعى  للعمل كمذيع في التليفزيون المصري لكنه فوجئ برفضه بسبب لون بشرته الأسمر.

وبعد تلك الواقعة، قرر عبدالجابر أن يكون واحدا من أشهر مراسلي التليفزيون المصري وهو ما حدث بالفعل، بعد اختياره عام 1988 ليكون المراسل الحربي لمصر في البلقان، ثم انتقل بعدها لتغطية أحداث النزاعات في أكثر من بلد منها البوسنة والهرسك، وإريتريا، ورواندا، والصومال، وفلسطين وغيرها.

f471fd862ca1ef0687a675b57585c3c0

وصيته داخل حقيبة سفره

كان عبدالجابر يضع كفنه ووصيته داخل حقيبة سفره، وذلك في كل مرة يذهب لتغطية منطقة جديدة من مناطق النزاع حول العالم، خصوصًا أنه تعرض خلال عمله لأكثر من محاولة اغتيال كادت تودي بحياته. وخلال تواجده في فلسطين، ضربت قوات الاحتلال الإسرائيلي السيارة التي كان يتنقل بها بعد مغادرته لها بثوان معدودة… هذه الثواني كتبت له عمرًا جديدًا.

وروى عبدالجابر كواليس عمل المراسل من داخل الأراضي المحتلة وطبيعة علاقته بقوات الاحتلال، قائلا: “عندما نغطي أي منطقة نتواصل مع قوات الاحتلال، ونرسل إليهم إخطارًا بأماكننا، وبالتالي هم يعلمون جيدًا أين نقف”، ولذلك يرى أن قوات الاحتلال كانت على علم بمكان شيرين أبوعاقلة في جنين، وكانت هدفًا مقصودًا لهم، ما اعتبره “جريمة دولية”.

tarek abdel gaber

رواندا البلد الأكثر خطورة

يوضح عبدالجابر أن من أصعب المواقف التي واجهته خلال عمله هي محاولة اغتياله عندما كان ذاهبًا لإجراء حوار مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، إضافة إلى محاولة اغتياله في نابلس ورواندا وزئير، مشددًا على أن فلسطين لم تكن أخطر مكان عمل به، بل كانت رواندا البلد الأكثر خطورة.

وعن هذا يقول عبد الجابر: “كنت أرى جثث الناس تتساقط فوقنا من السماء في رواندا، وكنا نرى التماسيح وهي تأكلهم.. رأيت الذبح بعيني في البوسنة والهرسك، فقبل ذلك كنت أراه في الأفلام فقط، لكن شاهدته يحدث مباشرة في مذبحة البوسنة والهرسك، وهذا كله غيّر مفهومي عن الإنسانية”.

صفاء صالح .. تتمنى أن تعود جثتها قطعة واحدة

روت المراسلة الحربية، صفاء صالح، تجربتها لـ”شبكة رؤية الإخبارية” قائلة إنها لم تخطط لأن تصبح مراسلة حربية، لكن هذا كان التطور الطبيعي لصحفيي التحقيقات الذي يبحث بطبيعته في جميع محافظات بلده عن تغطية الموضوعات المهمة. وكانت تغطيتها لأحداث ثورة 25 يناير بوابتها لتغطية الحروب والنزاعات، فاستطاعت العبور إلى عمق ليبيا وقت الثورة أيضًا.

وأول خطورة واجهتها صفاء كانت في العام 2014، عندما تغيرت الأيدولوجيات الليبية، وسيطرت الجماعات المسلحة، حتى أنها أصبحت الصحفية العربية الوحيدة الموجودة هناك، وكان يوجد قيود كبيرة خصوصًا في مدينة بنغازي، التي منع دخول الصحفيين إليها، وتعرض صحفي للقتل أمام جريدته لأنه كان معارضًا.

المراسلة الحربية صفاء صالح

النجاة من قبضة داعش

لم تكن هذه الواقعة الوحيدة التي تعرضت فيها صفاء للخطر، بل تحكي عن واقعة في مدينة سنجار العراقية، عندما جرى استدراجها لتدخل إلى منطقة تحت ولاية تنظيم داعش تمهيدًا لاغتيالها، لكن أنقذها توقيف كمين لها، ليعيدها زعيم أحد العشائر إلى مدينة بعيدة عن قبضة التنظيم.

مشهد آخر لن تنساه صفاء، عند استهداف صحفي بالعراق كان تسير خلفه كدليل لها، ولكن فجأة رأته يتحول إلى أشلاء في ثوان معدودة، بعد استهداف ميليشيات داعش له بقذيفة، ففي هذه اللحظة شعرت صفاء أنها كان من الممكن أن تموت لولا لحظات فصلت بينها وبين الصاروخ.

أفغانستان تكره الصحفيين

مثلت أفغانستان أيضًا محطة أخرى صعبة في حياة صفاء المهنية، فحركة طالبان كانت تكره الصحفيين في المطلق، لكنها تكره السيدات خصوصًا، بحسب صفاء.

وتروي الصحفية المصرية أن أحد مقاتلي طالبان استهدافها ورفع السلاح أمام وجهها في محاولة لقتلها، لولا أن أنقدها تصريحها بالتصوير في الشارع كصحفية دولية، وعندما سألت صفاء مقاتل طالبان لماذا هددها بالقتل قال لها: “استفزني أنني أرى لأول مرة سيدة تسير وسط المقاتلين”.

المراسلة الحربية صفاء صالح على أرض الميدان

سوق الجواري وتفاصيل صادمة

من أصعب القصص التي أثرت في المراسلة صفاء صالح سفرها إلى سنجار العراقية، لاستكشاف حقيقة وجود سوق للجواري من الإيزيديات، لتجد أن عناصر داعش استخدموا تطبيق تيليجرام وحولوه إلى سوق للجواري بينهم، وأن ما يحدث على أرض الواقع أبشع كثيرًا من الخيال.

وانتابت صفاء نوبة اكتئاب عندما شاهدت ما سجلته من حوارات مع النساء اللاتي عدن إلى سنجار، قائلة: “النساء اللاتي جرى إنقاذهن ورجعن إلى سنجار كنّ يتعرضن للخطف، وخضعن للعلاج النفسي، لهذا قابلتهم بسرية تامة عن طريق التواصل مع المسؤول عن إنقاذهن، وبالرغم من أن هذا التحقيق حصلت فيه على جائزة الجامعة العربية للتميز الإعلامي، وجائزة سمير قصير، فإنه كان الأصعب بالنسبة لي”.

وأضافت: “عندما شاهدت ما قمت بتصويره وجدت أن شغف المهنة جردني من مشاعري في هذه اللحظات، واستدرجت النساء لكي يروين لي تفاصيل اغتصابهن، وكيف جرى الاعتداء عليهن أمام أبنائهن، فبكيت بكاءً شديدًا، كيف سألتهم عن كل هذا وضغطت عليهم؟ فقبل سفري كنت أظن أن ما قيل مبالغات، لكن الواقع كان مأساة”.

أحمد حسن .. إذا سقط صحفيًّا سيأتي آخر من الظل يحل مكانه

كانت رحلة المراسل الحربي ومدرب الصحافة الحربية وإدارة المخاطر، أحمد حسن، إلى مناطق النزاعات حول العالم مختلفة عن الجميع، فالأمر بالنسبة له جاء تلقائيًّا، بعد أن شارك في تغطية أحداث ثورة 25 يناير في مصر، ثم تطور الأمر ليغطي أماكن النزاعات في ليبيا وسوريا والعراق.

المراسل الحربي أحمد حسن

ويقول أحمد لـ”شبكة رؤية الإخبارية” إن العمل في ليبيا والعراق وسوريا، لم يكن جيدًا، بسبب الخروقات الأمنية والتقصير في حماية الصحفيين، حتى أن تعرض للقصف المدفعي وكاد أن يموت، “عشت وقتها في قلق شديد لعدم ثقتي في الحماية التي ترافق الصحفيين، فلم يكونوا محترفين، بل كنت في بعض الأحيان أتدخل، وأخبرهم بما علينا فعله، خصوصًا في ليبيا”.

المراسل الحربي أحمد حسن خلال تغطيته لأماكن النزاعات

مواجهة الموت في أثناء تحرير الفلوجة

واجه أحمد الموت عند حصن الصقلاوية فى الفلوجة بمحافظة الأنبار، خلال عملية تحرير الفلوجة من تنظيم داعش، وتعرض لإطلاق نار مباشر بسبب ارتدائه ملابس سوداء مدنية مختلفة عن الملابس العسكرية للجنود، فظن المقاتلون الدواعش إنه قيادي كبيرة يتفقد الجبهة.

ويقول حسن: “سارع داعش لإطلاق النار تجاهي وكنت وقتها فى أقرب نقطة إليهم، وحاصرونى بالرصاص وطلقات الآر بى جي، وكان الخطأ من ضابط المخابرات العسكرية الذى كان يرافقني، فلم يوضح لي منذ البداية أننا اقتربنا من آخر الحصون التى تبعد عن مواقع داعش بعشرات الأمتار فقط، وهى مسافة قصيرة جداً بالنسبة لمنطقة صدام عسكرى”.

ربما يعجبك أيضا