انتقادات لاذعة لـ«شربل».. والعلاقات اللبنانية السعودية تتخطاه

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات منسوبة لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية شربل وهبة، والتي قد تشكل عثرة جديدة في مسار العلاقات اللبنانية مع دول الخليج، إلا أن اعتذارات المسؤولين اللبنانيين وموقف الرئاسة اللبنانية حاصروا تصريحات الوزير باعتباره “رأي شخصي” لا يمت لموقف الدولة اللبنانية وعلاقته بدول الخليج، ولاسيما السعودية التي ترتبط معها بتوأمة روحية تطورت على مدى عقود طويلة منذ ما قبل الاستقلال، فترسّخت وتشعّبت، حتى صارت المملكة حاضرة بقوة في كلّ المحطات المصيرية التي مرّ بها لبنان.

انتقادات لاذعة لـ «شربل»

خلال الساعات الماضية، تصدر وشم #شربل_وهبة مواقع التواصل في لبنان، ووجهت موجة من الانتقادات إلى وزير الخارجية المحسوب على التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون، من قبل آلاف اللبنانيين الذين رأوا فيه قصر نظر، وتخريبًا للعلاقات اللبنانية الخليجية، وإضرارًا بمصالح اللبنانيين في الخارج أيضًا.

كذلك، وجه عدد من النواب والسياسيين انتقادات لاذعة إلى وهبة، معتبرين كلامه غير مقبول على الإطلاق وخطير.

كان الوزير اللبناني قد صرح خلال مقابلة بالأمس مع قناة “الحرة”، أدان فيها دول الخليج العربي واتهمها بدعم تنظيم داعش في محاولة منه لمعاداة الأشقاء العرب والانقضاض على الهوية العربية للبنان.

وفي معرض دفاعه عن سلاح حزب الله وتبرير وجوده خارج إطار الدولة ومؤسساتها، قال: “سلاح الحزب هو سلاح يتحمل مسؤوليته حزب الله، لا شك أن لبنان يتحمّل هذه المسؤولية ولكن ليس القرار قرار الدولة اللبنانية”.

وعقب تصريحاته، طالبه عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين بالاعتذار علنًا من الشعب اللبناني، عن تصريحاته التليفزيونية التي أساءت لتاريخ لبنان وحاضره ومستقبله وإلى موقعه العربي والدولي.

وكان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وجه بوقت سابق انتقادات لاذعة للوزير والجهة التي يمثلها. وأكد في بيان صدر عن مكتبه بالأمس، أن كلام وهبة لا يمثل معظم اللبنانيين، بل محوراً معيناً في السلطة اعتاد على تقديم شهادات حسن سلوك لجهات داخلية وخارجية.

وأمام تلك الموجة من الانتقادات، أصدر وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف بياناً أكد فيه أنه فوجئ بتفسيرات وتأويلات غير صحيحة لكلامه، مؤكدا أن “ما قاله لم يتناول الأشقاء في دول الخليج العربي، ولم يتطرق إلى تسمية أي دولة”، مؤكدًا حرصه على أفضل العلاقات مع جميع الدول الشقيقة والصديقة للبنان.

الرئاسة اللبنانية: لا يمثلنا

 من جهتها، أكدت الرئاسة اللبنانية حرصها على عمق العلاقات الأخوية بين لبنان وجميع الدول الصديقة لا سيما دول الخليج والمملكة العربية السعودية، ورفض أي إساءة تطال هذه الدول.

 جاء ذلك في بيان أصدرته الرئاسة اللبنانية، اليوم الثلاثاء، تعقيبًا على ردود الأفعال التي أثارتها تصريحات أدلى بها وزير الخارجية شربل وهبه إلى شبكة (الحرة) الإخبارية الأمريكية، مشيرة إلى أن بعض ردود الأفعال استهدفت الإساءة إلى العلاقات بين لبنان ودول الخليج في إطار حملة ممنهجة.

وأضافت “إن رئاسة الجمهورية إذ تؤكد على عمق العلاقات الأخوية بين لبنان ودول الخليج الشقيقة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية الشقيقة، وعلى حرصها على استمرار هذه العلاقات وتعزيزها في كافة المجالات – تعتبر أن ما صدر عن وزير الخارجية ليل أمس يعبر عن رأيه الشخصي، ولا يعكس في أي حال من الأحوال موقف الدولة اللبنانية والرئيس ميشال عون الحريص على رفض ما يسيء إلى الدول الشقيقة والصديقة عموما، والمملكة العربية السعودية ودول الخليج خصوصا”.

 العلاقات اللبنانية السعودية

تعود العلاقات اللبنانية السعودية إلى ما قبل تأسيس لبنان وإلى الآن. ولعلّ الموقف الصارم للملك سلمان بن عبد العزيز دعماً للشعب اللبناني، في كلمته التي ألقاها بمناسبة انعقاد الدورة الـ75 للأمم المتحدة في نيويورك، واعتباره أنّ الحلّ يكون بنزع سلاح حزب الله، ووصفه بأنّه إرهابي، هو درّة المواقف السعودية.

ويتوج هذا الموقف حزمة الثوابت السعودية بإزاء لبنان، انحيازاً إلى المؤسسات الدستورية فيه، والذي يأتي عقب الكارثة الإنسانية التي تسبّب بها انفجار مرفأ بيروت، التي يتحمّل مسؤوليته حزب الله بسبب هيمنته على القرار اللبناني بقوّة السلاح، وحمايته الفساد. لهذا اعتبر الملك سلمان أنّ تحقيق ما يصبو إليه اللبنانيون من أمن واستقرار ورخاء يتطلّب أولاً نزع هذا السلاح.

وما بين المملكة العربية السعودية ولبنان علاقة خاصة، تتجاوز التقاليد الدبلوماسية والمصالح المادية المتبادلة بين الدول الشقيقة أو الصديقة. إنها حكاية توأمة روحية بين الرياض وبيروت، تمخضت على مدى عقود طويلة، منذ ما قبل الاستقلال، فترسّخت وتشعّبت، حتى صارت المملكة حاضرة بقوة في كلّ المحطات المصيرية التي مرّ بها لبنان، لا سيما في المرحلة الممتدة ما بين نهاية الستينيات وإلى ما بعد إنهاء الحرب الأهلية فيما سمّي بمرحلة إعادة الإعمار، مروراً بالمحطة الأساس وهي اتفاق الطائف عام 1989 الذي دخلت بنود أساسية منه على شكل تعديلات دستورية.

وخلال الآونة الأخيرة، بعد ضبط السعودية شحنة مخدرات مهربة من لبنان، وحظر استيراد الفاكهة والخضار منه، أعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية في بيان لها تمسكها بأفضل العلاقات مع المملكة، والتشدد في مكافحة تهريب المخدرات والتنسيق مع المملكة للكشف عن المهربين والحيلولة دون تكرار مثل هكذا عمليات تهريب.

وكان لوقع الأزمة الأخيرة بالغ الأثر في توضيح متانة العلاقة بين الرياض وبيروت، فالمملكة تمكنت من تحييد الموقف اللبناني عن موقف جهات خارجة تسعى للعبث بأمن ومقدرات الدولة اللبنانية والتي تشير أغلبها إلى تورط حزب الله اللبناني، الساعي دوما لإثارة الفوضى والخراب في لبنان لتأتي تصريحات شربل المحسوب على التيار العوني الداعم لسلاح حزب الله لتؤكد ذلك، وهو ما تدركه المملكة العربية السعودية التي تمثل أكبر داعم لأمن واستقرار لبنان.

ربما يعجبك أيضا