الهريسة الحارة.. تراث تونسي يزين الموائد وتصنعه النساء بطقوس خاصة

آية محمد

تورث النساء في ولاية نابل التونسية طريقة تصنيع الهريسة الحارة لبناتهن لكونها من الأطباق الأساسية على المائدة في كل الوجبات.


تنتشر الهريسة الحارة في عدد من البلدان، إلا أن أصلها يعود إلى تونس، وبالتحديد ولاية نابل في شمال شرقي البلاد.

وفي مطلع الشهر الماضي، 1 ديسمبر 2022، سجلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الهريسة الحارة ضمن التراث غير المادي، ليلحق بالكسكسي والتمور وزيت الزيتون التونسي.. فما قصة الهريسة التونسية؟

أصل الهريسة الحارة

يعتبر البعض الهريسة الحارة “سيدة المطبخ التونسي”، لكونها من المقبلات الأساسية على المائدة التونسية في كل الوجبات، ويعود تاريخها إلى الاحتلال الإسباني لتونس بين عامي 1535 و1574، إذ توسع الموريسكيون في زراعة وإنتاج الفلفل الحار، حتى التصقت زراعته بسكان الوجه القبلي، ولا سيما ولاية نابل، وفقًا لموقع Zwita Food.

أما الأصل اللغوي لاسم الهريسة، فيأتي من الفعل “هرس” أي “سحق”، ويعود تاريخ استخدام هذا المصطلح إلى القرن السابع، حين كان يطلق على العصيدة المعدة من القمح المطحون والزبدة المضاف إليها بعض التوابل واللحم.

زراعة الفلفل وإنتاج الهريسة

في شهر إبريل من كل عام، يبدأ الفلاحون في تونس زراعة الفلفل الحار، ويجنون الثمار بعد شهر أو شهر ونصف الشهر، وثم يعيدون الزراعة والحصاد حتى شهر ديسمبر، ويغذي هذا المحصول صناعة الهريسة الحارة في تونس، حيث يتجاوز الإنتاج 300 ألف طن سنويًّا.

وتبدأ صناعة الهريسة بعد جمع الفلفل في عناقيد بتجفيفه تحت الشمس على أسطح المنازل، وتستغرق هذه الخطوة شهورًا، بعدها يوضع الفلفل في مياه بدرجة حرارة الغرفة بعد نزع جوره وبذوره، حتى يصبح لينًا، ومن ثم يبدأ عجنه مع الثوم والملح وبعض البهارات وزيت الزيتون، وهي الطريقة التقليدية. أما في ولاية نابل، فيضيفون إليها الكزبرة والكراوية.

احتفالات خاصة وطقوس نسائية

ينظم أهل ولاية نابل التونسية مهرجانًا سنويًّا للفلفل والهريسة، يقصده مشاركون من مختلف أنحاء البلاد، خاصة الذين يرغبون في تذوق المأكولات والتسوق. وتعد الهريسة من المنتجات الأساسية التي يعرضها الباعة في المهرجان، وهي مصدر رزق لكثير من السيدات في الولاية، حيث تمتلئ أسطح المنازل بالفلفل طوال فصل الصيف.

وتتكاتف نساء نابل في مراحل صنع الهريسة الحارة، فيجتمعن بدار إحداهن وتتولى كل منهن إحدى المهام، فمنهن من تغسل الفلفل بعد تجفيفه، ومن تضعه في المياه، ومن تطحنه. وبعد تتبيل الفلفل بالبهارات والنكهات الخاصة، يجهزن أطباق الهريسة لبيعها في الولايات الأخرى.

توريث صناعة الهريسة المنزلية

تورث النساء في ولاية نابل طريقة تصنيع الهريسة لبناتهن، لكونها من الأطباق الأساسية على المائدة. وفي السابق كانت السيدات يخزنّ كميات من الهريسة تكفي لشهور، ويضعن عليها زيت الزيتون لتبقى صالحة. لكن في الوقت الحالي لم يعد بإمكان الجميع صنع الهريسة منزليًّا، لذلك انتشر بيعها، وكذلك انتشر تصنيعها آليًّا وبيعها معلبة.

وفي السابق، كانت النساء يستخدمن الرحى التقليدية لطحن الفلفل، وهي حجران دائريان يضعن أحدهما فوق الآخر، وفي الحجر العلوي ثقب يوضع داخله الفلفل لطحنه، وتعمل الآلة يدويًّا بواسطه خشبة بالحجر العلوي تدير بها النساء الرحى. لكن في الوقت الحالي تطحن النسوة الفلفل بمطحنة بسيطة تعمل يدويًّا أيضًا لكنها مصنوعة من المعدن.

وتعد منطقة القيروان من المناطق المشهورة بصناعة الهريسة بالطريقة التقليدية، ولها طريقتها الخاصة في تتبيل وتجفيف الفلفل، وبفضل الشهرة التي حظيت بها منطقتا نابل والقيروان في جودة صناعة للهريسة، تشاركان في معارض بمناطق عدة، على المستوين المحلي والخارجي.

الهريسة التونسية في قائمة اليونسكو

طلبت تونس من منظمة اليونسكو العالمية إدراج الهريسة الحارة ضمن التراث الثقافي الخاص بتونس في أواخر عام 2020، لكونها من العادات التي تتوارثها الأجيال، ومن المواد الرئيسة في المطبخ التونسي، حتى إن البعض يطلق على الشعب التونسي “شعب الهريسة”، وفقًا لبوابة إفريقيا الإخبارية.

وبالفعل وافقت اليونسكو على إضافة الهريسة ضمن قائمة التراث غير المادي، الذي يشمل التقاليد والممارسات الخاصة بالمجتمعات، والمهارات المرتبطة بكل دولة، سواء على صعيد المأكولات أو الآت أو الصناعات، بجانب الأماكن الثقافية التي تعبر عن التراث الثقافي للبلاد.

ربما يعجبك أيضا