انخفاض “الدولار”.. “فقدان لهيبته” أم للقدرة على المنافسة؟!

يوسف بنده

رؤية

تتجه الأنظار إلى الدولار الأمريكي باعتباره العملة الرئيسية في العالم وواحدة من أسس النظام المالي القائم، هذه الأنظار تحمل تساؤلات مشروعة من قبيل متى سينهار؟ وهل فعلا احتمال انهياره قائما؟ وهل سيتعافى سريعا ما بعد انهياره أم إن الورقة الخضراء انتهى زمنها.

وتتعالى الأصوات المتسائلة خصوصا في الظروف الحالية للعملة الأمريكية التي لا تعيش أحسن أحوالها منذ فترة.

الدولار في مهمة

انخفاض الدولار يساعد الولايات المتحدة على منافسة دولًا صناعية مثل الصين واليابان، فحسب تقرير لمجلة “أمناي” الاقتصادية، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يرغب حقيقةً في الإبقاء على العملة الأمريكية مرتفعة لأن هذا يضر التصدير والتوظيف وعمل الشركات وبالتأكيد سيمنعه من تحقيق الاقتصاد الأمريكي نموا يصل إلى 4 في المئة خلال السنوات القادمة.

ووفق تقرير المجلة: يريد دونالد ترامب أن يذهب بالاقتصاد الأمريكي من حالة الركود التي يعيشها منذ أزمة 2008 إلى حالة أفضل تتسم بالتصنيع في بلده عوض الصين، وتشغيل الملايين من الناس في المصانع والمناجم وافتتاح المعامل وتشجيع الشركات على تصنيع منتجاتها في الولايات المتحدة الأمريكية.

وينظر الرئيس الأمريكي إلى أن قيام الشركات بالتصنيع في الصين والبلدان الأخرى هي بمثابة سرقة لفرص العمل ونقلها إلى خارج أمريكا، وهو يعلم جيدا أن الدافع وراء ذلك بالنسبة للشركات ليس حبها لثاني أكبر اقتصاد في العالم حيث العمالة الرخيصة والملايين من اليد العاملة، بل لأن التصنيع والتصدير في الصين مربح جدا ومغري لأي شركة أو مصنع في العالم وهي الظاهرة التي يعيشها العالم منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي حيث اتجهت الصين لتكون مصنع العالم وهي كذلك الآن.

ويرى ترامب أن الصين واليابان وحتى الاتحاد الأوروبي كلها أطراف متلاعبة بقيمة عملاتها، وهي تنتفع من كون قيمة عملاتها أقل من الدولار الأمريكي.

وقد رأينا اتهامه ألمانيا بذلك؛ حيث اعتبر أن الدولة الأقوى في منطقة اليورو تتعمد تخفيض قيمة اليورو أمام الدولار وأن ذلك يساعدها على مستوى المنافسة الدولية والتجارية العالمية، من جهة أخرى اتهم أيضا اليابان بنفس الأمر وهي الدولة التي تملك أرخص عملة ضمن الدول الكبرى اقتصاديا، ومن المعلوم أن البورصة اليابانية تخسر عندما تزداد قيمة الين الياباني أمام الدولار فيما تتفاءل الشركات والمستثمرين كلما قلت قيمته.

ولا يخفي الرجل انزعاجه الكبيرة من اليوان الصيني الذي يتحكم فيه البنك المركزي الصيني، وهو الذي أكد في مقابلات صحفية أن الصين تستخدم هذه الميزة لتتفوق صادراتها على صادرات البلدان الأخرى وهي اتهام اليابان لها أيضا.

الإنتاج المحلي للتصدير

قيمة الدولار المرتفع مقارنة بالعملات العالمية الأخرى لا يساعد بشكل عام الاقتصاد الأمريكي على تحقيق النمو الذي حدده ترامب وهو 4 %.

ولتحقيق هذا النمو يتوجب أن تنقل الشركات الأمريكية عملياتها الإنتاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتوظيف الملايين من الموظفين وبالتالي ترتفع الصادرات الأمريكية وكل هذا مشروط في الحقيقة بالعديد من العوامل منها تراجع قيمة الدولار ما سيساعد الصادرات الأمريكية على المنافسة بقوة في الأسواق العالمية حيث الصادرات الصينية أرخص ولا تقل أيضا جودة!

الهروب من الدولار

وقد هيمن الدولار الأمريكي على الأسواق العالمية لعقود طويلة، إلا أن هيبته بدأت بالتصدع والانهيار، فيما يسعى قادة العالم الآن للتخلي عن العملة الأمريكية.

وصف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في سبتمبر، إجبار الأوروبيين على شراء سلعهم الخاصة بالدولار بـ”السخيف”، في الوقت الذي صرح فيه وزير المالية الفرنسي، برونو لو ماير، بأنه يريد أن تكون حكومته المالية غير مرتبطة بالدولار ومستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية.

وتشير “بلومبرج” التي نشرت الخبر، إلى أن روسيا تقلص أصولها المالية من الدولار لارتفاع المخاطر المرتبطة بالعملة الأمريكية في التعاملات الدولية، بالإضافة لتحدي الصين لهيمنة العملة الأمريكية في أسواق الطاقة العالمية، فبدأت بإدخال عملتها المحلية “اليوان” في تعاملات الطاقة الخاصة بها.

وبحسب الموقع: فإن مثل هذه المتغيرات تعتبر إنذارًا سيئًا للولايات المتحدة الأمريكية، وبأن استخدام الدولار في العقوبات المالية الأمريكية بما يخص حلفاءها أيضا يعتبر بادرة سيئة.

وأضافت الوكالة بأن قادة الاتحاد الأوروبي يسمحون لشركاتهم بالتعامل مع شركات من الدول النامية بنظام دفع يجعلهم يتهربون من العقوبات الأمريكية وهم يقومون بذلك بشكل علني.

وتحدث “بلومبرج” عن أن أحد عوامل قوة الدولار الأمريكي في الوقت الحالي هو ضعف العملات التنافسية الأخرى، فمنطقة اليورو تعاني من مشاكل، والصين حذرة من مسألة تدفق رؤوس الأموال المفتوحة و التجارة العالمية.

يذكر بأن العلاقات الأمريكية الأوروبية شهدت خلافا حادا بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة للرسوم الجمركية التي فرضتها أمريكا على الألمنيوم والفولاذ، بالإضافة لتهديد عدد من الشركات الأوروبية من التعامل مع إيران مع تطبيق الحظر عليها.

وبدورها تسعى روسيا للتخلص من الدولار عن طريق شراء الذهب وبيع السندات الحكومية الأمريكية.

كما أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين تزداد نارها بين البلدين وبخاصة بعض فرض البلدين عددا من الرسوم والإجراءات بحق بعضهما البعض، الأمر الذي يقوض الحركة التجارية بين أقوى اقتصادين في العالم.

الذهب بديلًا

وتشیر المعطیات إلى أن البنوک المرکزیة عبر العالم رفعت من وتیرة شرائها للذهب خلال الفترة الأخیرة، وسط حدیث عن توجه بعض الدول مثل روسیا نحو تخفیف مستوى حیازتها للدولار الأمريکي، ورغبة دول أخرى فی الاستفادة من الأسعار المغریة للمعدن الأصفر في الوقت الحالي.

بید أن خبراء یعتقدون بأن السیاسات المتشددة التی تنتهجها إدارة الرئیس الأمريکي دونالد ترامب اتجاه الشرکاء التجاریین تخلق حالة عدم الیقین، وتدفع عدداً من العواصم العالمیة إلى الاحتماء بالذهب کملاذ آمن للحفاظ عل قیمة ثرواتها.

وحسب تقرير شبكة الجزيرة، تقول صحیفة “لیزیکو” الفرنسیة إن انخفاض سعر الذهب بالأسواق العالمیة -إلى أدنى مستوى منذ أکثر من عام – لم یترک البنوک المرکزیة مکتوفة الأیدی حیال هذا الأمر. فقد حازت بولندا تسعة أطنان من الذهب فی یولیو/ تموز وأغسطس/ آب فقط، وذلک لأول مرة منذ عشرین عاماً، وفق بیانات صندوق النقد الدولي.

وهذا یشیر – حسب الصحیفة – إلى أن انجذاب البنوک المرکزیة للذهب آخذ بالازدیاد، خاصة في ظل وجود دول أخرى لجأت هي الأخرى لشراء الذهب لأول مرة منذ سنوات. وتوضح (لیزیکو) أن هذه التحرکات لا تشکل شیئاً أمام روسیا وترکیا وکزاخستان التي استحوذت على 86 % من عملیات حیازة الذهب خلال النصف الأول من هذا العام، وفق بیانات مجلس الذهب العالمی. فالمرکزي الروسي اشترى لوحده 383 طناً من الذهب خلال ینایر/ کانون الثاني 2017 وحتى یولیو/ تموز 2018، بحسب الصحیفة. وتنقل الصحیفة عن محللین أن تعطش روسیا للذهب لیس على وشک أن یجف، حیث إن البلاد تراکم الذهب لتنویع احتیاطاتها من العملات الأجنبیة، بجانب استخدامها للذهب کاحتیاطي دولي یمکن أن یقلل من الاعتماد على الدولار في ظل العقوبات الأمريکیة علیها.

ویقول آخرون – وفق الصحیفة – إن الرغبة على ما یبدو في التخلص من الدولار تلعب دوراً مهماً في زیادة وتیرة شراء الذهب. ویضیف هؤلاء أن هذا الأمر جاء بسبب مزیج من التوترات الجیوسیاسیة ونظرة الدولار على المدى البعید والتغیرات الهیکلیة بالتجارة العالمیة.

وتشیر بیانات مجلس الذهب إلى أن احتیاطي الذهب المملوک -من قبل البنوک المرکزیة العالمیة- ارتفع إلى 33 ألفاً و800 طن حتى سبتمبر/ أیلول 2018.

وتشیر التقارير، إلى أن الصین تقوم منذ سنوات بتکثیف الاستثمار المباشر في الأسهم العالمیة والذهب مقابل خفض حیازتها للسندات الأمريکیة؛ لکنه أوضح أن السندات تکون علیها عوائد بینما الاستثمار في الذهب یتوقف على ارتفاع أو نزول قیمته بالأسواق.

ربما يعجبك أيضا