بعد الإطاحة برئيس الوزراء.. الصومال على مفترق طرق

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في خطوة مفاجئة أربكت المشهد السياسي الصومالي، قرر مجلس الشعب – الغرفة الأدنى من البرلمان الصومالي- حجب الثقة عن رئيس الوزراء حسن علي خيري وحكومته، لفشله في تمهيد الطريق نحو انتخابات ديمقراطية كاملة.

وأعلن رئيس مجلس الشعب محمد مرسل شيخ عبدالرحمن أول أمس السبت، قرار حجب الثقة عن حكومة حسن علي خيري، بأغلبية 170 من نواب المجلس، مقابل معارضة 8 نواب، بعد جلسة سادتها الفوضى والنقاشات الحادة، إذ لم يكن التصويت على حجب الثقة عن الحكومة مدرجا ضمن جدول أعمالها الذي كان مخصصا في الأساس لمناقشة ملف تنظيم الانتخابات في 2021.

قرار غير قانوني
في أول ردة فعل على القرار قال وزير الأمن في الحكومة الفيدرالية محمد أبوبكر إسلو: إن إدراج سحب الثقة من الحكومة على جدول أعمال الجلسة بشكل مفاجئ، هو أمر غير قانوني، متهما رئيس المجلس بالتآمر.

وأضاف: لم يتم تقديم اقتراح ضد الحكومة ومناقشته ثم التصويت عليه كما هو النظام المعمول به في مجلس الشعب الصومالي، وكان الأجدر برئيس المجلس ونائبه الأول إعلان إسقاط الحكومة وهما في منزليهما!

من جانبه قال حسن علي خيري -الذي عين رئيسا للوزراء في فبراير 2017- إن ما جرى في مجلس الشعب كان غير موافق للدستور وقوانين البلاد، مضيفا أعلن استقالتي من منصبي رأفة بالشعب الصومالي ورعاية لمصلحة البلاد وتفاديا للعودة إلى مرحلة الانهيار والمشاكل، مشيرا إلى أنه لا يريد أن يكون طرفا في أزمة سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية.

وأشار -في بيان أصدره، أمس- إلى أن حكومته عملت على الجمع بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات في مؤتمر “دوسمريب” للتوصل إلى اتفاق في شأن الانتخابات القادمة، موضحا أن المشاورات بين الطرفين أحرزت تقدما، لكنه ذكر في الوقت نفسه أن هناك جهات تسعى إلى التمديد، في إشارة إلى الرئيس محمد عبدالله فرماجو.

واعتبر خيري ما حدث في مجلس الشعب من عزل حكومته، هو جزء من مخطط التمديد، محذرا من عواقب هذا الأمر.

المعارضة الصومالية أيضا شككت في شرعية القرار، وجاء في بيان أًصدره منتدى الأحزاب الوطنية: قرار الثقة عن الحكومة الفيدرالية يهدف إلى عرقلة القرارات التي تمخض عنها مؤتمر دوسمريب التشاوري وتمهيد الطريق إلى التمديد، واعتبر البيان أن فرماجو يقود البلاد إلى أزمة سياسية سيصعب حلها.

ودعا البيان إلى الحفاظ على التفاهم السياسي الذي بدأ والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الأزمات السياسية وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، محذرا من التوجه إلى التمديد.

بشكل أكثر وضوحا أشار حزب “وجدر” -في بيان له أمس- إلى مؤامرة التمديد، وطعن في شرعية قرار  حجب الثقة عن حكومة خيري، مشيرا إلى أن القرار يتنافى مع الدستور الفيدرالي الانتقالي، وقال: إنه يؤمن أن السبب الرئيسي لما جرى هو عرقلة تنفيذ نتائج مؤتمر دوسمريب التشاوري ومحاولة من جانب الرئيس فرماجو – الذي ستنتهي ولايته الحالية في 8 فبراير المقبل- للحصول على تمديد غير قانوني الأمر الذي سيقود البلاد إلى أزمات سياسية وأمنية.

وأضاف البيان، أن الرئيس فرماجو غير مستعد على الإطلاق للحفاظ على الدستور والاتفاقات السياسية وعلى وحدة واستقرار البلاد وأنه يقوم باتخاذ أية خطوة يراها تساعده على الحصول على التمديد، داعيا الشعب الصومالي والمجتمع الدولي إلى دعم الحكومة في إنجاح نتائج مؤتمر دوسمريب لإجراء انتخابات تحظى برضا الجميع في موعدها وإنقاذ البلاد من الفوضى والصراع الأهلي.

واشنطن من جانبها -عبرت من خلال سفارتها لدى مقديشو- عن أسفها حيال تصرفات الرئيس فرماجو ومجلس الشعب، ووصفت سحب الثقة عن خيري بأنه انتكاسة لبرنامج الإصلاح وتقويض للمحادثات الراهنة بين الحكومة الفيدرالية والولايات التابعة لها، وذهبت أبعد من ذلك بالتهديد باتخاذ إجراءات ضد المفسدين الذين يسعون لتقويض تقدم الصومال نحو الاستقرار والسلام.

الأمر الذي يجعل الرئيس فرماجو يبدو ضالعا بشدة في مشروع حجب الثقة عن الحكومة، أنه لم يتمهل في إعلانه القبول بقرر مجلس الشعب على الرغم من حساسية الموقف، وكلف نائب رئيس الوزراء مهدي محمد جوليد بتصريف مهام الحكومة إلى حين تعيين رئيس وزراء جديد.

الشيطان يكمن في التفاصيل
الرئيس فرماجو يصر على إجراء انتخابات “مباشرة” في موعدها المقرر مطلع 2021 ولتحقيق هذا يطالب بتمديد ولايته، وهو الأمر الذي يرى خيري استحالته ويوافقه في الرأي رؤوساء الولايات الممثلين في مؤتمر دوسمريب، ويرى عبدالرحمن إبراهيم عبدي، مدير مركز مقديشو للدراسات بالصومال -في تصريحات نقلتها شبكة “سبوتنيك”- أن الخلافات بين فرماجو وخيري، ليست جديدة فيما يتعلق بملف الانتخابات،  لكن نجحا خلال السنوات الماضية في إدارة خلافاتهما، إلا أن رئيس الوزراء خيري خلال الفترة الأخيرة صرح في أكثر من مناسبة بأنه ضد التمديد للرئيس والاقتراع الشعبي المباشر.

وأضاف  مؤتمر “دوسمريب” الأخير كان القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ تحالف خيري مع رؤساء الولايات بشكل صريح، مادافع الرئيس فرماجو إلى اتخاذ خطوة استباقية والإسراع في إقالته، قبل الجولة الثانية من المؤتمر.

وتابع: هناك سبب آخر أكثر أهمية هو أن رئيس الوزراء خيري يعتبر مرشح رئاسي محتمل ومنافس قوي يشكل تهديدا لطموحات فرماجو في إعادة انتخابه، وبالتالي هذا الأمر لم يعجب الرئيس.

جدير بالذكر هنا أن خيري ينتمي لقبيلة “الهوية” التي تتمتع بنفوذ واسع، وفي المقابل ينتمي فرماجو لقبيلة الطارود الأكثر تعدادا، أي أن للرجلين حظوظ شبه متساوية في المنافسة على منصب الرئيس، وإن كان التوازن القبلي التقليدي في الصومال يشير إلى أن الرئيس دائما يكون من قبيلة الطارود.

بالعودة لمعضة الانتخابات، الأزمة أن عزل الحكومة جاء قبل أيام من عقد جولة جديدة من مؤتمر دوسمريب الذي يفترض أن يواصل المفاوضات حول وضع مقديشو وقانون الانتخابات المباشرة والذي أكد رؤساء الولايات أكثر من مرة أن الظروف الراهنة غير ملائمة للشروع في تطبيقه.

كان الصومال يخطط لإجراء أول انتخابات ديمقراطية مباشرة “صوت واحد لشخص واحد” في البلاد مطلع 2021، بعد عقود من نظام معقد للانتخابات غير المباشرة التي تعتمد على قيام “مندوبين عن الشعب” زعماء الولايات والقبائل باختيار المشرعين الذين يصوتون بدورهم لاختيار الرئيس، لكن بطبيعة الحال وسط التهديدات الأمنية الراهنة يصعب تصور أن يتمكن الصومال من إجراء انتخابات ديمقراطية تحديدا في ظل تحدي حركة الشباب الإرهابية لسلطة الحكومة الفيدرالية، هذا فضلا عن وجود خلافات عدة بين الأخيرة ورؤساء الولايات تتعلق بالخلاف حول التوازنات السياسية.

السيناريوهات المحتملة هنا هي أما التصعيد من قبل رؤساء الولايات أو التوافق على عقد جولة جديدة من مؤتمر دوسمريب والتوافق على حل سلمي لأزمة الانتخابات وعزل الحكومة، وقد يحاول الرئيس فرماجو استمالة المعارضة عبر تعيين شخصية محسوبة عليها في منصب رئيس الوزراء الجديد مقابل قبولهم بفكرة التمديد له وللبرلمان، أما السيناريو الأخطر هو أن تصر المعارضة على موقفها وتخرج للشارع وتتحدى الرئيس وهنا سيكون الصومال مهدد بالسقوط في فوضى عارمة، لن ينقذه منها إلا خروج فروماجو من المشهد.

ربما يعجبك أيضا