بعد خطة الضم.. العلاقات الألمانية الإسرائيلية على المحك

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تشهد العلاقات الألمانية الإسرائيلية أهمية خاصة، ربما يعود ذلك إلى عوامل تاريخية وشعور ألمانيا بـ”عقدة الذنب” تجاه إسرائيل، لكن رغم ذلك يبدو أن برلين لن تخاطر بسمعتها الدولية واتخاذ مواقف مزدوجة تتعارض مع القانون الدولي والقوانين الأوروبية، فهي لم تتردد أبدًا في رفض المشروع الإسرائيلي بل والعمل من داخل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن من أجل وضع حد للمشروع الإسرائيلي.

لكن رغم ذلك فإن أي عقوبات مفترضة ضد إسرائيل ستكون محدودة، اليوم تضع حكومة “تل أبيب” برلين وبروكسل في موقف حرج، بإعلانها مشروع ضم أراضٍ فلسطينية جديدة من الضفة الغربية وغور الأردن.

أن العلاقات الألمانية – الإسرائيلية يمكن وصفها بالعلاقات المتوترة والتي تصاعدت أكثر خلال عام 2017، حيث أرجأت المستشارة الألمانية ميركل، في ذلك الحين مشاورات حكومية مع إسرائيل بسبب الاستياء من سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وشهدت العلاقات بين البلدين توترات في أعقاب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومنذ أكثر من عقد من الزمن يحكم كل من ميركل وبنيامين نتنياهو في بلديهما، ولا تربط الشخصين علاقة صداقة بالرغم من التقدير الذي يجده في إسرائيل تصريح ميركل في عام 2008 الذي قالت فيه: إن أمن إسرائيل ينتمي للمصالح العليا لألمانيا.

في 25 مارس 2018، أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على العلاقة الخاصة لبلاده مع إسرائيل بصفتها شريكًا مهمًّا لألمانيا، وقال: “إن المسؤولية عن دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية والتضامن معها، والدفاع عن أمنها والتصدي لمعاداة السامية يقع في محور نهج سياستنا الخارجية”.

لكن تصريحات وزير الخارجية الألمانية اليوم اختلفت وقت زيارته لتل أبيب، بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية بالبدء بضم أراضي فلسطينية من الضفة الغربية وضم غور الأردن.

وزير الخارجية الألمانية عبّر عن “قلق بلاده البالغ” بشأن خطط إسرائيل لضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية، وردًّا على سؤال عن عقوبات محتملة قد يفرضها الاتحاد الأوروبي على إسرائيل، قال ماس: لم أحدد ردًّا بعد.

في سبتمبر2019 كانت ألمانيا ضمن خمس دول أوروبية قالت: إن خطة الضم، لو نُفّذت، ستمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وقال جوزيب بوريل -مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في فبراير2020- إن هذه الخطة لن تمر دون رد.

رفض أوروبي
أعلنت فرنسا يوم 09 يونيو 2020 أنّها تُعِدّ مع دول أوروبية أخرى، من بينها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، “تحرّكًا مشتركًا” لمحاولة إحياء مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، محذّرة الدولة العبرية من أنّها قد تواجه “ردًّا” أوروبيًّا إذا ما نفّذت خطّتها بضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلّة.
 
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان -يوم 20 مايو خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية- نحن نعمل مع إيطاليا وألمانيا وإسبانيا بالإضافة لبعض الدول الأعضاء، لبلورة تحرّك مشترك.

وفي تطور دولي آخر، وبالتزامن مع إعلان الوزير الفرنسي، صدر بيان مشترك لخمس دول أوروبية أعضاء في مجلس الأمن، تعارض ضم إسرائيل لأراضي فلسطينية بالضفة الغربية. وأكد البيان الذي وقعه مندوبو فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإستوينا وبولندا، لدى الأمم المتحدة، أن الدول الخمس ترفض الاعتراف بأي تغيير تجريه إسرائيل على حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967.

آليات لوقف خطط إسرائيل
بحث الاتحاد الأوروبي يوم 17 مايو 2020 آليات لوقف خطط إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة، بينها إمكانية فرض عقوبات ضد تل أبيب.

وقال وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسلبورن: إن عددا كبيرا من دول الاتحاد باستثناء المجر والنمسا دعمت الجمعة الماضية، مسودة نص أعددناه مع نظيري الإيرلندي سايمن كوفيني، نحذر فيه من أن مخطط الضم الإسرائيلي سيشكل انتهاكا للقانون الدولي، حسبما نقلت قناة “فرانس 24”.

وشدد أسلبورن على أن لانتهاك القانون الدولي “عواقب”، واستدرك: إذا انتقلت إسرائيل إلى الأفعال وقامت بضم غور الأردن، فأنا لا أرى فرقا عما فعلته روسيا مع شبه جزيرة القرم في 2014.

لا تزال ألمانيا تحظى بمراقبة خاصة من قبل إسرائيل، لا سيما الآن بعد أن تزايد عدد الجرائم والهجمات المعادية للسامية بشكل مثير للقلق، مع إشارة ميركل إلى جرائم المحرقة، واعتبارها “التزاما دائما” من قبل ألمانيا تجاه إسرائيل، ووجود مفوض خاص الآن بمكافحة معاداة السامية، يمكن أن يكون دليلًا على برجماتية المستشارة. وفقا لتقرير صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية.

النتائج
– إن إعلان إسرائيل لمشروع ضم أراضٍ فلسطينية جديدة، يضع ألمانيا وكذلك الاتحاد الأوروبي، في موقف حرج، المشروع الإسرائيلي من شأنه أن يحدث انقساما داخل الاتحاد، في مرحلة تزايدت فيها الانتقادات للاتحاد بسبب مواقفه الضعيفة إزاء مجمل القضايا الدولية والإقليمية، أبرزها الملف السوري، والليبي وملف تهديدات إيران للأمن الاقليمي والدولي وملف المقاتلين الأجانب وغيرها.

– يمكن وصف زيارة وزير الخارجية الألماني إلى تل أبيب، بأنها زيارة استباقية، توصل رسالة “تنبيه” إلى إسرائيل، بأن ضم الأراضي الفلسطينية سوف يعقد الأمر، ويمكن أن يفضي إلى تدهور العلاقة مع برلين وبروكسل.

– إن برلين وبروكسل لا يتوقعان كثيرا من الحكومة الإسرائيلية، ويمكن القول: إن التوقعات الألمانية والأوروبية، ماهي إلا طموحات، وأبعد ما يمكن أن تعمله برلين وبروكسل هو تأجيل موعد ضم الأراضي وعدم إلغاء المشروع.

– من المرجح أن تبدأ تل أبيب بضم أراضٍ من الضفة الغربية وأخرى على مشارف مدينة القدس، مع تأجيل ضم غور الأردن إلى أجل مسمى أو بعيد.

– إن الالتزام الألماني أمام إسرائيل وعقدة التاريخ، لا يمكن أن تغير الموقف الألماني من مخطط الضم، فما زالت ألمانيا ملتزمة بالقانون الدولي والقوانين الأوروبية والمعايير الدولية، ومن المتوقع جدا أن تنحاز إلى الاتفاقيات الدولية التي تلزم إسرائيل بحدود عام 1967.

– استبقت برلين المشروع الإسرائيلي بتحضير ترتيبات سياسية مع بروكسل منذ عام 2018، لمواجهته بجهد سياسي وحراك داخل الاتحاد، واقترحت أن تكون هناك عقوبات محدودة تفرض على إسرائيل منها وقف التشاور مع سفراء إسرائيل في أوروبا وعقوبات اقتصادية ربما تخفيض المساعدات المالية.

– إن الالتزام الألماني والأوروبي بالقانون الدولي ورفض المشروع الإسرائيلي، بات مرجحا، غير ذلك يعني ازدواجية في المواقف، وخسارة مصداقيتها، وهذا يعني أن الموقف الأوروبي سيكون معارضا للمشروع الإسرائيلي، لكن في الوقت نفسه لا نتوقع إجماع أوروبي بفرض عقوبات، بسبب موقف النمسا والنرويج.

– سيكون هناك دعم دولي وأوروبي وإقليمي لمساعي ألمانيا من أجل الحد من المشروع الإسرائيلي الجديد، مع تزامن استلام ألمانيا مهمة رئاسة مجلس الأمن ورئاسة مجلس أوروبا، مطلع شهر يوليو 2020.

– بات من المرجح أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في مشروعها، وأن الجهود الألمانية والأوروبية، لا يمكن أن تقدم الكثير للفلسطينيين خلال هذه المرحلة.

ربما يعجبك أيضا