انتفاضة في أفريقيا ضد “الإرث الاستعماري العنصري”

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

يبدو أن حادثة جورج فلويد في أمريكا كانت القشة التي ستقصم ظهر العنصرية في العالم، ففي أفريقيا اندلعت رغم كورونا مظاهرات وحملات إلكترونية ضد العنصرية، حيث طالبت حركات سياسية وشعبية في بلدان أفريقية عدة بتغيير أسماء شوارع المحتلين الذين احتلوا البلاد الأفريقية، كما طالبوا بمراجعة الاتفاقيات مع الدول التي استعمرتهم، ففي الكثير من البلدان الأفريقية استمر الاحتلال القديم في نهب ثروات تلك البلدان الأفريقية عن بعد، فضلا عن دعم أنظمة تكون خاضعة للقوى الكبرى، يكفي أن نعلم أن فرنسا التي تمتلك خامس أكبر احتياطي من الذهب في العالم، لا تملك مناجم ذهب على أرضها، لنعلم حجم استباحة ثروات أفريقيا من جاتب الاستعمار القديم أو المتجدد في صور أخرى.

الشعوب الأفريقية التي ينعتها البعض بالتخلف سبقت بوعيها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا في معركة التماثيل.

أفريقيا سبقت العالم

أفريقيا بدأت منذ عقود حملتها على العنصرية ومختلف أنواع الاحتلالات حيث دمرت الشعوب حينها ما استطاعت من إرث الاستعمار، ولا ننسى ما حدث مع تمثال فرديناند دي لسبس، ووقفت الشعوب الأفريقية قبل غيرها في مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ففي 2015 قامت دول أفريقية بإزالة عدد من التماثيل التي تمثّل المستعمرين، ففي جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا، قادت حملة طلابية لإسقاط تمثال القائد البريطاني العنصري لسيسيل رودس من مدخل الجامعة، بسبب دعمه الأقلية البيضاء في وجه السكان السود، إلى جانب دوره الاستعماري في دولتين جنوب أفريقيتين، سماهما على اسمه، ردويسيا الشمالية وروديسيا الجنوبية اللتين أصبحتا اليوم زامبيا وزيمبابوي، تمثال آخر للمستعمر نفسه كان قد سقط في زيمبابوي، ليتمّ تحطيمه كاملاً بالفؤوس، وسط فرحة سكان العاصمة.

في كينيا عام 2015 تم إسقاط تمثال لملكة بريطانيا فيكتوريا حين كانت إمبراطوريتها لا تغيب عنها الشمس ، ثمّ تمّ قطع رأس التمثال، من قبل مجهولين. لكن الخطوة هذه لقيت ترحيباً واسعاً بين الكينيين.

الغضب نفسه مرّ في الكونغو تجاه تماثيل المستعمرين، خصوصاً ملك بلجيكا الأسبق ليوبولد الثاني الذي أزيل تمثاله عام 1960 بعد 7 سنوات من استقلال البلاد. لكن عام 2005 عاد التمثال نفسه ليرتفع في حديقة المستعمرين التي تضمّ عدداً من تماثيل شخصيات كان لها دور بارز إن كان في الاستعمار أو تجارة الرقيق في البلاد، ولكن المفارقة ان حادثة جورج فلويد الأخيرة تسببت في تحطيم أو نقل تماثيل ليوبولد الثاني الذي قتل الملايين من الابرياء المظلومين في الكنغو البلجيكية حينها.

وفي 2012، قامت سلطات مدينة بريتوريا الجنوب أفريقية بنزع أسماء الكثير من الشوارع لتحمل أسماء جديدة، تكريما لأبطال مكافحة نظام الفصل العنصري.

جدران السنغال

كذلك انعكست مناهضة العنصرية، كفنٍ على شكل صور ورموز وشعارات على جدران السنغال والتي ازداد لهيبها إثر مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصول أفريقية على يد الشرطة بالولايات المتحدة، وعبر فن الجرافيتي، لجأ فنانو السنغال التي ظلت تحت احتلال القوى الاستعمارية لأكثر من 400 عام، إلى الرسم على الجدران للتعبير عن غضبهم ورفضهم للعنصرية التي يتعرض لها السود في الولايات المتحدة وأوروبا.

وعلى جدران أشهر الشوارع في العاصمة دكار، رسم الفنانون صورا للناشط الراحل مالكوم إكس، والممرضة هاريت توبمان المناهضة للرق، وزعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، والمؤرخ السنغالي الشيخ أنتا ديوب، والعديد من الشخصيات الأفريقية المؤيدية للحريات واستقلال الشعوب.

مجلس حقوق الإنسان

في سياق متصل، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع، الجمعة، قرارا يدين العنصرية الممنهجة والعنف الأمني، عقب نقاش تاريخي وبعد إزالة إشارة خاصة إلى الولايات المتحدة منه.

وتبنى المجلس -الذي يقع مقره في جنيف وانسحبت منه واشنطن عام 2018- مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الأفريقية، في إطار اجتماع طارئ دعت إليه عقب وفاة الأمريكي جورج فلويد على يد رجال شرطة بيض بولاية مينيسوتا، والتظاهرات الحاشدة ضد العنصرية في أنحاء العالم.

وفي نسخته الأولى، طالب مشروع القرار بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتسليط الضوء على “العنصرية الممنهجة” في الولايات المتحدة، لكن جرى تلطيف صيغة النصّ تدريجيا ولم يعد يذكُر الولايات المتحدة، مما أثار غضب منظمات غير حكومية.

واقتصرت النسخة النهائية على مطالبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، بـ”تجهيز تقرير حول العنصرية الممنهجة، وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وإساءة معاملة الأفارقة والمنحدرين من أصول أفريقية من طرف قوات الأمن”.

ويجب أن يبحث التقرير خاصة “الأحداث التي قادت إلى وفاة جورج فلويد وأفارقة آخرين وأشخاص من أصول أفريقية، بهدف المساهمة في تحديد المسؤوليات وإنصاف الضحايا”.

واتهمت منظمات حقوقية غير حكومية الولايات المتحدة بالضغط لإفراغ النصّ من جزء كبير من مضامينه.

وقال الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية “عبر مضايقة دول أخرى لإضعاف ما كان يمكن أن يكون قرارًا تاريخيًا، والتملص بالتالي من أي تحقيق دولي، تدير الولايات المتحدة ظهرها مرة أخرى لضحايا العنف الأمني والسود”.

من جهتها، دانت ميشيل باشليه، الأربعاء، أمام المجلس- “العنصرية الممنهجة”، دون أن تذكر الولايات المتحدة، ودعت إلى “الاعتذار العلني” على قرون من قمع السود، عبر “اعتذارات رسمية” و”تعويضات”.

وعقب دقيقة صمت تكريما لجميع ضحايا العنصرية، قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد -في رسالة فيديو- إن من “مسؤولية” الأمم المتحدة الاستجابة لضحايا العنصرية.

وقبل افتتاح الاجتماع، وقّع 20 مسؤولا أمميا أفريقيا كبيرا أو من أصول أفريقية، بينهم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس، بصفة شخصية، على بيان اعتبروا فيه أن “الاقتصار على إدانة التعبيرات والأفعال العنصرية ليس كافيا”.

وقبل التصويت، أقر ممثل بوركينا فاسو الذي يمثل المجموعة الأفريقية في مجلس حقوق الإنسان، أنه جرى تقديم “عدة تنازلات” من أجل “ضمان التوافق” حول النص.

وبعث شقيق جورج فلويد رسالة فيديو مؤثرة للأمم المتحدة، طالب فيها بإجراء إصلاحات، وقال فيلونيس فلويد “لديكم القدرة على مساعدتنا لتحقيق العدالة”.

وطالب بتشكيل “لجنة تحقيق مستقلة بشأن السود الذين قتلتهم الشرطة في الولايات المتحدة، والعنف المستعمل ضد المتظاهرين السلميين”.

من جهته، أشار سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أندرو برمبرغ هذا الأسبوع، إلى “شفافية” بلده في مجال مكافحة التمييز والظلم العرقي.

ربما يعجبك أيضا