انتخابات الكنيست الـ23.. قراءة أولية في النتائج وتوقعات الحكومة

محمد عبد الدايم
كتب – د محمد عبدالدايم
الإثنين الماضي أُسدل الستار على دورة انتخابات الكنيست الـ23، وهي الثالثة خلال أقل من عام دون تشكيل حكومة.
بانتظار إعلان النتائج الرسمية بمعرفة لجنة الانتخابات المركزية؛ أصبحت النتائج شبه النهائية غير الرسمية معروفة للجميع، وتشير في صورتها الكلية إلى استمرار سيطرة معسكر اليمين العلماني- الحريدي على أغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى استمرار حالة الجمود السياسي، وصعوبة تشكيل حكومة ائتلافية.

مباشرة في مساء الإثنين؛ خرج نتنياهو أمام حشود من مناصريه ليعلن نجاحه وحصوله على الأغلبية، ونيته تشكيل حكومة “قوية”، ووجه هجومًا إلى معارضيه، وخص بالاسم أفيجدور ليبرمان رئيس حزب يسرائيل بيتينو، وبيني جانتس رئيس كاحول لافان، والقائمة العربية المشتركة التي اتهمها بأنها ترفض إسرائيل “اليهودية”.

تحدث نتنياهو في خطابه “المبكر جدًا” عن: “نصر هائل على كل الصعاب”، حيث خرج نتنياهو مقدمًا ليسبق منافسه جانتس في مواجه الجمهور والإعلام ولجنة الانتخابات والهيئات القضائية التي يشن عليها حربًا، بل إن الهتاف الرئيس لناخبيه كان الهجوم على المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت الذي أعلن اتهام بيبي رسميا بالفساد، ليدعو أنصار نتنياهو مندلبليت إلى الاستقالة، موجهين له تهمة “تعمد إسقاط نتنياهو”.
أما جانتس فقد ظهرت عليه أمارات الانكسار في حديثه المقتضب لوسائل الإعلام، حيث اتهم “الخصوم السياسيين” بنشر أكاذيب بحقه، ووصف حملة الانتخابات الأخيرة بأنها الأكثر قذارة في تاريخ إسرائيل؛ لأن منافسيه من حلفاء نتنياهو قد ضيقوا الخناق عليه مؤخرًا باتهامه بالاعتماد على القائمة العربية المشتركة، وكذلك تصدير التحقيقات بشأن قضية فساد شركة “البعد الخامس” التي كان شريكًا فيها.
استمرت لجنة الانتخابات المركزية في فرز الأصوات المتبقية، وهي أصوات المغلفات، التي تشمل أصوات الجنود، والديبلوماسيين بالسفارات، والمساجين، إضافة إلى المعزولين في الحجر الصحي جراء إصابتهم بفيروس الكورونا المستجد.
النتائج النهائية غير الرسمية
تشير آخر النتائج إلى توزيع مقاعد الكنيست وفقًا لعدد الأصوات الصحيحة على النحو التالي:

هاليكود: 36 مقعدًا.
كاحول لافان: 33 مقعدًا.
القائمة العربية المشتركة: 15 مقعدًا.
شاس: 9 مقاعد.
يهدوت هاتوراه/ يسرائيل بيتينو/ هاعفودا- جيشر ميرتس: 7 مقاعد لكل منها.

يمينا: 6 مقاعد.
لا جديد في خريطة التحالفات
هذه النتائج تشير إلى أسبقية حزب هاليكود برئاسة بنيامين نتنياهو على تكتل كاحول لافان برئاسة بيني جانتس، وبجمع مقاعد حلفاء كل منهما يكون بحوزة نتنياهو وحلفائه من بلوك اليمين 58 مقعدًا (36 هاليكود 9 شاس 7 يهدوت هاتوراه 6 يمينا).
أما كاحول لافان  فبحوزته 55 مقعدًا (33 كاحول لافان 15 القائمة العربية المشتركة 7 هاعفودا- جيشر- ميرتس).
هذا باعتبار أن القائمة العربية المشتركة لن تسلم بالطبع توصية للرئيس الإسرائيلي بتكليف نتنياهو ليشكل الحكومة، بل ستوصي بتكليف جانتس.

أما حزب يسرائيل بيتينو بمقاعده السبعة فيظل صاحب القرار النهائي في تشكيل الحكومة من عدمه، لأنه كحزب يميني علماني يمكنه أن يزكي حلف نتنياهو لينال أغلبية تصل إلى 65 مقعدًا تسمح له بتشكيل حكومة بدون تحالف كاحول لافان، وفي الوقت نفسه يمكنه منح تزكيته لكاحول لافان ليصبح بيني جانتس مستندا إلى أغلبية 62 مقعدًا دون الاتحاد مع هاليكود.

لكن الأمور لا تسير وفقًا لهذه المعادلة البسيطة؛ لأن أفيجادور ليبرمان يرفض -حتى الآن- أن يشارك نتنياهو في حكومة يسيطر عليها اليمين الحريدي، وأعلن ذلك مرارا منذ العام الماضي، بعدما رفض الحريديم مشروع قانونه لتجنيد شبابهم بالجيش الإسرائيلي، وكرر رفضه بعد الانتخابات.
من ناحية أخرى يرفض ليبرمان أن يشارك بيني جانتس في حكومة ينضوي أفراد القائمة العربية المشتركة تحتها.
سيناريوهات الحكومة المقبلة
هذه المخرجات التي أنتجتها انتخابات مارس 2020 لا تختلف إذًا عن سابقتيها في أبريل وسبتمبر 2019، ليصبح كابوس الانتخابات الرابعة مقيمًا، ما لم يحدث تطور سياسي كبير، وحتى الآن تنحصر سيناريوهات الحكومة في ثلاثة مخارج:

موافقة كل من نتنياهو وجانتس أن يتشاركا في حكومة ائتلافية يتناوبا على رئاستها، وهذا المخرج مطروح منذ العام الماضي، ويبدو أنه أصبح شبه مستحيل بعد المعركة الانتخابية الضارية بين الرجلين، خصوصًا في الأيام القليلة التي سبقت الانتخابات.

المخرج الآخر هو أن يستمر الضغط القضائي على نتنياهو، لينسحب هو -وليس حزبه- من الصراع على رئاسة الحكومة، وهذا الضغط يدخل عامه الثاني وأثمر عن اتهامه رسميا بالفساد والاحتيال والرشى، وربما يتم الإعلان أواخر هذا الشهر عن بدء محاكمته، وهو أمر يظل مستبعدًا أن يحدث للملك الذي شن حربًا شعواء على الجميع كيلا يدينه أحدهم، سواء الشرطة أو القضاء أو الإعلام أو المعارضة.
المخرج الثالث، والذي يعمل هاليكود على إيجاده، يتمثل في استمالة بعض الأسماء من المتحالفين مع كاحول لافان أو الداعمين له، فحزب نتنياهو يسعى حاليا لكسر هذا التحالف، من أجل كسب ثلاثة مقاعد أو أكثر تهيئ له الحصول على أغلبية 60 1 من مقاعد الكنيست، وبدأ الأمر بمحاولات استمالة أورلي ليفي أفيقاسيس رئيسة حزب جيشر، وإغرائها بحقيبة الصحة، غير أنها حتى الآن ما زالت على عهدها مع حزبي هاعفودا وميرتس، وأعلنت رفضها الانشقاق، لكن هاليكود ما زال يحاول استقطاب من يفكر في الانشقاق عن تكتل كاحول لافان.
نتنياهو ينتصر على جانتس
بحساب عدد المقاعد 36( مقابل 33) يمكن القول: إن نتنياهو انتصر على جانتس، لأن بيبي اتبع منذ اتهامه رسميا سياستي “الأيديولوجية الواضحة” و”الصدمة”، فقد أعلن بلا مواربة تحركه لفرض السيطرة اليمينة على إسرائيل، والسعي الضاغط لاحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية دون تقديم أي بادرة تنازل، وكان برنامجه الترويجي قبيل الانتخابات مركزًا على ضم غور الأردن بشكل نهائي لإسرائيل، إضافة إلى مخططات السيطرة على الضفة الغربية وعدم المساس بالمستوطنات القائمة عليها.

روج نتنياهو لأيديولوجيته اليمينية بكل وضوح، وأعلن عن هدفه بتدشين حكومة يمينية لا مكان لليسار أو فلسطيني الداخل فيها، وأعلنت حملته تسميته بـ”زعيم المستقبل المضمون”، والوحيد القادر على تمرير “صفقة القرن” لأنه السياسي الأقدر على بلورة العلاقات الإسرائيلية مع العالم الخارجي، وأمريكا على رأسه.

أما جانتس فقد ظهر مرتبكًا أمام الجمهور في اللحظات الحاسمة، حتى أن حملة نتنياهو اتهمته بعدم الشجاعة بالتصريح بقدرته على ضم غور الأردن، بالإضافة إلى التهمة الملتصقة به بأنه يلقى دعمًا من القائمة العربية المشتركة.
يظل نتنياهو متبجحًا بسياساته الاستيطانية ورفضه للوجود العربي، ومساعيه المعلنة للسيطرة على غور الأردن والضفة بعدما اقتنص صكًا من ترامب بالسيطرة على القدس والجولان.
كما أن نتنياهو قلب الطاولة على ملاحقيه من القضاء ومهاجميه من الإعلام خلفية فساده، حيث أعلن تحركه مع حلفائه لإحداث تغييرات تشريعية كبيرة في نطاق القضاء بما يحيد صلاحياته بشكل كبير، بما يمنح نتنياهو فرصة للتملص من الاتهامات.
نتنياهو يخسر أمام جانتس
رغم ما سبق كله؛ فإن انتصار نتنياهو المبدئي قد لا يقربه من رئاسة الحكومة، لأنه بمجرد ظهور النتائج غير الرسمية تحرك بيني جانتس وحلفائه لمحاولة جمع أغلبية توافق على تشريع قانون يحظر أن يشغل مُتهمٌ منصب رئاسة الحكومة، وهو التحرك الذي وصفه نتنياهو بأنه “محاولة من جانتس لسرقة الانتخابات” وأن جانتس “يتحد مع مؤيدي الإرهاب من القائمة العربية”.

مرة أخرى تتحول الأنظار إلى أفيجادور ليبرمان، فهو الوحيد الذي يمكنه أن يزكي تمرير تشريع كهذا إذا ما وافق عليه، ليكون مجموع الموافقين عليه بالكنيست الجديد 62، أي بأغلبية تسمح بطرد نتنياهو أخيرًا وإلقائه أمام منصة القضاء.

ربما تسفر الأيام المقبلة عن الشكل الجديد لحكومة إسرائيل، مع وجود شبه إجماع على رفض سيناريو الانتخابات الرابعة، ما لم يدفع إليها بيبي دفعًا لينجو ويستمر.

ربما يعجبك أيضا