“الموت الأسود”.. ضيف سنوي في شوارع مدغشقر

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

تستيقظ في الصباح على صوت هاتفك المحمول لتجد رسالة تقول لك: “الطاعون، الموت السريع، إذا كان لديك سعال وأي من هذه الأعراض (الحمى، والتهاب في الحلق، وضيق في التنفس والسعال الدموي)- توجه إلى المستشفى”، لتجد نفسك تغوص في حالة من الفزع والخوف هذا هو حال سكان مدغشقر، بعد أن أغلقت المدراس، وانتشرت الأقنعة الواقية في المطار والبنوك والأماكن العامة وحظر التجمعات، فالموت الأسود “الطاعون” ينتشر بسهولة بين السكان ليقضي على الأخضر واليابس.

قلق حكومي 

يتسبب في وباء الطاعون الدبلي، بكتيريا تسمى “يرسينيا بيستيس” والتي تنتشر في الأساس عن طريق البراغيث وتحملها الفئران، في حال تعرض الإنسان للعض من قبل برغوث مصاب، فإن الأعراض تبدأ في الظهور بعد سبعة أيام، في البداية تكون كما لو أنه أصيب بإنفلونزا حادة ثم تبدأ الغدد الليمفاوية في التورم بكثافة.

ففي مدغشقر، فإن الغالبية العظمى من المرضى تعرضوا لما يعرف بـ”الطاعون الرئوي” النسخة الأكثر فتكا من الوباء، والذي ينتقل من شخص إلى آخر بواسطة الرذاذ المعدي الذي ينتشر عند السعال.

وتعتبر المناطق الفقيرة في  العاصمة “أنتاناناريفو” هي الأكثر تضررا من الوباء الحالي،  فالعديد من الشوارع تذخر بأكوام القمامة، وهو ما يهيئ الظروف المثالية لانتشار الجرذان.

وفي محاولة لمنع الذعر، أقامت السلطات الخيام على مداخل المناطق الفقيرة لتزويد السكان بالمعلومات.

وإذا تم الإبلاغ في إحدى القرى عن وجود حالة، فإن السلطات الصحية تمسح المنطقة للقضاء على الفئران وتطهير المنازل وترش المبيدات الحشرية لقتل البراغيث ، ويتم غسل جثث من قتلوا جراء الطاعون بمحلول الكلور كما يجري فركها بالجير، لان الموتى أيضا بإمكانهم نشر العدوى.

منظمة الصحة العالمية تستعد

حذر المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية “كريستيان لندميير” من زيادة انتشار الطاعون الرئوى الذى تم اكتشافه فى عدة مدن فى مدغشقر منذ أغسطس الماضى.

وأشار إلى أن إن خطر انتشار الوباء على المستوى الإقليمى هو خطر متوسط  بسبب الرحلات المتكررة الى جزر المحيط الهندى المجاورة بينما على المستوى العالمى منخفض ولا يوجد ما يدعو إلى فرض أى قيود على السفر أو على التجارة مع مدغشقر.

وأضاف ” لندميير” :” أن منظمة الصحة العالمية تسارع بتوسيع نطاق استجابتها لتفشى الوباء والذى أدى إلى إصابة أكثر من مائة شخص فى غضون أسابيع قليلة فى مدغشقر، معربا عن قلق المنظمة الدولية من إمكانية انتشار الوباء فى مدغشقر لوجوده بالفعل فى عدة مدن إضافة إلى أن الفترة الحالية هى بداية موسم الوباء الذى يمتد عادة من سبتمبر إلى أبريل”.

وقد وفرت منظمة الصحة العالمية مضادات حيوية لمدغشقر لعلاج ما يصل إلى 5 آلاف مريض وكجرعة وقائية لما يصل إلى 100 ألف شخص ربما يكونون مهددين بخطر الاصابة ، حيث قدمت حوالي  مليوناً ومئتين ألف جرعة مضاد حيوي لحكومة مدغشقر، مع مليون ونصف مليون دولار كدعم مالي طارئ، مع السعي لتوفير ربع مليون جرعة مضادات حيوية إضافية خلال الأيام القادمة لدعم جهود مكافحة انتشار وباء من مرض الطاعون أصاب الآلاف من السكان، وقتل العشرات منهم حتى الآن.

ويبدو تفشي المرض كبيرا بالمقارنة بتسجيل 3248 حالة إصابة و584 حالة وفاة على مستوى العالم من عام 2010 إلى عام 2015.

سلاح بيولوجي

في القرن الرابع عشر تم استخدام الطاعون كسلاح بيولوجي، على أيدي التتار وذلك أثناء حصارهم مدينة “كافا” المطلة على البحر الأسود ، حيث قاموا بإلقاء جثث جنودهم المتوفين بسبب الطاعون داخل أسوار المدينة المحاصرة، وهو التكتيك القتالي نفسه الذي استخدمه الروس أثناء حصارهم لمدينة “رفال” خلال حربهم مع السويد في بداية القرن الثامن عشر.

أما في العصر الحديث فقد لقي مرض الطاعون خاصة البتكتيريا المسببة له اهتمام خبراء مكافحة الإرهاب على مستوى العالم ، تحسبا لاستخدامه سلاح بيولوجي، من خلال رش البكتيريا فوق المدن والتجمعات السكانية، وسيطر هذا الاحتمال على عقول المسؤولين خاصة بعد أن أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا منذ أكتر من أربعة عقود، يفيد بأن رش 50 كيلوجراماً من بكتيريا الطاعون فوق مدينة تعداد سكانها خمسة ملايين، سيؤدي إلى إصابة أكثر من 150 ألفاً من سكان تلك المدينة بالطاعون الرئوي.

ويستطرد التقرير فيذكر أن 100 ألف من هؤلاء المصابين سيحتاجون للحجز في المستشفيات، مع توقع أن يلقى أكثر من 35 ألف شخص منهم حتفهم من جراء هذا الهجوم.

“حالة حرب” هكذا وصف رئيس مدغشقر “هيري راجاوناريمامبيانينا ” مواجهة وباء الطاعون المميت الذي ينتشر بسهولة بين السكان ، ومما زاد الأمر تعقيدا انتشاره في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.

الأمر الذي أكده وزير الصحة “مامي لالاتيانا اندرياماناريفو” في الإذاعة الفرنسية مضيفا: “إن فرقنا على دراية جيدة بكيفية مكافحة تفشي وباء الطاعون في الريف ، ولكن الأمر مختلف فهو ينتشر في المدينة”.

فالعاصمة يقطنها 2ر2 مليون نسمة الأمر ومع الخوف من انتشار الوباء بين هذا العدد الضخم  من المواطنين أصبحت الأماكن العامة خاوية بشكل مخيف .

في أوائل أكتوبر الجاري، بدأت الصفوف الطويلة الأولى في الظهور أمام الصيدليات في العاصمة “أنتاناناريفو” حيث يحاول الناس الحصول على المضادات الحيوية بسرعة لحماية أنفسهم ، مما أدى إلى نفاذ الأمدادات بسرعة كبيرة ،لتخرج الحكومة تحث المواطنين على الهدوء.

ولا يعتبر تفشي المرض على نطاق ضيق شيء نادر في الجزيرة الواقعة قبالة الساحل الشرقي للقارة السمراء لكن الارقام هذه المرة أكبر بكثير ، حيث تعتبر مدغشقر، التي يقطنها ما يقرب من 25 مليون نسمة، على مدى سنوات الدولة صاحبة العدد الأكبر من الإصابات بمرض الطاعون على مستوى العالم، وخاصة الطاعون “الدبلي”.

موعد سنوي

بحسب حصيلة جديدة لوزارة الصحة في مدغشقر  فقد تم تسجيل 1133 إصابة بالطاعون، شفي منهم 780 شخصًا، فيما لا يزال 219 يتلقون العلاج، بينما توفي 63 شخصًا في المستشفى و61 آخرون في مناطقهم، بحسب الوزارة.

ويشير “مانيترا راكوتاوريفوني” المسؤول في وزارة الصحة في حديث مع محطة الإذاعة الرسمية “هناك تراجع في عدد الأشخاص الذين يتم استقبالهم في المستشفى وارتفاع في حالات الشفاء والخروج من المستشفى”.

وتسجل مدغشقر تفشيا للطاعون كل سنة تقريبا منذ 1980، خصوصًا بين سبتمبر وأبريل، ولكن الانتشار الحالي للمرض غير اعتيادي لأنه ضرب مناطق في المدن، خصوصًا في العاصمة “إنتاناناريفو”، مما يفاقم مخاطر العدوى ويثير الذعر بين السكان.

معظم الضحايا في مدغشقر أصيبوا بالطاعون الرئوي المسبب الرئيسي له الجرذان وتنقلها البراغيث إلى البشر، وينتقل خلال البشر من السعال ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة في غضون 72 ساعة.

من منطقة إلى أخرى

ربما يعجبك أيضا