بدأت بـ”20 سنتًا” .. مسيرة الانتفاضة اللبنانية في 13 يومًا

أشرف شعبان

رؤية – أشرف شعبان

قد تكون أول مرة في تاريخ لبنان الحديث الذي يخرج فيها الشعب اللبناني بهذا الزخم الكبير احتجاجا على الفساد، فشكل المشهد واحدا من أكثر المشاهد المباغتة للسلطة والشعب معًا.

20 سنتا يوميا

تعود القصة في بدايتها إلى إعلان وزير الإعلام اللبناني جمال الجراح، في اليوم السادس عشر من شهر أكتوبر، أن الحكومة اللبنانية أقرت فرض ضريبة قيمتها 20 سنتا في اليوم، أي ما يساوي 6 دولارات لكل مشترك في الشهر، على المكالمات التي تجري عبر تطبيق “الواتساب”، وذلك لكي تؤمن 216 مليون دولار إضافية في السنة، لخزينة الدولة.

ووفقاً لتقارير إعلامية لبنانية فإنه خلال جلسة لمجلس الوزراء، تمت الموافقة على مشروع قانون يفرض رسوما على استخدام “واتساب كول” وتطبيقات مماثلة مجانية تتضمن مكالمات هاتفية مثل سكايب، viber، فيسبوك كول، فايس تايم، والتي تستخدم نظام التخابر عبر الإنترنت VoIP voice over IP.

ولجأ مواطنون لبنانيون إلى وسائل التواصل للتعبير عن رفضهم للإجراءات الجديدة، في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان، وغلاء الأسعار، خاصة المتعلقة بقطاع الاتصال.

غضب شعبي

وفي اليوم التالي، 17 أكتوبر، خرج عشرات الناشطين للاحتجاج في ساحة الشهداء وسط بيروت على الإجراءات الضريبية الجديدة، إلا أن الاحتجاجات توسعت، في اليوم الثالث، الجمعة، بشكل أكبر بانضمام متظاهرين من مختلف الطوائف اللبنانية، لتطال إلى جانب بيروت، مناطق أخرى، شمالاً وجنوباً، على وقع مطالبات بإسقاط الحكومة.

وتوافد المئات إلى ساحة رياض الصلح وسط بيروت الجمعة، كما انتشر الجيش والقوى الأمنية بشكل واسع في بيروت ومناطق لبنانية عدة.  

اتساع رقعة المظاهرات 

وامتدت المظاهرات إلى الجنوب والبقاع الشمالي، منطقتي نفوذ حزب الله وحركة أمل، وفي منطقتي طرابلس وصيدا المعروفتين بأنهما مناطق نفوذ قوي لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري.

بدورها شهدت مناطق المتن وكسروان وجبيل ذات القاعدة المسيحية مشاركة لافتة هي الأخرى، ولم تتأخر  منطقتا الشوف وعلي عن ركب الاحتجاجات، حيث القاعدة الشعبية للحزب التقدمي الاشتراكي، كما تم إلغاء جلسة مجلس الوزراء اللبناني، التي كانت مقررة الجمعة، على وقع الاحتجاجات التي ملأت الشوارع.

إسقاط النظام وأركانه

اتسعت مطالب المحتجين التي بدأت بالدعوة للتراجع عن الضرائب واستقالة الحكومة لتشمل المطالبة بإسقاط النظام وأركانه، كما تم قطع الطرق المؤدية إلى مطار بيروت، والقصر الرئاسي في بعبدا بالإطارات المشتعلة.

إلا أن الصباح الباكر كشف عن حجم المواجهة التي وقعت بين قوى الأمن الداخلي اللبناني وبين المتظاهرين، أثناء محاولة الأمن فتح الطرق المغلقة بالقوة، والتي نجم عنها وفاة عاملين سوريين قضيا خنقا من جراء دخان الحريق، وإصابة 60 عنصرا من الأمن الداخلي، بدوره أعلن الصليب الأحمر اللبناني بأنه عالج سبعين مصابا ميدانيا ونقل 26 جريحا إلى المستشفيات.

حل مطمئن للأزمة

وفي يوم السبت، التاسع عشر من الشهر ذاته، خرجت التصريحات من المسؤولين في لبنان بداية بالرئيس اللبناني نبيه بري الذي أعلن أنه سيكون هناك حل مطمئن للأزمة، فيما دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إلى ضرورة بقاء الحكومة، بقوله في كلمة بثها التلفزيون إن جماعته لا تؤيد استقالة الحكومة وإن البلاد ليس لديها متسع من الوقت لمثل هذه الخطوة نظرا للأزمة الاقتصادية الحادة.

وأعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، استقالة وزرائه الأربعة من حكومة سعد الحريري، مؤكدا أن استقالة وزرائه لم تكن بالتنسيق مع رئيس الحكومة سعد الحريري، مشددا على أن هذه الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول، مؤكدا أنه ومن هذا المنطلق، قرر التكتل من وزراء القوات التقدم بالاستقالة.

ورقة إصلاحية

وفي اليوم الحادي والعشرين، وفي محاولة من الحكومة اللبنانية لإيجاد مخرج اللأزمة وتهدئة الأوضاع، أقرت في أول اجتماع لها ورقة إصلاحية لاسترضاء المحتجين، حيث أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، إقرار مشروع الموازنة العامة للبلاد للعام المقبل 2020 دون أي أعباء ضريبية جديدة، وإحالتها إلى مجلس النواب لاعتمادها، وكذا حزمة من الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية، في مقدمتها تخفيض رواتب كافة المسؤولين في الدولة بقيمة 50%، وإلغاء ودمج بعض الوزارات ومؤسسات الدولة في إطار التقشف العام، وغيرها من الإجراءات.

 الورقة الإصلاحية،خطوة لم تفلح في إنهاء الأزمة، لينتقل المشهد في لبنان من أزمة مطالب محتجين إلى أزمة سياسية بإعلان رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته، بعد 13 يوما من الاحتجاجات المستمرة في شوارع لبنان، واصفا الوضع بأنه وصل إلى طريق مسدود.

استقالة الحريري

وعلى صعيد الحراك الشعبي، فإن استقالة الحريري أثرت بشكل مختلف على المتظاهرين، إذ تباينت ردود الفعل، بين أنصار له نزلوا إلى الشوارع وقطعوا الطرقات رفضا لاستقالته منفردة، مطالبين باستقالة رئيسي الجمهورية والبرلمان أيضا، وبين الأغلبية التي رحبت بها، لكنها ما زالت ترى أنها “لا تكفي”.

الشارع لم يهدأ

من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي، أسعد بشارة، إن “المسار داخل السلطة منفصل تماما عن مسار الديناميكية داخل الشارع، فالانتفاضة الشعبية تطالب بالتغيير الكامل”، مضيفا أنه في حال “قرر حزب الله أن يلجأ مرة ثانية إلى الالتفاف والمناورة، فإن الشارع لن يسكت”.

واستطرد قائلا: “مطالب الشارع تتجاوز القوى السياسية والطائفية، فالحريري ابن الطائفة السنية، وهو ممثل حقيقي وكبير لها، ومع ذلك لاحظنا أن ردة فعل طرابلس، وهي أكبر مدينة ذات طابع سني في لبنان، جاءت مؤيدة للاستقالة، وهذا يعكس تجاوز اللبنانيين للحواجز الطائفية، وتعاملهم من منطلق الوطنية وحب البلد”.


 

ربما يعجبك أيضا