انتخابات الكنيست الثانية والعشرين .. تحالفات ودعوات لتوحيد اليسار الصهيوني

محمد عبد الدايم

رؤية – د.محمد عبدالدايم

قبل نحو أسبوع من غلق باب قبول القوائم الانتخابية استعداددا لانتخابات الكنيست الثانية والعشرين في سبتمبر المقبل؛ أعلن العائد من الاعتزال السياسي إيهود باراك، رئيس الحزب المستجد يسرائيل ديمقراطيت، اتحاده مع حزب ميرتس برئاسة نيتسان هورفيتش.

باراك عاد للحياة السياسية بعد اعتزال لمدة 6 سنوات كي يتحدى بنيامين نتنياهو ويدعو الجميع لإسقاطه، وإزاحته عن المسرح السياسي الإسرائيلي، في حين انتُخب نيتسان هورفيتش أخيرا نهاية الشهر الماضي كرئيس جديد لحزب ميرتس، وأعلن الطرفان توصلهما لاتفاق بتدشين تحالف جديد يحمل اسم “هامحنيه هاديموقراطي” (المعسكر الديمقراطي)، على أن يتصدر نيتسان هورفيتش قائمة التحالف، في حين جاء إيهود باراك في المرتبة العاشرة.

في المقعد الثاني لقائمة التحالف الجديد جاءت ستاف شافير، وهي النائبة السابقة في حزب هاعفودا (العمل)، والتي انشقت عن حزبها لاعتراضها على التحالف مع حزب جيشر برئاسة أورلي ليفي أفيقاسيس، في حين كانت تطالب بأن يتحالف عمير بيرتس الرئيس المنتخب حديثا لحزب هاعفودا مع حزب ميرتس بدلا من جيشر الذي لم يستطع تجاوز نسبة الحسم المؤهلة للكنيست الحادية والعشرين في إبريل الماضي.

التشكيل الكامل لقائمة التحالف الجديد:

المركز الأول: نيتسان هورفيتش رئيس حزب ميرتس.

المركز الثاني: ستاف شافير المستقيلة من حزب هاعفودا والمنضمة لحزب باراك.

المركز الثالث: يائير جولان الجنرال العسكري السابق الذي كان مرشحًا لرئاسة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي والذي انضم لحزب باراك.

المركز الرابع: تمار زندبرج الرئيسة السابقة لحزب ميرتس.

المركز الخامس: يائير جيلئون عضو حزب ميرتس

المركز السادس: عيسوي فريج عضو حزب ميرتس.

المركز السابع: يفعت بيطون الأكاديمية المتخصصة في شئون القضاء والتي انضمت لحزب جيشر في فبراير الماضي وتركته في يونيو لتنضم إلى باراك.

المركز الثامن: يعل كوهين باران العضو السابق في تحالف المعسكر الصهيوني (بين حزبي هاعفودا وهاتنوعا) وبعدها كانت ضمن مرشحي حزب هاعفودا في انتخابات إبريل لكنها لم تنجح، وانضمت مؤخرا للمعسكر اللديمقراطي بين باراك وميرتس.

المركز التاسع: نوعا روطمان حفيدة رئيس الوزراء السابق يتسحاق رابين، عضو حزب باراك.

المركز العاشر: إيهود باراك رئيس حزب يسرائيل ديمقراطيت.

ملاحظات على تشكيل القائمة

أولى الملاحظات في مفاجأة ترتيب باراك نفسه بين مرشحي التحالف الجديد، حيث حل عاشرًا، في المركز الأخير للقائمة، رغم أن التقارير الصحفية أشارت إلى أن جوهر خلافه مع عمير بيرتس هو رغبته في ترؤس أية قائمة مشتركة بين حزبه الجديد وبين هاعفودا، لكنه يبدو هنا كما لو كان تنازل طواعية عن الصدارة لإفساح المجال لمن هم أصغر سنا منه وهو الذي يبلغ من العمر 77 عاما، كما أنه يحاول توصيل رسالة ثقة للجمهور الإسرائيلي بأنه مطمئن لنجاح القائمة بأكملها، ومن ثم سيضمن دخول الكنيست، إضافة إلى توصيل رسالة أهم، وهي زهده في المناصب، فقد صرح غير مرة أنه عاد من اعتزاله السياسي فقط ليُسقط حكم الملك بيبي، وليس طامعا في رئاسة الوزراء بقدر ما يهتم لـ”مستقبل إسرائيل”.

الملاحظة الثانية هي اسم نيتسان هورفيتش على رأس القائمة، بما يعني قبول إيهود باراك أن يقود حزب ميرتس التحالف الجديد، والملاحظة الثالثة هي وجود اسم تمار زندبرج ضمن القائمة بعد خسارتها الشهر الماضي أمام هورفيتش في انتخابات حزب ميرتس، أما الملاحظة الرابعة فهي وجود اسم يائير جولان المرشح السابق لرئاسة هيئة أركان الجيش، والذي تسلم بالفعل القيادة لمدة ثلاثة أسابيع وقتما اضطر جادي أيزنكوط لدخول المستشفى لإجراء فحوصات طبية، ووجود جنرال عسكري سابق في قائمة انتخابية أمر مألوف في إسرائيل، خصوصا في الفترة الأخيرة التي شهدت زيادة في أعداد القيادات العسكرية المتقاعدة والتي تدخل المسرح السياسي الإسرائيلي.

الملاحظة الخامسة تتمثل في وجود اسم عيسوي فريج وهو سياسي من فلسطيني الداخل ينتسب لحزب ميرتس اليساري، وهو في الأساس من قرية كفر قاسم، التي شهدت مذبحة بحق الفلسطينيين عام 1956 أوقعت 49 شهيدا من سكان القرية،  والأكثر منذ ذلك أن باراك نفسه كان رئيسًا للوزراء عام 2000 حينما سقط 13 من فلسطيني الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من سكان القرية نفسها، في إطار تحرك قناصة الشرطة الإسرائيلية في حينها لقمع المظاهرات العربية المناوئة لعدوان إسرائيل على القدس والضفة وغزة، وهو العدوان الذي أدى -مع اسباب أخرى- إلى انتفاضة الأقصى.

طلب عيسوي فريج من باراك تقديم اعتذار لسكان كفر قاسم باعتباره كان مسئولا عما حدث عام 2000، وبالفعل تقدم باراك باعتذار خلال مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، لكنه قوبل بهجوم من المواطنين من فلسطيني الداخل، حيث اعتبروا أن اعتذاره جاء تلبية لـ”ضرورة انتخابية” ليس إلا.

الملاحظة السادسة تتمثل في التوازن بين عدد الإناث وعدد الذكور في القائمة، خمسة مقابل خمسة، مما يعطي انطباعًا للجمهور الإسرائيلي باعتبار المساواة بين الجنسين في التمكين السياسي، أما الملاحظة السابعة فهي وجود حفيدة يتسحاق رابين ضمن القائمة، ومن المعروف أنها لا تملك خبرة سياسية سابقة، فقط تعتمد مع باراك على اسم جدها يتسحاق رابين لاجتذاب أصوات اليسار الصهيوني. 

ليس مفاجئًا، ليس الأول

تحالف يسرائيل ديمقراطيت مع ميرتس ليس مفاجئًا، وليس جديدا، فقبل 20 عامًا كان باراك رئيسا للحكومة معتمدًا على ائتلاف لحزبه السابق هاعفودا مع حزب ميرتس، الذي سرعان ما ترك الائتلاف لخلافات مع الحزب اليميني الديني شاس الذي اتحد معه باراك في الوقت نفسه.

هاعفودا ما زال يترنح

الآن، بعد رفض عمير بيرتس، العائد لرئاسة حزب هاعفودا، التحالف مع إيهود باراك، أو حزب ميرتس، أعلن عن تحالف هاعفودا مع حزب جيشر برئاسة أورلي ليفي أفيقاسيس، ليصبح على الساحة، حتى الآن، تحالفان يرفعان شعار “اليسار الصهيوني”، تحالف هاعفودا وجيشر، وتحالف يسرائيل ديمقراطيت وميرتس.

جاء اتفاق حزب هاعفودا على التحالف مع جيشر بعد معارضة كبيرة من كوادر معروفة بالحزب، على رأسها اعتراض ستاف شافير التي نافست عمير بيرتس في الانتخابات الأخيرة على رئاسة الحزب بعد رحيل آفي جفاي، ثم تركت الحزب وانضمت لباراك، كما أن ايتسيك شمولي أحد أعضاء الحزب وأحد المتبارين على الرئاسة ضد عمير بيرتس كان يعارض هو الآخر التحالف مع جيشر، هذا إضافة إلى إعلان الرئيسة السابقة للحزب وأحد كوادره شيلي يحيموفيتش اعتزالها السياسي “المؤقت”.

أصبح موقف عمير بيرتس صعبًا، لأنه يواجه معارضة كبيرة بعد التحالف مع جيشر بدلا من التحالف مع ميرتس، فعلى الأقل حزب ميرتس ضمن في الانتخابات الاخيرة دخول الكنيست، فيما لم يتمكن جيشر من عبور نسبة الحسم، ليكون التحالف بين حزب هاعغفودا المنهار منذ عهد آفي جفاي، وحزب جيشر الجديد الذي لم يدخل الكنيست من قبل، ليبدو كما لو كان رهانًا على الخسارة وعدم دخول الكنيست في سبتمبر المقبل.

هذا لا يعني أن تحالف يسرائيل ديمقراطيت مع ميرتس قد يكون أفضل حالا، فمن المؤكد أن الكتلة التصويتية لليمين لن تذهب إلا لأحزاب اليمين، وعلى راسها هاليكود برئاسة نتنياهو، فيما سيقتنص تحالف “هامحنيه هاديمقراطي” (المعسكر الديمقراطي) أصواته من تحالف كاحول لافان (أزرق أبيض) الذي يتزعمه بيني جانتس ومعه يائير لابيد وموشيه يعلون وجابي أشكنازي.

الفرصة الأخيرة لنبذ الأنا السياسية واستقطاب الصوت العربي

الفرصة الأخيرة لكلا التحالفين المحسوبين على اليسار الصهيوني هي أن يعلنا عن اتحادهما هذا الأسبوع، لينضم عمير بيرتس إلى باراك إلى حزبي ميرتس وجيشر، مع إعادة ترتيب القائمة الموحدة التي تجمعهم، وإلا ستكون النتيجة بأن معركة تكسير عظام بين التحالفات الثلاثة المعارضة لتحالف نتنياهو، فحينما يتنافس كاحول لافان ضد هاعفودا وجيشر، وكلاهما ضد يسرائيل ديمقراطيت، من المؤكد أن أي صوت يقتنصه أي منهم سيكون من الطرف الآخر.

من هنا دعا إيهود باراك لاعتبار تحالفه ممهدا لمزيد من التحالفات بين الكتل السياسية اليسارية كي تتحد معا في مواجهة يمين نتنياهو، كما شددت ستاف شافير الراحلة المواطنين من فلسطيني الداخل لاعتبار هذا التحالف مرآة لهم، و”حليفا يمكنهم الاعتماد عليه” في محاولات لاجتذاب أصوات مواطنين العرب، خصوصا مع ضم عيسوي فريج للقائمة، وتقديم باراك اعتذاره الانتخابي عن مقتلة عام 2000 في كفر قاسم.

نتنياهو غير مهتم باقتسام أصوات اليسار

لم يبد بنيامين نتنياهو اهتمامه بالتحالف الجديد، أو اقتسام كتل اليسار المعارضة له لأصوات ناخبيها، بل يركز حاليا في ضغوطه على حلفائه من اليمين الديني ليخضعوا لتحالف في قائمة مشتركة، خشية إهدار أصواتهم.

في الغالب يضمن نتنياهو وأحزاب اليمين التابعة له، متحدة أو متفرقة، أرجحية كتلة تصويتية يمينية موحدة، تؤهلهم لتشكيل حكومة يمينية من جديد، ليتبقى فقط أمران: أولهما اتفاق اتحاد أحزاب اليمين على الاتحالف بقيادة أييلت شاقيد على رأس القائمة بدلا من رافي بيرتس المتعنت حتى الآن، وانتظار مدى نجاح أفيجادور ليبرمان واضطرار نتنياهو للتحالف معه رغما عنه إذا لم يغنه نجاح كاسح لأحزاب اليمين الديني.

ربما يعجبك أيضا