الهجرة الصينية إلى أمريكا.. لعبة جواسيس أم تحولات استراتيجية؟

نظرية المؤامرة والتجسس تستهدف المهاجرين الصينيين في الولايات المتحدة

بسام عباس
مهاجرون صينيون

رحَّلت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أوائل شهر يوليو الجاري، 116 مواطنًا صينيًا على متن رحلة مستأجرة للعودة إلى الصين، وهي الحالة الأولى من نوعها منذ عام 2018.

وكانت الخطوة أحدث تعبير عن قلق الولايات المتحدة المتزايد بشأن النمو السريع للهجرة غير الشرعية من الصين في السنوات الأخيرة.

توترات جيوسياسية

أوضحت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في تقرير نشرته الأربعاء 24 يوليو 2024، أن أكثر من مليون شخص غادروا الصين، منذ بدأت جائحة كوفيد-19، بسبب شعورهم بالإحباط بسبب سياسات الإغلاق التقييدية، والانكماش الاقتصادي، واحتمالات العمل القاتمة، وتشديد السيطرة السياسية.

وذكرت المجلة، أن معظم الأشخاص يهاجرون بشكل قانوني، ولكن منذ يناير 2023، كان هناك أكثر من 50 ألف لقاء بين مواطنين صينيين ووكلاء الجمارك وحماية الحدود الأمريكيين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهي زيادة بنسبة 1000% مقارنة بالمواجهات مجتمعة في عامي 2022 و2021.

ورغم أن المواطنين الصينيين لم يشكلوا سوى 2% من أعداد المهاجرين على الحدود منذ أكتوبر الماضي، فإن الارتفاع غير المعتاد في الهجرة، والذي تفاقم بسبب التوترات الجيوسياسية المستمرة مع الصين، أدى إلى تدقيق مكثف من قبل وسائل الإعلام والنواب على حد سواء.

تهديد أمني

قالت المجلة الأمريكية، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي حذر الكونجرس في يناير الماضي من أن الهجرة الصينية غير الشرعية يمكن أن تكون جزءًا من حيلة “لتدمير البنية التحتية الوطنية”، في حين قال النائب مايك إيزيل، إنه سيكون من “الهراء” الاعتقاد بأن الصينين “لن يستخدموا الحدود المفتوحة لصالحهم”.

وذهب رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب، مارك جرين، إلى حد تشبيه المهاجرين بالأفراد العسكريين غير المحددين الذين استخدمتهم روسيا خلال غزوها لشبه جزيرة القرم عام 2014، ووصف الشكوك في هذا الخطاب بأنها “نقاط حوار” للحزب الشيوعي الصيني.

وأضافت المجلة أن وصف هذه الموجة من الهجرة في المقام الأول بأنها “تهديد أمني” ليس خطأ فحسب، بل أيضًا فرصة ضائعة للقوة الناعمة للولايات المتحدة في منافستها الاستراتيجية مع الصين.

رواية التجسس

ذكرت المجلة، أن أنصار رواية التجسس يرون أن معظم هؤلاء المهاجرين هم من الشباب، ورجال في سن الخدمة العسكرية، فمن المحتمل أنهم يدخلون الولايات المتحدة لارتكاب أعمال تخريبية نيابة عن الحزب الشيوعي الصيني، لكن هذه الحجة لا تدعمها الأدلة المتاحة.

ويعد المصدر الأكثر تفصيلًا للبيانات عن هؤلاء المهاجرين هو السجل الإحصائي للإكوادور للدخول والخروج الدولي، ويرجع ذلك إلى أن الإكوادور كانت واحدة من دولتين فقط في البر الرئيسي في نصف الكرة الغربي تقدمان السفر بدون تأشيرة للمهاجرين الصينيين.

وباستخدام هذا كبديل، تشير بيانات السفر الإكوادورية إلى أن 71% من المهاجرين الصينيين هم من الذكور، وأن 53% منهم تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عامًا، وهذه قريبة من الأرقام المأخوذة من حكومة هندوراس، التي تقدر أن 65% من المهاجرين الصينيين هم من الذكور و56% تتراوح أعمارهم بين 21 و40 عامًا.

صعوبة الرحلة

أوضحت الصحيفة أن الهجرة يمكن أن تكون خيارًا أكثر جاذبية وأقل تعقيدًا للرجال غير المتزوجين الذين لا يحتاجون إلى مراعاة الأطفال أو الزوج في اعتباراتهم، بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى مدى صعوبة الرحلة عبر “فجوة دارين” وخطورتها بشكل خاص بالنسبة للنساء والأطفال، فمن المنطقي أن يكون عدد غير متناسب من هؤلاء المهاجرين من الشباب.

والفرق الرئيس الآخر بين الذين يسافرون عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة والذين يهاجرون إلى دول أخرى هو ثرواتهم، فالمهاجرون إلى كندا واليابان وسنغافورة هم من بين الأكثر ثراءً في الصين، في حين أن الذين يخاطرون بحياتهم للسفر عبر غابات أمريكا الوسطى هم في كثير من الأحيان من خريجي الجامعات من الجيل الأول من المناطق الريفية.

ليس لها معنى

كشفت المجلة الأمريكية أن دوافع هذه الموجة الجديدة تعكس دوافع الأجيال السابقة، من العمال الذين بنوا خط السكة الحديد العابر للقارات في منتصف القرن التاسع عشر إلى طلاب الدراسات العليا الذين قرروا البقاء في الولايات المتحدة بعد مذبحة ميدان السلام السماوي في عام 1989.

وأضافت أن القضية الأكثر إدانة ضد نظرية التجسس هي أنه على المستوى العملي الأساسي، فإن تسلل الحزب الشيوعي الصيني إلى الولايات المتحدة عبر قناة الهجرة هذه ليس له أي معنى، لافتة إلى أن الحزب الشيوعي الصيني يركز على جمع المعلومات حول المسائل الدفاعية والسياسية الأمريكية الحساسة وعالية المستوى، والتي لن يتمكن هؤلاء المهاجرون من الوصول إليها.

تداعيات خطيرة

أوضحت المجلة أنه إذا كان الهدف هو مجرد دخول الولايات المتحدة دون اكتشافهم، فإن حقيقة أن المهاجرين الصينيين يقدمون أنفسهم بأغلبية ساحقة للحصول على اللجوء ينفي هذه الميزة، ويتطلب منهم أيضًا تسليم بياناتهم البيومترية إلى حكومة الولايات المتحدة.

وخلصت المجلة إلى أن وصف المهاجرين الصينيين بأنهم جواسيس يحجب العواقب الاستراتيجية التي تخلفها هذه الهجرة إلى الخارج على صورة الحزب الشيوعي الصيني في الداخل والخارج، وأن الوصول المتزايد للمهاجرين الصينيين إلى الحدود الجنوبية له تداعيات خطيرة على المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، ولكن ليس بالطريقة التي يعتقدها المتشككون.

ربما يعجبك أيضا