بطولات خالدة.. الفلسطينيون والأردنيون يحتفون بذكرى”الكرامة”

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

قبل 52 عامًا، هدفت إسرائيل من غزوها للأرض الأردنية إلى تحطيم القدرات العسكرية للقوات الأردنية، وزعزعة الثقة بنفسها بعد حرب حزيران، وكانت تعتقد أن الجيش الأردني تشتت بعد حرب حزيران، فالهدف كان احتلال المرتفعات الغربية من المملكة (البلقاء)، والاقتراب من العاصمة عمان للضغط على القيادة الأردنية لقبول شروط الاستسلام التي تفرضها إسرائيل، والعمل على توسيع حدودها بضم أجزاء جديدة من الأردن إليها.

كما هدفت إسرائيل إلى محاولة احتلال أراضٍ أردنية شرقي النهر والتشبث بها بقصد المساومة عليها، نظرًا للأهمية الاستراتيجية لهذه المرتفعات الأردنية ولزيادة العمق الاستراتيجي الإسرائيلي، وضمان الأمن والهدوء على طول خط وقف إطلاق النار مع الأردن، وتوجيه ضربات مؤثرة وقوية للقوات الأردنية التي كانت توفر الحماية والدعم والمساندة للمقاومين العرب، وزعزعة المعنوية لدى الأردنيين القاطنين في منطقة الأغوار ودفعهم إلى النزوح من أراضيهم ومزارعهم ليشكلوا أعباء جديدة على الدولة، وحرمان المقاومة العربية من وجود أي قواعد لها بين السكان.

إسرائيل أيضًا أرادت المحافظة على الروح المعنوية لجيشها وشعبها بسبب عدم التجانس بين الغالبية العظمى منهم في التركيبة السكانية التي جاءت على شكل هجرات صهيونية إلى أرض فلسطين، والتخوف من إحاطة العرب بهم، فأراد العدو أن يقوم بهذه العملية لإزالة حالة الرعب السائدة بين قطاعات الجيش والشعب اليهودي، وطمعها بالمرتفعات الشرقية من الناحية العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، فمناطق الأغوار غنية بالمصادر المائية والزراعية وتشكل مصدرًا اقتصاديًا استراتيجيًا مهمًا بالنسبة للأردن.

في معركة الكرامة، أراد الاحتلال إبعاد قواعد الفدائيين قدر الإمكان عن حدود فلسطين، لكنهم اقتربوا أكثر، واستشهدوا في القدس وجنين وغزة ورام الله ونابلس وطولكرم، وفوق كل تراب فلسطين.

في الخامسة والنصف من صباح الخميس، 21 آذار 1968، بدأت مدفعية العدو قصفها على مواقع قوات الإنذار والحماية الأمامية التي يطلق عليها في المفهوم العسكري الحديث (قوات الحجاب).. ثم قام بهجومه الرئيسي على الجسور الثلاثة (جسر الملك حسين، وجسر دامية، وجسر الملك عبدالله)، في وقت واحد، فاشتبكت معه قوات الإنذار الأمامية، وأخذت المدفعية الأردنية تركز قذائفها على مناطق العبور، ودمرت الجسور الثلاثة، وجزءً من المجنزرات، وعطلت تقدمها، لتندلع معركة الكرامة، ويُسجل أول انتصار عربي فلسطيني على الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة حزيران 1967.

يومها تجسدت عبارة: لن تمروا إلا على أجسادنا. وفعلا مرت مجنزرات ودبابات إسرائيلية فوق أجساد المقاتلين الذين ثبتوا في خنادقهم.
في معركة الكرامة، لم يكن من السهولة أن تهبط مروحية إسرائيلية لحمل المصابين، بفعل كثافة نيران الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني، تجاه كل ما يعبر الحدود برا وجوا.

“وجدوا إصبع أبوالشريف بعد استشهاده معقوفا وكأنه قابض على الزناد، وكان هذا الفدائي مع أبوعمار في الكرامة. واسمه: ربحي محمد حسين حامد من قرية عزون قرب قلقيلية، من مواليد 1947، وقد ترك الجامعة في فرانكفورت في السنة الأخيرة وكان يدرس الهندسة”، من كتاب “معركة الكرامة” لمحمود الناطور.

يقول توفيق أبوبكر في كتابه “شهادة عن معركة الكرامة”: “يفاخر زعيم الليكود بنيامين نتنياهو في كتابه (إسرائيل مكان بين الأمم) أنه ترك أرقى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية) (M.I.T) في ماساشوستس) حين دقت طبول الحرب بين العرب وإسرائيل وسارع للعودة للقتال، ولكننا نملك قائمة طويلة، طويلة جدا، من المناضلين الفلسطينيين الشباب الذين تركوا دراستهم في أرقى جامعات العالم وكانوا في أقصى درجات التفوق، لا ليصبحوا زعماء، إلا ما ندر ومن رحم ربك، ولكن الأغلبية جاءت إلى قواعد الفدائيين في الكرامة وغور نمرين واستعجلت الاستشهاد في ذلك اليوم الأغر: الحادي والعشرين من آذار”.

ويقول عن الراوي: “روى لي أحد مقاتلي الكرامة أنه لم يكن يتوقع من الشهيد ربحي.. الشاب الناعم والهادئ القادم من فرانكفورت ويرخي بشعره على كتفيه أن يصعد برج الدبابة الأولى التي حاولت اغتصاب الكرامة، وفعل ذلك ببسالة وشجاعة بلا حدود”.

في كتاب “معركة الكرامة” لمحمود الناطور، الصادر عام 2009، يذكر: “قامت فتح ببناء قواعد عسكرية ثابتة في غور الأردن، ما أدى إلى تزايد فاعلية الثورة، وتصاعد العمل الإسرائيلي المضاد، فقد أعلنت فتح عن تنفيذ 68 عملية منذ مطلع 1968 وحتى معركة الكرامة، وقدر عدد القتلى من الصهاينة في تلك العمليات، بـ(142). وجرح 179 إسرائيليا، ودمرت 58 آلية وسيارة، و18 مبنى و3 منشآت.

ويضيف الكتاب: “تكبد الاحتلال الإسرائيلي خسائر كبيرة في معركة الكرامة، 250 قتيلا إسرائيليا، و450 جريحا، وتدمير 88 آلية، و27 دبابة، و24 مركبة، و18 ناقلة جند، و19 سيارة شحن، واسقاط 7 طائرات”.
أما الجيش الأردني، فارتقى منه 87 شهيدا، بينهم 6 ضباط، إضافة لـ108 جرحى، وتدمير 13 دبابة و39 آلية.

ومن الفدائيين الفلسطينيين، ارتقى 101 شهيد، 74 منهم من حركة “فتح”، و27 شهيدا من “قوات التحرير الشعبية”. وما يقارب الـ100 جريح. وهدم خلال المعركة 200 بيت ومنشأة، وأسر 130 من المدنيين والفدائيين.

يُهدي الناطور كتابه، إلى نعمة محمد شحادة (أم يوسف) وهي لاجئة من قرية المشهد، عرفت باسم أم الفدائيين، يعرفها كل من عاش بالكرامة وخاض معركتها، وقد حولت منزلها في الكرامة إلى عيادة لإسعاف الجرحى والمصابين.

أطلق الإسرائيليون على العملية العسكرية في الكرامة التي قادها “قائد الجبهة الغربية عوزي نركيس”، ونائبه العميد (تال)، اسم “توفت” وكان مسرح العمليات ممتدا من الطرف الشمالي للبحر الميت إلى جسر دامية شمالا، ومن نهر الأردن غربا وحتى مرتفعات السلط شرقا.

وكان هدف العملية الإسرائيلية المعلن تصفية قواعد الفدائيين. وبحسب “يديعوت أحرنوت” فإن “العملية المركزية كانت في قرية الكرامة حيث تقرر العمل ضد ثلاث قواعد لحركة فتح في جنوب البحر الميت البعيدة عن هذه القواعد بـ(15 كيلومترا) في قلب وادي عربة، تلك المواقع التي كانت وما زالت تشكل خطرا كبيرا على دولة إسرائيل”. وفي حديث لـ”رئيس الأركان الإسرائيلي” حاييم برليف مع الصحفيين قال فيها: “إن عمليات النار والدم التي نفذت في الكرامة وفي كثير من المواقع الأردنية، كانت عمليات انتقام كان هدفها تدمير قواعد المخربين (فدائيي حركة فتح).

شهادات قادة المعركة

الشهيد سعد صايل (1932- 1982): “في الساعة 5.35 -حسب توقيت ساعتي-ـ انفجرت أولى قذائف المدفعية ولم ينتظر أحد شيئا، المدفعية الأردنية اشتركت من أول لحظة وللتاريخ أقول: لقد أصدر قائد الفرقة أمرا بفتح نيران المدفعية دون انتظار أوامر”.

وأضاف: “بدأ الانسحاب 3.00 أو 3.30 بعد الظهر حتى الساعة 5.30 – 6.00 من غربي النهر وانقطع التماس ما عدا بعض الجيوب، إلا أن الطيران هو الذي أمّن قطع التماس نهائيا الساعة الثامنة والنصف مساءً، لم يستعمل العدو جسور الميدان التي حاول إقامتها لعدم إنهائها، فالمدفعية كانت تكرر قصفها، وطيران العدو حاول عدة مرات إسكات المدفعية، وفي الساعة 8.30 – 9.00 كان آخر قصف للطيران على منطقة عيره”.

مشهور حديثة (1928- 2001) قائد الفرقة الأولى في القوات الأردنية في المعركة: “لأول مرة طلب العدو في الساعة 11.30 وقف إطلاق النار، ولكننا أصررنا أن يستمر القتال حتى خروج العدو من ميدان المعركة وطرده نهائيا غرب النهر، استطعنا في مقاومتنا الأرضية إسقاط إحدى المقاتلات الإسرائيلية قرب الكرامة وسقط قائدها الكابتن ’إيفون‘ صريعا”.

ويذكر حديثة: “هكذا تحطمت آمال الجنرال ديان في أريحا من تناول كوب من الشاي على جبال السلط مع الصحفيين الذين تناولوا معي أنا فنجانا من القهوة العربية الأصيلة.. وفي الحال تحول هذا الجنرال إلى هاوي جمع الآثار.. أو بكلمات أدق تحول إلى سارق آثار بعد أن عزلوه من منصبه”.

“أفشلت المعركة الهدف الإسرائيلي في إيجاد منطقة أمنية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية على غرار ما يسمى بالشريط الحدودي في جنوب لبنان. وفرضت احتراما وتعاطفا شعبيا كبيرا مع الحركة الفدائية، بحيث تطوعت أعداد هائلة من الشباب الفلسطيني والعربي في صفوف الحركة، وكسبت تعاطف الرأي العام العالمي وحازت على الدعم المادي الكبير من الدول العربية”.

شهادة اللواء جميل الشمالية: “بقيت آليات العدو التي لم يتمكن من سحبها في أرض المعركة أمام منطقة الرامة على غرب الطريق المؤدي من الكفرين إلى مثلث سويمة، ومنها دبابة كتب على جانبها “v251” وهي رمز لدبابات اللواء المدرع الإسرائيلي الذي يعتبر لديهم من الوحدات المتميزة ويحمل سمعة كبيرة عندهم، وهي الدبابة التي تم نقلها وعرضت في المدرج الروماني مع آليات العدو الأخرى وأسلحته التي تركها في أرض المعركة”.

شهادة العميد محمود أبووندي: “كان جنودنا يرددون: كيف ديان وجيشه ينزلوا وطنا، بالمدافع نشيله ونجلي الضيم عنا”، ويذكر قصة الشهيد حسن عبد ربه الذي جاء من إجازته ولم يكن مطلوبا منه ذلك ليلتحق بزملائه ويكون له شرف المشاركة والاستشهاد”.

يقع “مخيم الكرامة” على بعد 5 كم شرقي نهر الأردن، 7 كم شمال الشونة الجنوبية. ويعيش معظم أهالي الكرامة على الزراعة، حيث المنطقة عبارة عن سهل منبسط، وتنتشر بساتين الموز والحمضيات والخضراوات ومزارع الدجاج في المنطقة المحيطة بالكرامة من الجنوب والغرب والشمال، أما شرقي الكرامة تتبع المرتفعات التي تتصل بسلسلة جبال السلط شرقا. استقر الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب عام 1948 في مخيم الكرامة، وبعد حرب حزيران عام 1967 نزح عدد كبير إلى المخيم حتى وصل عدد اللاجئين والنازحين في المخيم إلى أكثر من أربعين ألفا، وتمتاز المنطقة بدفء الشتاء وهذا يساعد على إنتاج الخضروات الشتوية. كما ازدهرت التجارة أيضا في المخيم.

ربما يعجبك أيضا