بعد عام انتخابي بامتياز.. “الشعبوية” تعيد رسم خارطة العالم

ولاء عدلان

ولاء عدلان

مع آخر أنفاس العام 2018، كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية على موعد مع انتخابات رئاسية مؤجلة منذ عامين، والعام نفسه بدأ بانتخابات تشريعية في جمهورية شمال قبرص التركية، وبانتخابات رئاسية في قبرص، وما بين الكنغو وقبرص آلاف الأميال، وأيضًا الآلاف من صناديق الاقتراع التي رسمت خارطة العالم من الشمال إلى الجنوب، بنتائج استثنائية في بعضها وغير متوقعة، لكنها تجمع على شيء واحد أن هناك حالة من عدم الرضا حيال الليبرالية التقليدية والنيوليبرالية، ونمو غير مسبوق لتيار “الشعبويين” عبر اللعب على المخاوف الشعبية للوصول إلى السلطة، ويبدو أنهم نجحوا.

ويُعرّف البعض “الشعبوية” بأنها مصطلح يمكن أن يحل محل مفردات أخرى حسب الحالات مثل “القومية” و”الحمائية” و”كراهية الأجانب”، وبأنها خطاب سياسي عاطفي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام والنخب أو تحدي المؤسسات التقليدية الديمقراطية.

بعض الخبراء يعتبرون حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابية في 2016، كانت بداية واضحة لصعود “الشعبويين” بامتياز؛ إذ تبنت خطابًا يهاجم وسائل الإعلام والمؤسسات التقليدية ويؤجج المخاوف المتعلقة بالهجرة والإرهاب، وهذا الخطاب انتقل إلى أوروبا بوضوح خلال 2018 فرأينا أول حكومة “شعبوية” في إيطاليا تتحدى الاتحاد الأوروبي، بشكل غير مسبوق.
 

“الشعبوية” تصل العراق كما إيطاليا

يذهب المحلل السياسي الأمريكي مايكل جيه توتِن، بنا بعيدا، قائلا: إن الانقلاب الشعبوي العالمي الذي أطاح بالسياسيين التقليديين في أمريكا وأوروبا وحتى الفلبين وصل إلى العراق، لتأتي نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو الماضي خلافًا للتوقعات  بفوز تحالف “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر بأكبر كتلة نيابية، يليه “النصر” بزعامة حيدر العبادي رجل الدولة الذي كان الجميع يترقب فوزه بسهولة.

يضيف جيه: مقتدى الصدر، أصبح الآن شخصًا مختلفًا جدًا، نعم ما يزال يرفع عمامته ويهزها في الهواء، لكنه يهزها اليوم في وجه النخب المعوجّة، وفي وجه رعاته الإيرانيين السابقين، فهو يمثل نسخة العراق من “الشعوبيين”؛ أصولي، مناهض للمؤسسة، ومعادٍ للأجانب، وهو بطل للطبقة العاملة وعدو معلن للأفكار الغربية الليبرالية.

لم تكن الانتخابات العراقية الاستثناء الوحيد على خارطة نتائج انتخابات 2018، ففي لبنان شهدنا تراجعًا نيابيًّا بنحو الثلث لحصة تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، لصالح حزب الله والقوى المتحالفة معه من أصحاب الخطاب الشعبوي المتجذر، وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط تقف إيطاليا التي صدمت أوروبا بفوز غير متوقع للشعبويين.

ففي مارس انتهت الانتخابات التشريعية الإيطالية بهزيمة ساحقة للحزب الديمقراطي الحاكم، إذ حصد 23% فقط من الأصوات مقابل 37% لتحالف اليمين بزعامة حزب الرابطة “الشعبوي”، و33% لحركة “خمس نجوم” الشعبوية، وبعد مخاض عسير دام لنحو 3 أشهر نجح حزبا “خمس نجوم” و”الرابطة”، في تشكيل أول حكومة شعبوية بأوروبا، والتي استطاعت أن تتمرد على سياسات الاتحاد الأوروبي التقشفية بميزانية توسعية سترفع العجز إلى 2.4% خلال 2019 مقابل 0.8% خلال 2018.

أشباه ترامب 

في يوليو وصل المد الشعبوي إلى باكستان بوصول بطل الكريكت السابق عمران خان إلى رئاسة الوزراء، ويعرف خان على أنه إصلاحي شعبوي ومسلم متدين ومعادٍ للفساد، اعتمد في حملته على شعارات مكافحة الفساد والهجوم على حكومة نواز شريف وحزب الرابطة الإسلامية- جناح نواز، ويتم تشبيهه أحيانًا بترامب؛ بسبب لهجته الشعبوية وتغريداته الطويلة على “تويتر”.

أما النسخة الأبرز لترامب، فظهرت في البرازيل مع نهاية أكتوبر، عندما انتخب مرشح أقصى اليمين جائير بولسونارو رئيسًا للدولة، بعد وعود براقة بتغيير الأوضاع الراهنة وإخراج البرازيل من اتفاقية باريس المناخية، فضلًا عن تبنيه لتصريحات عنصرية ضد النساء والسود ومواقف مثيرة للجدل؛ مثل دعوته  إلى تخفيف قوانين حيازة الأفراد للأسلحة.

وفي كوبا، امتدت الموجة الشعبوية رغم الخلاص من حقبة آل كاسترو التي دامت لنحو 60 عامًا، فبعد أن شهدت انتخابات تشريعية في مارس الماضي، انتخبت الجمعية الوطنية التي يهيمن عليها الحزب الشيوعي بزعامة راؤول كاستروا، ميغيل دياز كانيل 58 عامًا رئيسًا للبلاد، وهو أيضا من أبناء الحزب الشيوعي، وأصحاب الخطب الرنانة ذات النعرات القومية، ولا يختلف كثيرًا عن أسلافه.

في نوفمبر الماضي، فاز الديمقراطيون في انتخابات التجديد النصفي وللمرة الأولى منذ 8 سنوات بالسيطرة على مجلس النواب، إلا أن الجمهوريين لا زالوا أصحاب الكلمة الأخيرة في التشريعات سواء من خلال مجلس الشيوخ ومن خلال ترامب، ما يعني أننا سنشهد مزيدًا من الصدامات بين الفريقين في 2019، لاسيما وأن ترامب يتمسك بسياسته الصدامية سواء خارجيًّا أو داخليًّا، وشهدنا كيف استخدم خطاب الكراهية والعنصرية خلال حملات التعبئة الانتخابية ما قبل نوفمبر.

“الشعبوية” فرصة ذهبية

من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ينظر إلى الحركات الشعبوية على أنها ملجأ للمتعصبين غير العقلانيين، والخاسرين العاطلين عن العمل، والناخبين الذين تضرروا بشدة من الركود الاقتصادي، ويبدو أن هذه الفئات قررت أن تثبت فاعليتها وتعيد رسم العالم عبر صناديق الاقتراع، وذلك بعد أن أثبت ترامب فاعلية خطابه الشعبوية وقدرته على تحدي الجميع بما فيهم أعضاء حزبه الجمهوري وإطلاق العنان لخطته “أمريكا العظمى”.

تقول شانيل موفي -في مقال نشرته الجارديان سبتمبر الماضي- النخب النيوليبرالية -التي كانت قلقة بالفعل بسبب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ورئاسة ترامب- تزعم الآن أن الديمقراطية معرضة للخطر مع صعود الشعبويين وزيادة نفوذهم السياسي، لكن هذا الأمر يعد فرصة لهذه النخب، وتحديدًا المحافظين لتجديد خطابهم والدخول في الصراع السياسي على السلطة، مع الاعتراف بأن النيوليبرالية خلفت بالفعل خلال السنوات الماضية العديد من المظالم.

وتضيف، صعود الشعبوية يمثل استراتيجية إصلاحية راديكالية ذات بعد مناهض للرأسمالية، لكنها لا تعني التخلي عن المؤسسات الديمقراطية الليبرالية التقليدية، هذه الحركات تسعى إلى الوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات، ولكن ليس من أجل تأسيس “نظام شعبوي”، هدفهم هو استعادة وتعميق المؤسسات الديمقراطية.

وتتابع، سوف تتخذ هذه الاستراتيجية أشكالًا مختلفة، يمكن أن نطلق عليها “الاشتراكية الديمقراطية” أو “الاشتراكية البيئية” أو “الاشتراكية الليبرالية” أو “الديمقراطية التشاركية”، اعتمادًا على السياق الوطني المختلف، لكن المهم -مهما كان الاسم- هو أن “الديمقراطية” ستكون الركيزة التي ستدور حولها الصراعات وأن المؤسسات الليبرالية التقليدية لن يتم تجاهلها.

 

ربما يعجبك أيضا