“المستشارة الحديدية”.. هل تواجه تهديدًا حقيقيًا أم غيمة صيف عابرة؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تواجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكبر أزمة في حياتها السياسية، مع انهيار محادثات تشكيل الائتلاف الحكومي مع الليبراليين والخضر، هذه الأزمة تهدد مسيرة ميركل على رأس هرم السلطة في ألمانيا والمستمرة منذ 12 عاما بالانتهاء في حال قرر الرئيس الدعوة إلى انتخابات جديدة مبكرة وإعفاء مستشارة تصريف الأعمال.

لعبت ميركل طوال مسيرتها على رأس الحكومة الألمانية دورا فعالا تجاوز حدود دولتها إلى بروكسل، حيث يقال إنها مثل الحارس الأمين للاتحاد الأوروبي، فهي ساعدت منطقة اليورو على تجاوز أزمات مالية صعبة وتمكنت من إثبات مكانة بلادها اقتصاديا ولعبت دورا قويا في مواجهة النفوذ الروسي على الصعيد الدولي، لكنها اليوم قد ترحل لتخلق حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل بلادها ومنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي وحتى بشأن العقوبات المفروضة على روسيا إثر الأزمة الأوكرانية.

توقيت حرج 

يقول فران بورويل الباحث في المركز الأطلسي لـ”نيوزويك” في مقابلة تحت عنوان “إذا رحلت ميركل، من سيقف أمام بوتين؟”، غياب ميركل عن المشهد السياسي في حال حدث، سيكون له أثر بالغ لا سيما مع تزامنه مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهذا من شأنه أن يقوض التزام أوروبا بالعقوبات ضد موسكو من جهة، ويعرض إصلاح منطقة اليورو بعد أن بدأت تتعافى وتعود للنمو إلى صدمة كبرى.

وأضاف بعد فشل مفاوضات ميركل لتشكيل الائتلاف الحكومي بسبب وجود خلافات واسعة في وجهات النظر بين الأطراف المشاركة لاسيما فيما يتعلق بملف اللاجئين، ألمانيا لم يعد أمامها الكثير من الخيارات الجيدة معظم التوقعات تشير إلى تشكيل حكومة ألمانية ضعيفة وربما لم تخرج إلى النور قبل العام الجديد، وفي هذه الحالة ستتنازل ميركل عن قرارها الرافض لإدارة حكومة أقلية، وسيكون عليها الاستعداد لمزيد من المفاوضات حول الملفات الشائكة، وبالإضافة إلى ذلك هناك خيار أكثر تعقيدا اقترحه الرئيس فرانك شتاينماير والبوندستاج يرفضه، يفترض الدعوة إلى انتخابات جديدة.

ويرى بورويل أن احتمال فوز ميركل في حال تقرر عقد انتخابات جديدة وارد، إذ قد يقرر الناخبون دعمها كملاذ آمن، وسط الضبابية التي سادت مشهد الائتلاف الحكومي، والأهم من ذلك هو أن حزب ميركل ليس لديه خلفاء واضحين لها، ما يقلص فرضية استقالتها وخروجها من المشهد، مؤكدا هنا أن الناخبين حينما تخلو عن حزب الاتحاد الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة ربما قصدوا توجيه رسالة عنيفة اللهجة للمستشارة على خلفية سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها مع اللاجئين طوال الأعوام الأخيرة وكان لها أثر بالغ على المجتمع الألماني.
 
من جانبه قال سايمون جنكينز -في مقال نشر أخيرا في “الجارديان” تحت عنوان “أوروبا تبحث عن زعيم.. من سيصعد في حال رحلت ميركل؟- إن ألمانيا تتعرض لأزمة خطيرة تداعياتها تتجاوز حدودها، وذلك بالتزامن مع إصرار بريطانيا على الرحيل من الاتحاد، وفي حال رحيل المستشارة القوية من سيقود الاتحاد الأوروبي وألمانيا؟، سنحتاج إلى زعيم جديد قادر على صياغة معاهدة لأوروبا المستقبلية في مرحلة ما بعد “بريكست”، بالتأكيد لن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعدة عوامل أولها ثقته الزائدة بالنفس وقلة خبرته مقارنة بميركل.

ويضيف المقلق في المشهد هو تصاعد وتيرة صراع الهوية سواء في أسبانيا أو بولندا أو المجر أو جمهورية التشيك أو شمال إيطاليا، بالإضافة إلى هشاشة العلاقات بين بلدان الأوروبي أكثر من أي وقت مضى، وتصاعد الأزمات الاقتصادية في إيطاليا واليونان وإسبانيا، كل هذا يتطلب وجود خليفة لميركل لقيادة الاتحاد الأوروبي وسط عدم اكتراث لندن مع إصرارها على الخروج.

بداية انفراجة

يعود بنا مشهد اليوم إلى مرحلة ما قبل الحرب العالميّة الثانية، إذ كانت أخر مرّة أخفق فيها الألمان بتشكيل حكومتهم في عهد جمهوريّة فيمار “1919-1933″، وربما هذا ما دفع الرئيس الألمانيّ لوصف فشل محادثات الائتلاف الحكومي بـ”غير المسبوق في تاريخ الجمهوريّة الفيديرالية”، ودفعه بالأمس لدعوة زعماء التكتل المسيحي أنجيلا ميركل وهورست زيهوفر ورئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي مارتن شولتس إلى اجتماع طارئ بالقصر الرئاسي الإثنين المقبل لبحث أفق تشكيل حكومة ائتلافية تخرج البلاد من أزمتها، بحسب صحيفة “بيلد”.

وقالت الصحيفة الألمانية الشعبية، في عدد الجمعة، إن الاشتراكيين بدأوا يتوجهون رويدا نحو تعديل موقفهم الرافض للمشاركة في ائتلاف موسع مع التحالف المسيحي بزعامة ميركل، فسمعنا وزير العدل هايكو ماس، وهو من أحد الوجوه البارزة في الحزب أثناء حوار تلفزيوني الخميس، يؤكد أنه لا يمكن لحزبه “التصرف بعناد طفل صغير”، كما خرج رئيس الكتلة البرلمانية للحزب هوبيرتوس هايل ليعلن للصحيفيين ليل الجمعة، أن الحزب لن يصد باب المحادثات.

ربما ينهي اجتماع الرئيس الألماني مع ثلاثي ميركل و زيهوفر وشولتس الإثنين الأزمة، لتعلن ولادة الحكومة المنتظرة قبل العام الجديد، لتلتقط القارة العجوز أنفاسها، إذ لم تعد تتحمل أزمة جديدة قد تطرق أبوابها في حال رحلت عرابة الاتحاد عن السفينة.

ربما يعجبك أيضا