«الكرشيف» السيوي.. موروث الأجداد يقاوم الزحف الخرساني

رنا الجميعي
أبناء سيوة يقفون أمام قلعة شالي أحد أهم الأماكن التاريخية بالواحة

لماذا استبدل أهالي سيوة الكرشيف بمادة الخرسانة؟ وكيف يحاول أهالي الواحة المحافظة على تراثهم؟


يتمسك أبناء واحة سيوة بتراثهم الشعبي الفريد المرتبط بجغرافيا المكان، خصوصًا مادة الكرشيف، التي استُخدمت لسنوات في بناء بيوت الواحة المصرية قديمًا.

وعلى الرغم من انتشار البناء بمادة الخرسانة التي تقاوم عوامل المناخ في الواحة الواقعة شمال غربي مصر، واندثار الطابع التراثي المميز لمنازل الواحة، فإن بعض السكان لا يزالون يستخدمون الكرشيف لغرض سياحي أو بهدف الحفاظ على تاريخ سيوة.

جهود محلية للحفاظ على التراث السيوي

أحمد باغي، فنان تشكيلي من أبناء سيوة، تحدث لشبكة رؤية الإخبارية قائلًا إن الأهالي لم يعد يستخدمون الكرشيف منذ أكثر من 20 عامًا، وتقلص عدد عاملي البناء المتخصصين فيها، ولكن حاليًّا ظهرت محاولات لإعادة استخدام المادة حفاظًا على تراث المنطقة.
ويحاول باغي من خلال عمله احياء الكرشيف، رغبة في الحفاظ على تراث الواحة والتعريف به للأجيال الشابة، موضحًا “أصنع لوحات مجسمة تجسّد سيوة القديمة، وصنعت لوحة لقلعة شالي مستخدمًا الكرشيف، ويحب أهالي سيوة تلك اللوحات لأنها تمثل لهم ذكريات جميلة”.

تقلص عدد عمال البناء المتوارثين لطريقة صناعة مادة الكرشيف في سيوة

تقلص عدد عمال البناء المتوارثين لطريقة صناعة مادة الكرشيف في سيوة

البناء بالكرشيف.. تجهيز صعب وتكلفة مرتفعة

يرغب أهالي سيوة بالفعل باستخدام مادة الكرشيف في بناء منازلهم، غير أن تكلفتها المرتفعة والوقت الطويل الذي يستغرقه تجهيزها يعيق ذلك، بحسب باغي الذي أوضح أن الكرشيف تستخلص من تربة الواحة الممزوجة بالملح بنسب معينة، وتحتاج إلى التخمر لمدة تتجاوز شهرًا.

ويوضح “أصبح استخدامها غاية في الصعوبة، لأن عامل البناء لم يعد متوفرًا كما كان، ما يزيد من ارتفاع أجرته، وبيوت سيوة مسقوفة من جذوع النخل التي ارتفعت تكلفتها أيضًا”. ويفسر باغي عدم توفر العمالة قائلًا: “لم يعد الأهالي يتوارثون تلك المهنة لأنها تحتاج مجهودًا كبيرًا، وصارت مرهقة للأجيال الجديدة، نحن في عصر السرعة، من لديه الوقت والصبر الآن؟”

تحتاج مادة الكرشيف إلى شهر أو أكثر حتى تتخمر

تحتاج مادة الكرشيف إلى شهر أو أكثر حتى تتخمر

أجواء تخمر الكرشيف والطفلة

تحتاج مادة الكرشيف إلى وقت طويل للتخمر حتى تقاوم المناخ القاسي في سيوة، ويقول باغي: “يضاف ورق الزيتون الجاف حتى يعطي الخليط صلابة لمقاومة الرطوبة”، مشيرًا إلى أن السيويون استخدموا مادة أخرى في البناء قديمًا هي الطفلة التي قد يستغرق تخميرها شهورًا، ولمعرفة مدى تخمرها توضع بها نواة بلح، وإذا ما نبتت يتأكد عامل البناء أنها تخمرت بالفعل.

ويتميز تصميم مباني سيوة القديمة بسُمك الجدران، ويفتخر باغي بعدم احتياج البنائين في سيوة قديمًا إلى السقالات، فيقول: “تتكون البيوت القديمة من 3 أدوار، ويستطيع عامل البناء تسلق الجدار واستئناف البناء في الطابق التالي، لأن سمك الجدار يصل إلى نصف متر تقريبًا، ولا يزال بعض البنائين الذين ورثوا طريقة عمل الكرشيف يعملون بنفس الطريقة حتى الآن”.

 

قلعة شالي أحد أهم الأماكن التاريخية في واحة سيوة

قلعة شالي أحد أهم الأماكن التاريخية في واحة سيوة

فنادق صديقة للبيئة تستخدم الكرشيف

يرى باغي أن انصراف أهالي الواحة عن البناء بمادة الكرشيف أمر طبيعي، فمع تغيّر المناخ في السنوات الأخيرة احتاج السكان لمادة أكثر مقاومة للسيول والأمطار، ما دفعهم لاستخدام الخرسانة، ولكن يعاني السكان أيضًا من عيوب تلك المادة التي تحبس الحرارة والبرودة داخلها، تبعًا للطقس الخارجي.

غرفة بأحد الفنادق الصديقة للبيئة في واحة سيوة

غرفة بأحد الفنادق الصديقة للبيئة في واحة سيوةومع تحول واحة سيوة إلى منطقة جاذبة للسياحة، ظهرت محاولات بين أبناء الواحة للحفاظ على تراث الكرشيف الذي استخدم أيضًا في بناء بعض الفنادق الحديث، ويوضح باغي الأمر بقوله: “الأماكن السياحية تُمسك العصا من المنتصف، فتستخدم مواد البناء الحديثة مثل الطوب الأحمر والخرسانة والأسمنت، ولكن الطبقة الخارجية والداخلية تكون بمادة الكرشيف”.

ربما يعجبك أيضا