باحث فرنسي: إيران ستقدم معروفًا لنتنياهو بمهاجمة إسرائيل مباشرة (حوار)

عبدالمقصود علي
جهود دبلوماسية في ظل تنامي المخاوف من رد انتقامي إيراني محتمل على اغتيال هنية

يحلل الخبير الجيوسياسي العواقب المحتملة لسلسلة الاغتيالات التي استهدفت القيادي في حماس إسماعيل هنية بطهران والقيادي بحزب الله اللبناني فؤاد شكر من قبل إسرائيل، مما يثير شبح حرب إقليمية أوسع نطاقًا.


باسكال بونيفاس، الباحث الجيوسياسي الفرنسي الحاصل على دكتوراه في القانون الدولي العام من معهد الدراسات السياسية بباريس، يوضح في حوار مع صحيفة “جون أفريك” الفرنسية أن الإيرانيين لا يملكون القدرة على مهاجمة إسرائيل وأنهم إذا فعلوا ذلك، سيتشكل تكتل غربي يواجههم، فمهاجمتهم تل أبيب بشكل مباشر، سيكون بمثابة معروف يقدمونه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفيما يلي نص الحوار:

ما الرسالة التي بعثت بها تل أبيب من خلال اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية والقيادي بحزب الله اللبناني فؤاد شكر؟

صرح بنيامين نتنياهو مرارًا وتكرارًا بأن قادة حماس هم “رجال محكوم عليهم بالموت”، وأنهم جميعًا سيدفعون ثمن هجمات 7 أكتوبر 2023. وعلى مستوى السياسة الداخلية، يعد هذا نجاحًا.

إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بإزاحته الزعيم السياسي لحركة حماس الذي كان يتفاوض معه، يظهر أن أولويته ليست إطلاق سراح الرهائن وأنه غير مستعد لوقف إطلاق النار. وإذا جرى التوصل لهدنة فإن الحزبين المتطرفين الداعمين له سيغادران التحالف، ما يؤدي إلى سقوط حكومته. ومع ذلك، اختار نتنياهو البقاء في السلطة بأي ثمن؛ وبالتالي فإن جعل إطلاق سراح الرهائن أولوية لن يفيده؛ ومن شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا.

هل يُعتبر هذا أيضًا انتصارًا لحلفاء بنيامين نتنياهو الغربيين؟

هكذا يجري تقديمه، لأنه أدى إلى اختفاء “عدوين مهمين”، لكن الأمر الذي يجب معرفته هو ما إذا كان ذلك لا يتعلق بمنطق التصعيد. بالنسبة لزعيم حزب الله، فقد اقترح الأمريكيون والأوروبيون على رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم مهاجمة بيروت، عاصمة الدولة التي تربطها علاقات قوية جداً بالدول الغربية. وحتى الآن، حلفاء إسرائيل موافقون ضمنيًا على ضرب جنوب لبنان، لكنهم كانوا بدوا متحفظين تجاه ضرب بيروت.

وبهذا الهجوم، قضى نتنياهو بالتأكيد على مسؤول مهم في حزب الله، لكنه قبل كل شيء وسّع الفجوة بينه وبين الرئيس الأمريكي جو بايدن – وربما نائبته والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة كامالا هاريس. فنتنياهو مرة أخرى، اختار تعزيز ائتلافه الحكومي، لإرضاء وزيريه اليمينيين المتطرفين، إيتمار بن جفير وبتسئيل سموتريتش.

هل لدى نتنياهو حسابات سياسية أخرى على حساب الرهائن، ورغم مخاطر اندلاع حريق إقليمي؟

يعتقد العديد من السياسيين وقادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن هدف نتنياهو الوحيد هو البقاء في السلطة، من أجل تجنب العديد من المشاكل القانونية التي سيتعرض لها حال سقوط حكومته. فاستمرار الحرب يسمح له بالبقاء، ووقف إطلاق النار سيكون فشلاً بالنسبة له.

حتى يومنا هذا، لم تعترف إسرائيل بعد بوقوفها وراء الغارة التي قتلت إسماعيل هنية. كيف تفسر ذلك؟

اعترف الإسرائيليون بأنهم نفذوا الهجوم الأول، هجوم بيروت، على عكس الهجوم الآخر بطهران. عندما نتساءل عن سبب ذلك؟ فهو حتى لا يعترفوا علنًا بأنهم تخلوا عن التفاوض على إطلاق سراح الرهائن. الأمر واضح: إذا كنت تريد التفاوض، فلا تقتل المفاوض.

هل تريد إسرائيل بذلك إشعال حرب إقليمية تجبر واشنطن على التدخل فيها؟

قد تكون هناك محاولة من جانب إسرائيل لجر إيران إلى مواجهة مع واشنطن. وفي هذه الحالة، ستتعزز علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. على عكس إيران مع الغرب الذي بدأ ينتقد التحركات الإسرائيلية في غزة. فحتى لو لم يمارس الغرب ضغوطاً حقيقية على نتنياهو، إذا هاجمت إيران إسرائيل بشكل مباشر، كما رأينا الشهر الماضي، فإن جميع الدول الغربية ستؤكد تضامنها مع تل أبيب.

لم يعلق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على الهجوم الذي أودى بحياة فؤاد شكر في بيروت. هل هناك موافقة من جانب واشنطن على القضاء على القيادي بحزب الله الذي تحمله مسؤولية مقتل 240 من مشاة البحرية الأمريكية عام 1983؟

من الصعب تحديد ذلك. لكن المؤكد هو أن الفرنسيين والأمريكيين، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا للهجمات التي نفذها فؤاد شكر، لن يحزنوا على اغتياله. لكن التصعيد في حد ذاته هو ما يثير القلق.

كان إسماعيل هنية في طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. ألا يمثل استهدافه فشلاً ذريعًا للأجهزة الإيرانية؟

نحن نتحدث عن زعيم مهم لحركة متحالفة، استقبله المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وذهب إلى طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد. إن حقيقة مقتله هناك تمثل خرقًا أمنيًا كبيرًا وازدراءًا للأجهزة الإيرانية. لكن هذه ليست المرة الأولى التي تغتال فيها إسرائيل شخصيات هامة في طهران فقد قضوا على العديد من الأشخاص المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني. علاوة على ذلك، ما يمكن الإشارة إليه هو أنهم اختاروا اغتيال هنية في طهران وليس في الدوحة، حيث ربما كان من الأسهل ذلك، لكن إسرائيل، مهما كانت مواقفها الرسمية، لا ترغب في توتر علاقاتها مع قطر.

باسكال بونيفاس، الباحث الجيوسياسي الفرنسي

باسكال بونيفاس، الباحث الجيوسياسي الفرنسي

ما هي العواقب التي يمكن أن يخلفها اغتيال إسماعيل هنية على حماس؟

لقد فقدت حماس جزءًا أساسيًا منها، ألا وهو زعيمها السياسي ورئيس الوزراء الفلسطيني من مارس 2006 إلى يونيو 2014، كان رجل كل الاتصالات والاجتماعات الدولية. ولكن، حتى لو كان هنية لحماس وشكر [بالنسبة لحزب الله] مهمين، فإنك اغتيالهم لن يقضي على حماس أو حزب الله. يحدث هذا فقط عندما لا يكون لدى المنظمة قاعدة اجتماعية أو دعم، وهذا الحال أبعد ما يكون بالنسبة لحماس.

ما هو نوع الرد الذي يجب أن نتوقعه من الإيرانيين؟

الإيرانيون لا يملكون القدرات اللازمة لمهاجمة إسرائيل، وهم يعرفون ذلك جيدا. هم يعلمون أيضًا أنهم إذا فعلوا ذلك، سيكون هناك تكتل غربي يواجههم. وبعد قصف مبنى قنصليتهم في دمشق، أكدوا أنهم لن يبقوا دون رد فعل، ولكن قبل اتخاذ أي إجراء، حذروا وتأكدوا من عدم وقوع قتلى إسرائيليين.

من الواضح أنهم لاحظوا أن الدول الغربية، التي لم تنتقد القصف الموجه إلى قنصلية إيران بدمشق، أدانت على الفور إطلاق طائراتها بدون طيار وصواريخها على إسرائيل، إذا هاجم الإيرانيون إسرائيل بشكل مباشر، فإنهم بذلك سيقدمون معروفًا لنتنياهو. لذلك سيكون من الحكمة بالنسبة لهم الاعتماد على حلفائهم في “محور المقاومة”.

هل يمكن تصور هجوم منسق من قبل جميع أعضاء “محور المقاومة”؟  وما هي درجة نفوذ إيران على “وكلائها”؟

من المؤكد أن هذه الحركات مرتبطة بإيران، التي تساعدهم في التسلح. لكن في نفس الوقت لديها قادتها وطموحاتها الخاصة؛ والإيرانيون لا يديرونها. إنهم ليسوا دمى بسيطة. ويبقى أن نرى ما سيفعله حزب الله، الذي يمكنه تكثيف ضرباته. وفي كل الأحوال فإن حدود المقبول تتلاشى شيئًا فشيئًا، ونقترب كل يوم من الهاوية.

ما هو تحليلك لما يحدث على الأرض؟ وكيف حال القوات؟

إسرائيل لم تضعف عسكريًا ولا تزال لها اليد العليا. لكن بعد عشرة أشهر من الحرب، لم تنتصر بعد. وهو ما يوضح حدود الحلول العسكرية للمشاكل السياسية.

في حال فوز كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية نوفمبر المقبل، هل يمكننا أن نتصور أن يكون المستأجر الجديد للبيت الأبيض أقل تصالحًا مع إسرائيل من جو بايدن؟ فخلال زيارة نتنياهو إلى واشنطن في يوليو الماضي، لم تتردد في الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

نعم بالتأكيد. إنها ليست من نفس جيل بايدن. فهي تنحدر من ولاية كاليفورنيا، وهي ولاية أكثر انفتاحًا، وبالتالي لا تتمتع بكلاسيكية السياسة الأمريكية. وبطبيعة الحال، لن تقطع العلاقات مع إسرائيل. لكنها ستكون أكثر تشددًا من بايدن الذي اكتفى بالاحتجاج حتى الآن. ولم يتبع بنيامين نتنياهو أيًا من نصائحه أو أيًا من مقترحاته.

ربما يعجبك أيضا