بعد استقالة “الحريري”.. اقتصاد لبنان “صريع” المنعطفات السياسية

حسام عيد – محلل اقتصادي

عاد الفراغ السياسي مجددًا إلى لبنان بعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري، ولكن هذه المرة قد جاء بالتزامن مع العديد من التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وهي عوامل ستترك بلا شك تداعيات واضحة على الاقتصاد.

النمو الاقتصادي أمام منعطف جديد

لم تكن هذه المرة الأولى التي يتضرر فيها نمو الاقتصاد اللبناني من التغيرات والتوترات السياسية الداخلية:

في عام 2010، كانت هناك استقالة سابقة لحكومة سعد الحريري، والتي بدورها أثرت سلبًا على مستويات النمو، بالإضافة إلى تشكيل حكومة نجيب ميقاتي التي عملت جاهدة على حلحلة الأمور لدعم النمو إلا أنها كانت وقتية.

في عام 2011، كانت لبنان على موعد جديد من التوتر السياسي ولكن في الجار الأقرب لها، حيث اندلعت الثورة السورية، والتي هبطت بمؤشرات قطاعات الاقتصاد اللبناني.

وبحسب أرقام صادرة عن البنك الدولي، بلغت التكلفة التراكمية على لبنان بسبب الصراع السوري 18.15 مليار دولار حتى نهاية 2015.

في 2012، مر الاقتصاد اللبناني بعملية انكماش؛ إذ لم يتجاوز النمو الاقتصادي 2.5%، مقارنة بنحو 8% عامي 2009 و2010، وذلك جراء تدهور الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى استقالات بعض الوزراء.

في 2015، تبددت آمال تحسن النمو الاقتصادي بعد تفاقم أزمة القمامة، ليتراجع إلى 1.3%.

في 2016، أدى تحسن الوضع الأمني في لبنان إلى تعديل مسارات النمو إلى إيجابية، لتلامس الـ 1.8%.

وبعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري في 4 نوفمبر الجاري، عدل معهد التمويل الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد اللبناني إلى حدود 2.2% بعد أن كانت 2.4% بنهاية عام 2017، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد عند 1.5%.

النظام المصرفي مهدد بفقدان الثقة

تشكل الودائع عامل توازن واضح في الاقتصاد خصوصًا فيما يتعلق بدعم الليرة اللبنانية، حيث يبلغ حجمها اليوم 180 مليار دولار، لكنها تعرضت لكثير من العوامل والتوترات السياسية الداخلية والخارجية التي أثرت سلبًا على مستوياتها.

ومن جانبها، قالت وكالة “موديز” لخدمات المستثمرين، إن استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قد تضر بالتصنيف الائتماني للبلاد.

وأشارت إلى أن أي فقدان للثقة بالنظام المصرفي أو باستقرار المؤسسات اللبنانية، سيؤدي إلى تباطؤ حاد في تدفقات ودائع القطاع الخاص أو إلى نزوح صريح للأموال للخارج ما سيكون له أثر ائتماني سلبي. وحالياً تمنح “موديز” تصنيف لبنان الائتماني (B2).

وفي سبتمبر، غيّرت “موديز” نظرتها المستقبلية لتصنيف لبنان من “سلبية” إلى “مستقرة” نتيجة التداعيات الإيجابية لحالة الاستقرار السياسي وانتخاب رئيس للبلاد في أكتوبر 2016، وتشكيل حكومة جديدة.

الدين العام إشكالية كبيرة

يمثل الدين العام إشكالية قائمة للاقتصاد اللبناني، حيث يسجل مستويات مرتفعة باستمرار، ففي أغسطس 2017 بلغ 77 مليار دولار بحصة حجمها 150% إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ومن المرجح أن يصل الدين العام إلى 110 مليارات في الخمس سنوات المقبلة إذا استمرت وتيرة نمو العجز على حالها وستصبح كلفة الدين العام وهي ما يدفعها الشعب اللبناني في السنوات الثماني القادمة حوالي 8 مليارات.

عجز ميزان المدفوعات يتصاعد

مر ميزان المدفوعات اللبناني بالعديد من المراحل، ففي 2010 سجل فائضًا بقيمة 3.3 مليار دولار، لكنه راكم عجوزات مقدارها 9.4 مليار دولار منذ العام 2011.

وفي الأشهر التسعة الأولى من 2017، سجّل ميزان المدفوعات عجزاً يقارب الـ190 مليون دولار، مقابل فائض ناهز الـ555 مليون دولار في الفترة عينها من العام المنصرم.

ويمكن تعليل هذا العجز بتراجع صافي الموجودات الخارجية لدى المصارف والمؤسّسات المالية بقيمة 3.15 مليار دولار حتى سبتمبر، ما طغى على الفائض في صافي الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان البالغ 2.95 مليار دولار.

تراجع السندات الدولارية

فور إعلان تحذيرات الدول الخليجية الأربع من السفر إلى بيروت، سجلت سندات لبنان السيادية الدولارية، استحقاق 2027 و2028 أكبر الخسائر، يوم الخميس الموافق 9 نوفمبر الجاري، مع هبوطهما إلى أدنى مستوياتهما في سنوات عدة.

فيما ارتفعت تكلفة التأمين على الديون اللبنانية لأعلى مستوى لها منذ أواخر 2008 مع صعود عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات 30 نقطة أساس من مستوى إغلاق يوم الأربعاء الموافق 8 نوفمبر لتصل إلى 615 نقطة أساس.

الليرة تحاول الصمود

أكد رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري في وقت سابق من شهر نوفمبر الجاري، إنه لولا زيادة الضرائب لكانت الليرة اللبنانية قد تعرضت للانهيار، ما يشير إلى أزمة خانقة فيما يتعلق بتدبير النفقات العامة وتراجع عائدات البلاد مقابل زيادة المصروفات.

فيما أوضح محافظ البنك المركزي رياض سلامة، أن وضع سعر الليرة مستقر وتغيير سعر الصرف غير مطروح حاليا، نظرا لثباته أمام الدولار “1 دولار = 1507.5 ليرة”.

وتعتمد قوة الليرة على احتياطيات النقد الأجنبي التي تبلغ 44.3 مليار دولار، والتي تدعم استقرارها أمام الدولار الأمريكى فى المستقبل المنظور.

القطاع السياحي يواجه الركود

تعتبر السياحة أحد أهم موارد لبنان من النقد الأجنبي، إذ تستقطب البلاد نحو 1.5 مليون سائح سنويا على الأقل.

في 2016، كان هناك تطور واضح في أعداد السياح القادمين إلى لبنان، حيث فاقت 1.69 مليون سائح.

وفي الأشهر التسعة الأولى من 2017، تجاوز أعداد السياح 1.29 مليون سائح.

وتصدّر العرب، لا سيما القادمون من دول الخليج، لائحة السيّاح إلى لبنان، مشكّلين 37.86% (81514 سائحاً) من مجموع الوافدين خلال الشھرين الأوّلين من العام الجاري.

لكن بعد إعلان أكثر من دولة خليجية دعوة مواطنيها إلى تجنب الذهاب إلى لبنان، سيدخل القطاع السياحي مرحلة ركود، وبالتالي تراجع الإيرادات العامة للدولة.

ويشكّل السياح القادمون من السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت 35.3% من إجمالي القادمين العرب إلى لبنان ونحو 12.3% من الإجمالي العام للقادمين.

والسياح السعوديون يمثلون 25% من إجمالي إنفاق السياح في لبنان، بينما السياح من الإمارات وقطر والكويت والبحرين، يستحوذون على 20% من الإنفاق السياحي في لبنان.

مع استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري هنالك حالة من الجمود السياسي ستصيب البلاد، ففاعلية المؤسسات الحكومية اللبنانية والتي ظهرت جليًا مؤخرًا عبر إقرار قانون الضرائب والموازنة ستتراجع، الأمر الذي سيؤثر سلبيا على معنويات المستثمرين وشركات النفط والغاز الأجنبية.

كما ستتسبب حالة الجمود السياسي في وضع خططا بمليارات الدولارات -لإعادة بناء شبكات طرق وكهرباء واتصالات مدمرة، وتحريك قطاع النفط والغاز- في خطر.

ربما يعجبك أيضا