«واحة الغروب».. البحث عن الواحة والصحراء داخل الإنسان

يسير الضابط محمود عبدالظاهر، في طريقه إلى واحة سيوة في مهمة خطرة، كلفت من سبقوه حياتهم.

هذه المهمة هي عقاب للضابط لمشاركته في ثورة عرابي، فيقبل المهمة هربًا من إحساسه بالفشل، فالثورة التي أيدها انتهت بانتكاسة، وتجاذب الأمواج حياته العاطفية من كل اتجاه.. في هذه الرحلة نتعرف على أحداث “واحة الغروب”، أول رواية فائزة بجائزة البوكر العربية.

شعور بالخيانة

بهاء طاهر وروايته واحة الغروب

تدور أحداث الرواية في القرن الـ19، حول محمود الذي يعيش طفولة سعيدة، لم ينغصها إلا إفلاس والده التاجر، وهجرة شقيقه الوحيد سليمان إلى الشام، وتتوزع حياته بين النساء والخمر ومجالس الذكر ولقاءات جمال الدين الأفغاني.

محمود يصفه المؤلف بأنه “نصف طيب ونصف شرير. نصف وطني ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان. نصف مؤمن. نصف عاشق. دائمًا في منتصف شيء ما”.

يلتقي محمود بالإيرلندية كاترين في أثناء رحلتها السياحية إلى الصعيد، بعد معاناة من زواجها غير السعيد الذي انتهى بوفاة زوجها، فتجد في محمود تعويضًا عن إهمال الجسد، أما هو فيجد فيها عزاء عن مأساته الشخصية خلال أحداث الثورة، فهو يشعر أنه خائن، لأنه غيّر أقواله أمام المحقق حفاظًا على عمله، فيتنصل من الثوار، ويصفهم بالبغاة.

خطى الإسكندر الأكبر

يظل محمود متهمًا في نظر رؤسائه بالتعاطف مع الثورة، فيقررون إرساله إلى واحة سيوة لجلب الضرائب، ما يعرضه لخطر الهلاك على يد البدو الذين يكرهون كل من يأتي لشغل هذا المنصب.

في الرحلة التي أرادها محمود خلوة مع ذاته لمحاولة اكتشافها، تقرر زوجته المغرمة بالآثار أن تصاحبه فيها لتتبع خطى الإسكندر الأكبر، ولا يستطيع محمود ثنيها عن عزمها.

حروب الواحة

في الواحة نكتشف حربًا تؤججها فوارق طبقية بين السادة (الأجواد) والعبيد (الزجّالة)، وحرب أخرى من نوع خاص ضد الأرامل من النساء اللاتي يجب عزلهن بعد وفاة أزواجهن لعدة شهور خوفًا من اللعنة، إذ يعتقدون أن المرأة تتحول إلى “غولة”.

في الواحة نتعرف على الشيخ يحيى الذي يفشل في إنقاذ ابنة أخته الأرملة مليكة من الموت، فيقنع بزراعة الأعشاب الطبية، ويهرب إلى العزلة، والشيخ صابر الذي يحلم بتدمير أعدائه من قومه ومن المصريين جباة الضرائب، والعسكري إبراهيم الذي لا يزعجه غير عجزه عن توفير لقمة العيش لأحفاده الذين التهمت الكوليرا آباءهم. شخوص تخوض معاركها الداخلية والخارجية، فلا تنعم بالسلام.

الحرب داخل الإنسان

خلال الرحلة يكتشف محمود أنه لم يحب كاترين، وأنها لم تحب فيه سوى جسده، فتبحث عن تعويض بأن تكون سببًا في اكتشاف قبر الإسكندر الأكبر. ويتأزم موقف محمود بقدوم شقيقتها فيونا بحثًا للاستشفاء من مرضها الصدري، فتذكره بحبه للجارية الحبشية نعمة التي تخلى عنها قديمًا، فيتعلق بالضيفة المريضة التي تقضي أيامها الأخيرة.

تكشف لنا الرواية أن الحرب داخل الإنسان، وليست خارجه، فنجد الصراع داخل كاترين ومحمود والشيخ يحيي ومليكة، لا يتوقف. بل يحاول كل منهم حل هذا الصراع بطريقته الخاصة. محمود يتخلص من حياته بتفجير المعبد بالديناميت وهو داخله، أما كاترين فتعود إلى القاهرة، ومليكة تدفع حياتها ثمنًا لحريتها.

حادثة حقيقية

مسلسل واحة الغروب

بنى بهاء طاهر روايته على حادثة حقيقية وهي تدمير المأمور محمود عزمي، لمعبد أم عبيدة عام 1897، دون تفصيلات عن سبب تدمير المعبد، ولا عن نهاية المأمور.

“واحة الغروب” رواية مصرية بامتياز، لكنها عابرة للثقافات والأجناس والأديان واللغات لأنها تلغي ببساطة كل هذه الفواصل بين شخوصها القلقة. ويوضح الناقد محمود عبدالشكور في موقع الكتابة، أن مؤلفها لا يهتم إلا بالنفاذ إلى أعماقهم بحثًا عن الواحة والصحراء داخل النفوس والقلوب، مثلما بحث عنها في المكان والجغرافيا، وفوق الخرائط المنسية.

تحولت الرواية إلى مسلسل كتبت له السيناريو مريم نعوم وهالة الزغندي، وأخرجته كاملة أبوذكري، وعرض في رمضان 2017.