الولاء في إفريقيا.. هل وجدت جمهورية إفريقيا الوسطى ضالتها في موسكو؟

أحمد ليثي
إفريقيا الوسطى

على الرغم من الخوف الذي تسببه مجموعة فاجنر بين السكان، فإنه غالبًا ما يُرحب بالروس، بحسبان أن وجودهم أكثر فعالية في الحفاظ على السلام الهش.


في منتصف مارس، زار دبلوماسي روسي جمهورية إفريقيا الوسطى، برسالة صريحة: “يجب أن يظل الرئيس الموالي للكرملين بمنصبه”.

وحسب تقرير الصحفي الأمريكي، روجر كوهين، في “نيويورك تايمز” الأمريكية، نشر أول من أمس السبت 24 ديسمبر 2022، قال الدبلوماسي الروسي يفجيني ميجونوف، “على المحكمة العليا أن تلغي التقييد الدستوري الذي يقصر فترة الرئيس على مدتين فقط”.

تمديد حكم الرئيس

بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، يتذكر رئيس المحكمة العليا، دانييل دارلان، وهو يصف الاجتماع، الذي جمعه بالسفير الروسي في 7 مارس، يقول: “دهشت لكلام السفير الروسي، وحذرت حكومة البلاد من أن عدم الاستقرار قد ينبع من رغبة الرئيس في تأبيد حكمه”.

وفي أكتوبر من نفس العام، أُطيح برئيس المحكمة العليا وفق مرسوم رئاسي، من أجل تمهيد الطريق لإعادة كتابة الدستور، الذي وُضع قبل أعوام قليلة، في 2016، ليسمح للرئيس بوجوده في المنصب مددًا لا نهائية، ما جعل أحد السفراء الغربيين يصف ذلك بقوله إن جمهورية إفريقيا الوسطى دولة تابعة للكرملين.

إفريقيا الوسطى

إفريقيا الوسطى

«فاجنر» في إفريقيا الوسطى

أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مجموعة فاجنر في جمهورية إفريقيا الوسطى، الغنية بالذهب والألماس، يركبون مركبات لا تحمل علامات، ويغطون وجوههم بالأقنعة، ويحملون بنادق آلية، وتسيطر المجموعة أيضًا على نسبة كبيرة من التعدين والأخشاب، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية.

ومن جهته، قال وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، عن عملاء فاجنر في إفريقيا الوسطى، خلال القمة الأمريكية الإفريقية، التي انتهت الأسبوع الماضي: “مجموعة فاجنر تهدد الاستقرار، وتقوض الحكم الرشيد، وتسرق ثروات الدول من المعادن، وتنتهك حقوق الإنسان”.

ترحيب بالروس

حسب تقرير نيويورك تايمز، فإنه رغم الخوف الذي تسببه مجموعة فاجنر بين السكان، غالبًا ما يُرحب بالروس بحسبان أن وجودهم أكثر فعالية في الحفاظ على السلام الهش، الذي يشرف عليه 14 ألف جندي من قوات حفظ السلام في البلد الذي مزقته الحرب منذ عام 2014.

وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى وضع أكثر بؤسًا في جمهورية إفريقيا الوسطى، فارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل زيت الطهي 50%، وصار البنزين يُباع في عبوات أو زجاجات مهربة، فتفتقر وكالات الأمم المتحدة أحيانًا إلى الوقود اللازم لتوصيل الطعام إلى المناطق الأكثر احتياجًا.

فاجنر

فاجنر

نفاق غربي

بحسب روجر كوهين، قال مواطنون التقاهم، إنهم تعبوا من النفاق الغربي والوعود الفارغة، فالدعم الذي تلقاه إفريقيا الوسطى لا يقارن بالدعم الذي تتلقاه أوكرانيا من الدول الغربية، ولذلك يميل العديد من المواطنين إلى دعم بوتين على مستعمريهم السابقين في باريس.

وأشار مواطنون إلى أنه إذا كانت الوحشية الروسية في مذبحة بوتشا ترعب الغرب، فهي يُنظر إليها على نطاق واسع في إفريقيا الوسطى، على أنها تساعد في تهدئة الصراع المستمر منذ عقد من الزمان بدون حل.

إفريقيا ربع البشرية

تمثل إفريقيا ربع البشرية بحلول عام 2030، وتنشر الصين نفوذها في القارة من خلال الاستثمارات الضخمة وأعمال البناء والقروض، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن، يعقد القمة الأمريكية الإفريقية، معلنًا عن صفقات تجارية بقيمة 15 مليار دولار، في إشارة إلى اللحاق بركب الصين وروسيا في إفريقيا.

وعلى عكس الدول الغربية، لا تعد روسيا بوعود لا يمكنها  تنفيذها، فهي تكسب الأصدقاء من خلال استخدامها القوة التي لا ترحم، والتي جعلتها تمتد في أكثر من 12 دولة إفريقية، ومنها مالي والسودان، كما هو الحال في سوريا، فيضمن استخدام القوة النتائج التي تسعى لها.

إفريقيا لا تصوت ضد روسيا

حسب تقرير الصحيفة الأمريكية، في مارس الماضي، صوتت 28 دولة إفريقية فقط من أصل 54 دولة لإدانة روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية، ما  جعل نائب رئيس إقليم بريا، الذي يبعد نحو 280 ميلًا عن عاصمة إفريقيا الوسطى يقول: “لا يهمك من سيطفئ الحريق عند احتراق منزلك، فالروس يتحلون بالهدوء، وبرغم عنفهم، فإنهم فعالون”.

وعند انتخاب فوستان آرشانج تواديرا رئيسًا للبلاد في 2016، كان لديه سيطرة فعلية على 20% فقط من أراضي البلاد، وبسبب عدم ثقته بالوجود العسكري الفرنسي في بلاده، طلب المساعدة من روسيا لمحاولة إعادة السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

إفريقيا الوسطى

إفريقيا الوسطى

استعادة السيطرة

قال وزير الاستثمار الاستراتيجي، باسكال بيدا كوياجبلي، وأحد المقربين من رئيس البلاد: “لدينا 5 آلاف جندي روسي في البلاد، بفضلهم استعدنا السيطرة على 97% من الأراضي، في حين أقر السيد كوياجبلي بممارسة الجنود الروس للوحشية والعنف، قائلًا: “في الحرب، تحدث مثل هذه الأشياء”.

وعلى ضفاف نهر أوبانجي، افتتحت روسيا مركزًا ثقافيًّا يقدم عروضًا للأطفال ودروسًا في اللغة الروسية، وعروضًا للأفلام، ويعده روجر كوهين،في تقريره، رمزًا للمنافسة الشديدة بين المستعمر السابق لإفريقيا الوسطى في باريس، وسيدها الحالي في موسكو.

طرود مفخخة

اتهم قطب الأوليجاركية الروسية، يفجيني بريجوزين، فرنسا الأسبوع الماضي، بإرسال طرد مفخخ أصاب مسؤولين روسيين بجروح خطيرة، ويعتقد بريجوزين أن إشراف روسيا على تعدين الألماس في جمهورية إفريقيا الوسطى يضر بفرنسا.

وأجاب السيد بريجوزين عن أسئلة المراسل الصحفي روجر كوهين قائلًا: “كل أسئلتك استفزازية، وإذا كنت على استعداد لتقديم ضمانات رسمية قانونية لنشر إجاباتي كاملة، فأنا على استعداد لإبداء التعليقات”.

البلاد من الداخل

حسب موقع إنفو بليز الأمريكي التوثيقي، نادرًا ما كانت إفريقيا الوسطى مستقرة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فقد شهدت انقلابات وحركات تمرد، وتعاني حدودًا يسهل اختراقها واستغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة، إلى أن تحولت إلى مسرح حرب شاملة من 2012.

وتفاقم الصراع، الذي شارك فيه أكثر من 12 جماعة مسلحة منذ 2014، في حين يشرف على الوضع هناك قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بميزانية سنوية قدرها 1.1 مليار دولار، في دولة تشهد صراعًا على السلطة، وصراعًا دينيًّا بين المسيحيين والأقلية المسلمة، ومعركة للسيطرة على الموارد.

فشل في التنسيق

قال رئيس عملية برنامج الغذاء العالمي في بانجي، بيتر شالر لصحيفة نيويورك تايمز: “إننا طلبنا التنسيق مع الروس لكنهم متعنتون، ويقولون إنهم لا يقدمون تقاريرهم إلا إلى رؤسائهم فقط، وبالتالي اتصالنا بهم معدوم هنا، فضلًا عن أنهم في بعض الأحيان يشوشون على الاتصالات اللا سلكية في المناطق التي نعمل بها، ما يؤدي إلى الإضرار بنا”.

وأشار شالر للصحيفة الأمريكية إلى أن المرتزقة الروس يسرقون الوقود بانتظام من الطائرات في مطار العاصمة، في حين قال رجل أعمال بارز في البلاد، جيرسون فيارو، إنه شاهد الروس يركبون مركبات لا تحمل علامات، ويحطمون المضخات ويستولون على البنزين.

ربما يعجبك أيضا