المسجد النبوي.. مدرسة الإسلام الأولى

أماني ربيع

"لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"، هكذا قال النبي في حديثه الشريف ولبى المسلمون نداءه شادّين الرحال إلى حيث صلى وسجد وخطب، مُتلمسين بعضا من  نفحات نبيهم المحبوب في المكان الذي يضم جسده الشريف بين جنباته.


لم يكن المسجد النبوي في يثرب التي أصبحت المدينة المنورة، مجرد مكان للصلاة، بل كان مقرًّا لقيادة المسلمين ومدرسة للعلم ومنبرًا للدعوة.

وخلال قرون شهد المسجد تجديدات وتوسيعات، أكبرها كان عام 2012 في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولا تزال التوسعات جارية على مراحل حتى اليوم، ليتمكن المسجد عند انتهائها من استيعاب نحو 1.8 مليون مصلٍّ في الوقت ذاته.

تحويل القبلة

نزلت الرسالة على النبي وهو في الأربعين من عُمره، وبعد سنوات من الدعوة إلى دين الإسلام سرًّا وجهرًا في مكة، واجه خلالها المسلمون أشد المعاناة والعذاب، هاجر النبي إلى المدينة المنورة وأصبح مسجده بسيط العمارة، نواة للحضارة الإسلامية ومدرسة لتعاليم الدين. وبجوار داره، بنى النبي وصحابته المسجد النبوي في العام الأول من الهجرة الذي يُوافق عام 632 الميلادي.

ويعد المسجد النبوي ثاني مساجد المدينة بعد “قباء”، وهو مبني من الحجارة والطوب اللبن وسقف من جريد النخل بطول 35 مترًا وعرض 30 مترًا، وانقسم 3 أقسام، قسم مُغطى للمصلين في الصفوف الأولى، وساحة مفتوحة، ومكان “أهل الصفة” من فقراء المهاجرين خلف المسجد. وبعد 17 شهرًا من الصلاة باتجاه المسجد الأقصى، تحولت القبلة إلى المسجد الحرام بعد نزول آيات من سورة البقرة تفيد ذلك.

رفع الأذان

صلى المسلمون دون أذان، في السنة الأولى من الهجرة، حتى رأى الصحابي عبدالله بن زيد رؤية حول الأذان، فأمره النبي بتلقين الأذان لبلال بن رباح، ليصبح أول مؤذن في الإسلام، وكان بلال يؤذن من سطح بيت قرب المسجد. أما أولى مآذن المسجد فأنشئت في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، ضمن توسعة أمر بها والي المدينة المنورة، عمر بن عبدالعزيز، الذي شيد 4 مآذن بأركانه الأربعة.

واليوم يُؤذن للصلاة من دكة المؤذنين “المكبرية” شمال المنبر. وتهفو القلوب عند زيارة المسجد النبوي إلى الصلاة في روضة النبي، التي وصفها قائلًا: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”، وتحمل قباب الروضة 8 أعمدة تسمى أساطين مبنية من جذوع النخل، وبعد قرون من التطوير أصبحت أعمدة حجرية منقوشًا عليها أسماؤها بلون ذهبي وسط خلفية خضراء.

أساطين الروضة الشريفة

سُميت أسطوانة الحرس باسم علي بن أبي طالب الذي كان يجلس أمامها بجوار باب رسول الله ليحرسه، ولاستقبال الوفود جلس النبي عند أسطوانة الوفود التي تحولت إلى مجلس قيادة جلس إليه الصحابة الكبار، وتوجد أيضًا أسطوانة مربعة القبر وأسطوانة التهجد التي صلى عندها النبي قيام الليل.

دُفن النبي بحجرة السيدة عائشة، وبعده دفن أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب في نفس الحجرة، وعند الجدار الغربي للمسجد يقع بقيع الغرقد، وهي مقابر أهل المدينة منذ عهد النبي، بها دفن مئات من صحابته، وبعدما كان مُحاطًا بالخيام والصحراء، أصبح اليوم في قلب مدينة عصرية فيها المستشفيات والمؤسسات الحكومية والطرق السريعة، والفنادق الفخمة لاستقبال زواره.

توسعة المسجد النبوي

a10cf4a5 08f0 4d57 9a30 923e6438cb63

مع تزايد عدد المسلمين عامًا بعد عام، وفي السنة السابعة من الهجرة بعد غزوة خيبر، اشترى عثمان بن عفان قطعة أرض لتوسعة المسجد، لتزيد مساحته من ألف و50 مترًا مربعًا إلى ألف و425 مترًا مربعًا، واستمرت عمليات توسعة المسجد في عهد الخلفاء الراشدين، مرورًا بعهد الأمويين والعباسيين والعثمانيين وصولًا إلى عهد آل سعود.

في عام 88 للهجرة تولى والي المدينة عمر بن عبد العزيز، توسعة المسجد بأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، لتصبح مساحته 6 آلاف و440 مترًا مربعًا، لكن توقفت التوسعة مع سقوط بغداد في أيدي المغول عام 656 هجرية.

وفي عهد السلطان العثماني سليمان القانوني عام 974، أصلحت القبة ووضعوا فوق المآذن والقباب أهلّة مصنوعة من النحاس المطلي بالذهب، وطليت القبة باللون الأخضر في عام 1228 هجرية من السلطان محمد الثاني.

التوسعة الكبرى للمسجد النبوي

في عام 1909 دخلته الكهرباء، ووصلت مساحة المسجد النبوي عام 1950 في عهد الملك عبد العزيز آل سعود إلى 16 ألفًا و327 مترًا مربعًا، وأصبحت فيه محطة للكهرباء، ومع تزايد أعداد الزائرين أضاف الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1973 نحو 35 ألف متر مربع للمسجد، مع وضع المراوح ومكبرات الصوت ومظلات وقاية المصلين من الشمس.

وشهد عهد الملك فهد بن عبدالعزيز وضع سلالم كهربائية عند 41 من أبواب المسجد التي زادت إلى 85 بابًا، فوقها آية من سورة الحجر “ادخلوها بسلامٍ آمنين”، وفي عام 2012 كان أكبر مشاريع توسعة المسجد بأمر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لتصل إلى ما يقرب من مليون و800 ألف متر بمساحة كلية ستصل إلى 1,020،500 متر مربع، مع 250 مظلة إضافية بتقنيات متطورة للحماية من الحرارة والأمطار.

القبة الخضراء

5656131 293135319

بداخل المسجد قبر الرسول وقبرا أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ومنازل زوجات النبي، والروضة الشريفة التي تبلغ مساحتها اليوم 330 مترًا مربعًا، ويُصلي فيها رواد المسجد تبركًا قبل زيارة قبر النبي.

وتعد القبة الخضراء من أهم معالم المسجد النبوي المميزة، وهي مبنية فوق قبر النبي والخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، منذ عهد السلطان المملوكي المصري المنصور سيف الدين قلاوون عام 1279. وتحت هذه القبة، قبة داخلية أصغر عليها اسم النبي وأبي بكر وعمر بن الخطاب.

مكتبة وقسم للمخطوطات

يحتوي المسجد على مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب والتسجيلات الصوتية لدروس وصلوات المسجد النبوي، وبها قسم لتجليد وترميم المجلدات والمخطوطات القديمة، وقاعة للمطالعة. وفي قسم المخطوطات تُوجد كتب ووثائق نادرة مُصنفة وفقًا لتاريخ نشرها، ومكتبة رقمية وقسم للترجمة.

وتدير المسجد النبوي، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، في حين أن خدمته يتولى شؤونها ورعايتها البلاط الملكي السعودي، ومن هنا جاء لقب ملك المملكة العربية السعودية بـ”خادم الحرمين الشريفين”.

ربما يعجبك أيضا