بداية قوية لسوق السندات العالمية في 2023.. ما مداها؟

ولاء عدلان

جولدمان ساكس: سوق السندات قد تشهد خلال 2023 دخول مستثمرين جدد، وسط توقعات بأن تتجاوز عوائد السندات أرباح الأسهم للمرة الأولى منذ 2008.


ازدهرت إصدارات السندات الجديدة خلال الشهر الأول من 2023، مدفوعة بعوائد مرتفعة وبدورها التقليدي كملاذ آمن وسط تصاعد مخاوف الركود عالميًّا.

وحققت مبيعات الحكومات والشركات من السندات خلال الفترة من 1 إلى 18 يناير المنصرم، مستوى قياسيًّا بلغ 586 مليار دولار، بعد عام من التقلبات تكبدت فيه أسواق السندات خسائر بنحو 16.3% وبأعلى وتيرة منذ 1990.

بداية مثيرة للأعجاب

طرحت 11 دولة بأنحاء العام أكثر من 20 إصدار من السندات المقومة بالدولار واليورو خلال أول 15 يومًا من العام الجديد، وبلغت حصيلة المبيعات نحو 39 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في هذه الفترة من العام منذ 2018، وفق مذكرة حديثة لمؤسسة مورجان ستانلي للخدمات المالية.

وخلال الفترة المشار إليها، قفز إصدار الديون المقومة باليورو بنحو 39% على أساس سنوي، وقاد القطاع المالي عمليات إصدار السندات عالميا بمبيعات تجاوزت 250 مليار دولار حتى 19 يناير. وعلى مدار الشهر سجلت سندات الخزانة الأمريكية والسندات الألمانية أفضل أداء لها في هذا التوقيت من العام منذ 2008، وفق وكالتي “رويترز” و”بلومبرج”.

328194239 735089544837397 7373856281375719591 n

قفزة في مبيعات سندات اليورو خلال الفترة من 1 إلى 18 يناير 2023

عوامل تعزز أداء السندات

تتوقع الأسواق أن تبدأ معدلات التضخم العالمي في التراجع تدريجيًّا خلال 2023، ما يسمح للبنوك المركزية بعكس دفة موجة التشديد النقدي، أو على الأقل خفضها بوتيرة أسرع من المتوقع. ويقابل هذا تفاؤل بشأن تراجع احتمالات الركود العالمي، مع إعادة فتح اقتصاد الصين.

وأمام هذا المشهد تبدو سوق السندات التي تتمتع حاليًّا بعوائد مرتفعة، خيارًا موفقًا للمستثمرين لتنويع محافظهم الاستثمارية، وتقليل المخاطر. ومن جهة أخرى تبدو الفرصة سانحة لمصدري السندات (حكومات أو شركات) للاستفادة من الطلب المرتفع، لتكديس عروضهم وجمع التمويلات اللازمة لتعزيز موقفهم في مواجهة أزمات ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتكاليف الإنتاج، وفق “بلومبرج”.

4bc4a172e42a3ed2acd136755675fab3

قفزة في مبيعات السندات العالمية خلال الفترة من ا إلى 18 يناير 2023

وترى “بلومبرج” أن انتهاء سياسة “صفر كوفيد” في الصين، سيوفر دفعة لثاني أكبر اقتصاد في العالم وللنمو العالمي في العموم، وسيعزز سندات الأسواق الناشئة على وجه التحديد، خاصة مع توجه بكين لدعم القطاع العقاري الذي تخلف خلال 2022 عن سداد سندات بنحو 50 مليار دولار.

توقعات إيجابية

رجحت “مورجان ستانلي” أن يصل إجمالي مبيعات الديون السيادية إلى 143 مليار دولار خلال 2023 بدفع أساسي من مبيعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، مقابل مبيعات بـ95 مليار دولار في العام 2022، لكنه يظل أقل من مستوى 2020 عندما بلغت المبيعات 233 مليار دولار.

وقالت مؤسسة الخدمات المالية في يناير المنقضي، إن أسعار الفائدة الأمريكية قد تقفز إلى مستوى 5% في إبريل أو مايو، وفي المقابل سينخفض التضخم الأمريكي إلى هذا المستوى أو أعلى قليلًا، وهنا سيبرز دور السندات في تقديم مكاسب رأسمالية جذابة للمستثمرين القلقين بشأن حالة الاقتصاد.

322068565 940137444034833 2966750589165606583 n

أداء السندات الأمريكية خلال 2022

وتوقعت المؤسسة أن يبلغ التضخم الأمريكي 3.5% بحلول نهاية 2023، وأن تحقق سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات عوائد أكثر من ذلك، ما يعني أن عائداتها المعدلة حسب التضخم أو “الحقيقية” ستتحول إلى إيجابية، وفي الوقت نفسه ستوفر سندات الشركات 1.5 إلى 2.5% إضافية تتجاوز عوائد سندات الخزانة.

هل تتفوق السندات على الأسهم؟

قد تشهد سوق السندات هذا العام دخول مستثمرين جدد، وسط توقعات بأن تتجاوز عوائد السندات أرباح الأسهم للمرة الأولى منذ 2008، وفق مذكرة لمؤسسة “جولدمان ساكس” للخدمات المالية. وفي المقابل يتوقع بنك “جي بي مورجان” أن يشهد 2023 ارتفاعًا لأسعار الأسهم والسندات معًا.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يواجه ثلث الاقتصاد العالمي ركودًا هذا العام، بفعل تباطؤ اقتصادات أمريكا ومنطقة اليورو والصين، ما يعزز دفاعات المستثمرين ويجعل السندات أكثر جاذبية، لأن السهم قد يدفع توزيعات أرباح وقد لا يدفع. وتتوقع بنوك وول ستريت تراجعًا لربيحة الشركات هذا العام، وفي المقابل تصدر السندات مدفوعات ثابتة ما يؤدي إلى زيادة العائدات الإجمالية للسند.

sp 500

أداء مؤشر ستاندرد آند بورز الأمريكي منذ العام الماضي وحتى 10 يناير 2023

وترى “مورجان ستانلي” أن المستثمرين سيحصلون على مكاسب أفضل من خلال تفصيل السندات عالية الجودة على الأسهم خلال 2023، حال صحت توقعات تراجع التضخم وهدوء موجة التشديد النقدي. وتوقعت شركة “ويلز فارجو” الأمريكية للخدمات المالية، أن تعزز مخاوف الركود الطلب على السندات على مدار العام، وفق ما نقلت “بلومبرج”.

توصيات

أوصى بنك “كريدي سويس”، خلال يناير، بالتركيز على السندات الأمريكية طويلة الأجل، وديون الأسواق الناشئة بالعملة الصعبة ذات الدرجة الاستثمارية، ووصفها بالفرصة المثيرة للاهتمام هذا العام. وفي ديسمبر توقع “بنك أوف أمريكا” أن يتفوق أداء السندات على الأسهم خلال النصف الأول من 2023.

ووصف بنك “باركليز” السندات في توقعاته لـ2023 بأنها بديل منخفض المخاطرة، في ظل تحرك أسعار الفائدة أعلى 4.5%. واتفقت معه شركة “أكسا إنفستمنت” لإدارة الأصول، وأشارت إلى تحسن عوائد السندات هذا العام، مقارنة بأداء الأسهم.

وفي المقابل، تتوقع براندي واين جلوبال للاستثمار، وكارمينياك الفرنسية، انتعاشًا لسندات الشركات هذا العام، في حين أن “دي دبليو إس” الألمانية تنصح بسندات المصارف الكبرى والشركات ذات العوائد من 6% إلى 7%، وتصفها بالواعدة، وكذلك سندات اليورو ذات العوائد المرتفعة. وفي تحول واضح، يفضل بنك “سوسيتيه جنرال” هذا العام سندات الأسواق الناشئة على سندات الخزانة الأمريكية.

ولخفض مخاطر الاستثمار ينصح محللو وول ستريت في شبه إجماع بالاحتفاظ بمزيد من السندات قصيرة ومتوسطة الأجل، إلى جانب الأسهم الدفاعية في محافظهم الاستثمارية، 60% للأسهم، و40% للسندات.

ربما يعجبك أيضا